الشاهد يسعى إلى تعويم الأزمة السياسية والمعارضة تتحرك لتطويقها

مراقبون يرون ان الشاهد يحاول إنقاذ نفسه لكسب أكثر ما يمكن من الحزام السياسي سواء من داخل النداء أو من خارجه.
تونس تعاني من تدني كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية
حافظ السبسي يواجه معارضة شديدة من قبل شق يطالب بفك الارتباط بحركة النهضة

تونس ـ خرج يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية والقيادي بحزب نداء تونس عن صمته ليتهم حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي للحزب بـ"تدمير النداء" في مسعى إلى تعويم الأزمة السياسية فيما دعت الكتل المعارضة البرلمان لعقد جلسة عامة لتدارس أزمة الحكم التي تشهدها البلاد بعد تعليق العمل بوثيقة قرطاج.

وقال الشاهد الثلاثاء خلال كلمة بثتها القناة التلفزيونية الأولى "إن حافظ قائد السبسي والمحيطون به دمروا نداء تونس ودفع عددا كبيرا من المناضلين الصادقين والكفاءات لمغادرته" مشيرا إلى أن الأزمة السياسية انطلقت شراراتها من النداء".

وهذه هي المرة الأولى التي يهاجم فيها الشاهد حافظ حيث لازم الصمت تجاه الحديث عن الخلافات العميقة التي تشق النداء ونأى بنفسه عن الشق الموالي لحافظ والمعارض له على حد سواء في مسعى إلى كسب ثقة مختلف الأطراف المتصارعة.

ويواجه حافظ معارضة شديدة من قبل شق يطالب بفك الارتباط بحركة النهضة ودمقرطة إدارة الحزب في ظل اتهامات له بالانفراد بالقرار وجر الحزب إلى التفكك السياسي.

وشهد النداء نزيفا من الاستقالات طالت عددا من القيادات البارزة المناهضة للنهضة منها بوجمعة الرميلي ورضا بلحاج فيما سارع حافظ إلى تغذية الحزب بشخصيات سياسية جديدة وفي مقدمتها برهان بسيس وكلفه بإدارة الملف السياسي للحزب.

تشديد على الثقة الكبيرة في رئيس الجمهورية
تشديد على الثقة الكبيرة في رئيس الجمهورية

وقال الشاهد إن حركة نداء تونس اليوم "لا تشبه الحركة الذي انتمى اليها في 2013" مشددا على أن "الوقت قد حان اليوم لمسار إصلاحي داخل الحزب ليستعيد ثقة التونسيين ومكانته كفاعل أساسي في خدمة المصلحة الوطنية دون ان يكون عبئا عليها".

وأضاف يقول إن "مسيري النداء، الذي لم يعد يشبه الحزب الذي انضممت إليه في سنة 2013 والذي آمن به عدد كبير من التونسيين، قادوه من هزيمة إلى أخرى، انطلقت بفقدانه لموقعه كأول كتلة في البرلمان وآخرها الهزيمة في الانتخابات البلدية التي خسر فيها الحزب قرابة مليون صوت".

وتظهر قراءات في تصريحات الشاهد أن الرجل بات يراهن على الخلافات التي تشق النداء لقيادة شق مناهض لقيادة الحزب الذي يحمله مراقبون مسؤولية الأزمة السياسية.

وقالت مصادر من النداء إن "الشاهد يحاول إنقاذ نفسه من خلال تعويم أزمته لكسب أكثر ما يمكن من الحزام السياسي سواء من داخل النداء أو من خارجه".

وأضافت المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها لحساسية الموضوع تقول لمراسل ميدل ايست أونلاين "إن محاولة الشاهد تعويم أزمته السياسية من شأنها أن تقود به إلى نوع من التصادم مع الرئيس الباجي قائد السبسي لعدة اعتبارات أولها أنه لا يقبل بأي مسعى لتفكيك الحزب الذي أسسه بنفسه العام 2012 وثانيها تمسكه بقيادة نجله حافظ للحزب وثالثها رفضه ترحيل أزمة رئيس الحكومة إلى الوحدة الوطنية التي يؤمن بها.

والاثنين قال منجي الحرباوي الناطق باسم النداء أن "الشاهد يبقى في نهاية الأمر ابن نداء تونس وأحد أبرز قياديه" غير أنه لفت إلى أن "الحكومة حادت عن وثيقة قرطاج من خلال عدم الإسراع في مكافحة التهريب وإنعاش الاقتصاد المنهك.

وتعاني تونس من تدني كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية إذ لا تتجاوز نسبة النمو 2 بالمئة فيما ارتفعت نسبة عجز الموازنة إلى 6 بالمئة مما دفع البلاد إلى التداين الخارجي الذي بلغ 69.9 بالمئة إضافة إلى ارتفع نسبة التضخم إلى 6.9 بالمئة مما قد إلى تدهور المقدرة الشرائية بنسبة لا تقل عن 40 بالمئة وفق منظمة الدفاع عن المستهلك.

