السيّاح الروس «ينقذون» صناعة السياحة العالمية

يعتبر قطاع السياحة، احد أكثر الحقول التي تشهد نموا سريعا في الإقتصاد الروسي، وهو يستمرّ بالنمو في سرعة ثابتة. حتى الهجمات التي وقعت في 11 أيلول العام 2001، والتي حطّمت العمل السياحي الدولي تقريبا، لم تؤثر عليه عمليا.
وبالرغم من أنّ عدد الروس الذين يسافرون إلى البلدان العربية نقص بعض الشّيء بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة، الا انه سرعان ما استعاد مستواه. فمصر والإمارات العربية المتحدة، بدأتا بعرض الجولات السياحية باسعار مشجعة مما سمح للسيّاح الروس بالظهور امام العالم بأكمله مرة أخرى ليقولوا بأنّهم لا يخشون الإرهابيين، والكوارث الطبيعية أو ما شابه.
وذكّروا في الجمعية الروسية للوكالات السياحية، "آر أي تي أي"، بانه وفي العام 1997، أنقذ الروس العمل السياحي المصري عمليا، بعدما إنهار تقريبا عندما بدا الأوربيون بتفادي البلاد بعد الهجوم الإرهابي للمتطرفين على السيّاح الألمان. المثال البارز الآخر هو تركيا، بلاد محبوبة للغاية جدا من قبل المصطافين الروس الذي لا زلازل أنقرة ولا التهديد المتطرّف يمكن أن يمنعهم من قضاء العطلة هناك.
السبب الآخر الذي يجعل من الروس ضيوفا مرحبا بهم في أيّ جزء من العالم، هو أنّهم لا يقلّلون ابدا من الانفاق في عطلاتهم، كما يفعل غيرهم من الدول الاخرى، ويعرف عالميا إستعمالهم الشامل لخدمات الفنادق، والتمتع بالنزهات، وإسلوبهم في إعطاء الإكراميات الكبيرة.
لكن ما زال الأمل الرئيسي لصناعة السياحة الروسية يتوقّف على نمو المداخيل والسياحة الداخلية، اللذين قد يصبحان مصدر دخل جيد للميزانية الرسمية ويساعدان على حلّ العديد من مشاكل البلاد الإجتماعية والإقتصادية، ومن ضمن ذلك التعامل مع التوظيف السياحي.
والشاذّ كما يبدو، هو ان السياحة الداخلية حصلت على حافز قوي بعد الأزمة المالية آب العام 1998، الذي سبّب كسادا مؤقتا في الجولات السياحية ما وراء البحار. فقد أصبح قضاء العطلات في الخارج غاليا جدا ولذلك فقد حوّل العديد من الروس إنتباههم إلى مصايف العطلة المحلية. وغصت مجددا الفنادق على ساحل البحر الأسود وقواعد التزلج في الجبال في منطقة إلبروس وفي دومبي بالمصطافين بعد ان كانت تلك المناطق تفيض سابقا بالسيّاح. كما بدأت الاتجاهات الجديدة للنشاط السياحي بالتطور أيضا.
وطبقا لـ "آر أي تي أي"، فان كلّ شيء يعتمد على مبادرة الإدارات المحليّة وعلى رغبتها لتحويل السياحة إلى مصدر لإزدهار مناطقهم. مثال على ذلك ادراج البلدة الصغيرة غير المعروفة في العمق الروسي ميشكين (أسفل نهر فولغا)، الآن في كل مخطّط رحلة سياحية. "مهنة" البلدة السياحية بدأت قبل سنوات قليلة مع افتتاح متحف الفئران ("ميشكين" تترجم بـ "بلدة الفئران"). المتحف، الذي يعرض 7,000 فأر لعبة من جميع أنحاء العالم، أصبح مصدر جذب سياحي حقيقي.
وفي السياق نفسه كما تشير "آر أي تي أي" فانه يلاحظ نمو ثابت لمداخيل السياحة. روسيا تعتبر على ما يبدو إحد أكثر البلدان المستقرّة التي تتمتع بالفرص السياحية الفريدة. وفي الوقت الحاضر، ولم تعد تتضمّن الجولات السياحية الروسية كما كان ساريا في أغلب الأحيان، مدن موسكو وسان بطرسبورغ فقط، بل تظهر ايضا اهتمامات كبيرة بسيبيريا والشرق الأقصى، بالبحيرة السيبيرية الجنوبية بايكال والصيد في التايغا.
كما بدأت الجولات الغريبة، مثل السفرات إلى المناطق القطبية، تصبح اكثر شعبية، أيضا. فقد تم تنظيم جولة قطبية لخمسة أيام مؤخرا جوا إلى القطب وهي تتضمن السكن في القطب الشمالي في الوحدات القطبية القابلة لـ"لنفخ". كما بامكان السيّاح الذهاب للغطس في بدلات القفز الخاصّة، والتحليق في منطاد أو الالتحاق برحلة صيد قطبية لرؤية الدببة القطبية الحيّة.
ومن الواضح، ان تطور السياحة لن يتحقق في الواقع بشكل صحيح حتى تحل البلاد مشاكل عمل فنادقها. وعلى الرغم من البناء النشيط للفنادق الحديثة، فما زال هناك القليل جدا من الوسائل السياحية الجيدة في روسيا، بالأضافة إلى قلة الحافلات السياحية المريحة والأرصفة الحسنة التجهيز.
وبدأت الدولة باتخاذ اجراءات لدعم العمل السياحي. وللمرة الاولى كرست ميزانية العام 2002 في روسيا فقرة خاصة للإنفاق المتعلّق بالسياحة. وستذهب هذه الموارد بالدرجة الاولى لتحريك فرص روسيا السياحية والمشاركة على سبيل المثال في المعارض الدولية. واضافة لذلك فيجب ان يشهد عمل اعطاء التأشيرات السياحية القصيرة الأمد للأجانب تحسنا ايجابيا. اضافة الى الحقّ بالحصول بسرعة على التأشيرات التي تخدم لثلاثة أيام على الحدود لمواطني معاهدة شينغين من بريطانيا وسويسرا واليابان.
فاذا قدّر لروسيا ان تحلّ مشاكلها المتعلقة بالسياحة، فحسب توقعات منظمة السياحة العالمية فهي قد تدخل قائمة "أفضل عشر" دول سياحية في العالم.