وخلال الأشهر الماضية توترت علاقة الشاهد مع منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتهم الشاهد بتفكيك مفاصل الدولة وبتهميش الاتحاد من المشاركة وإبداء رأيه في الإصلاحات الكبرى اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

ويجاهر حافظ قائد السبسي بأن مرد الأزمة السياسية والهيكلية هي طبيعة السياسات الفاشلة التي إنتهجها الشاهد نتيجة افتقاره لأي رؤية استراتيجية للتعاطي مع الملفات الأمر الذي قاد إلى تجريد الحكومة من هويتها كحكومة وحدة وطنية ديمقراطية.

غير أن الشاهد شدد على أن "وجود المسيرين الحاليين على رأس الحزب، يمثل عائقا امام توحيد العائلة الوطنية والديمقراطية ولا يقود سوى إلى التشتت الذي راينا نتائجه في سنة 2011 ويهدد التوازن السياسي".

ويشير الشاهد بذلك إلى أن حافظ يقود النداء إلى التفكك بما يجرده من وزنه في المشهد السياسي ليفسح المجال من جديد لهيمنة حركة النهضة على المشهد السياسي.

وقال الشاهد إن "هياكل الحزب متعطلة اليوم" مشددا على أن انفراد حافظ بقرارات لا تعبر على رأي أغلبية الندائيين الذين من حقهم الطموح لحزب قوي وفيه مؤسسات ويدار بطريقة ديمقراطية وخاصة يؤدي دوره في توحيد الصف الديمقراطي".

الصديق: الخلاف هو الحرب على مواقع القرار
الصديق:  حرب على مواقع القرار

وأضاف "غير متشبث بالكرسي وليس لي أي طموح شخصي، الحكومة واصلت وستواصل العمل على الملفات وتقودها المصلحة الوطنية، وإذا البعض عندهم أجندتهم الخاصة أنا ما عندي كان المصلحة الوطنية".

وأقر بأن غلاء الأسعار يمثّل أكبر هاجس في العمل الحكومي لافتا إلى أن "الأزمة السياسية كان يمكن أن تكون أكبر لولا وجود رجالات الدولة وعلى رأسهم الرئيس قايد السبسي، منتقدا في الأثناء الخطاب السياسي المتدني لبعض الأطراف.

ووصف أحمد الصديق القيادي بالجبهة الشعبية الأزمة السياسية بـ"الحرب على المواقع" بين النداء المسنود من النهضة وبين الحزب الذي يقود الحكومة" مشددا على أن المتضرر الأول من الأزمة هم التونسيين الذين دفعوا كلفة باهظة نتيجة سياسة الشاهد".

وقال الصديق وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين متحدثا عن تمسك النهضة بالشاهد إن "عمق الخلاف هو الحرب على مواقع القرار والنفوذ ولا توجد أي إرادة سياسية واضحة لا بشأن المسار الديمقراطي ولا بشأن إجراء إصلاحات كبرى".

وخلال السنوات الماضية ما انفك الصديق  يعبر عن غضبه إزاء تردي الأوضاع في تونس سواء تعلق الأمر بالإرهاب أو بالفساد محملا المسؤولية إلى السياسات الفاشلة.

وفي مبادرة لتطويق الأزمة ومساعي النهضة لفرض الشاهد قال الصديق إن كتل الجبهة الشعبية والولاء للوطن والديمقراطية قررت الدعوة الى عقد جلسة عامة بالبرلمان للتداول حول "أزمة الحكم التي تعيشها البلاد".

وشدد أحمد الصديق على أنه "ما كان للكتل الثلاث أن تنوي التدخل في شأن الأحزاب الحاكمة ولكنها ارتأت التدخل بعد أن انعكست أزمة الحكم سلبا على الادارة والحكومة".

والثلاثاء قال الجنيدي عبد الجواد منسق حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي المعارض إن "التنكرّ ليوسف الشاهد بدأ منذ إعلانه عن الحرب ضدّ الفساد" مشددا على أنه ''عندما أعلن الشاهد الحرب على الفساد اندلعت حرب ضده داخل وثيقة قرطاج".

وقال عبدالجواد '"نحن لسنا لا مع بقاء الشاهد ولا إزاحته نحن مع التوافق لان تونس في حاجة إلى مناخ سياسي واجتماعي سليم وقنوات الحوار مازالت ممكنة". ويرى غازي الشواشي الأمين العام للتيار الديمقراطي المعرض أن أزمة الشاهد تعكس "العبث السياسي بعينه"وهو ما يعني ان "المعركة" ليست من أجل برنامج لإنقاذ تونس وإنما الخلاف بسبب أولوية الأولويات وهي الحفاظ على المناصب والتموقع بمواقع النفوذ، وليس بسبب جزئيات تخص الحفاظ على البلاد وانقاذها".

وكان حمة الهمامي الناطق باسم الجبهة الشعبية شدد في أكثر من مناسبة على أن سياسة الشاهد المتحالف مع النهضة "كشفت فشل هذا التمشي الذي عوض أن يخرج بحلول للبلاد ومعالجة أزمتها فانه اضاف اليها أزمة سياسية حادة كما كشف أيضا أن هذا التمشي خاطئ لأن معالجة مشاكل البلاد من المفروض ان تعالج في إطار البرلمان".

ويرى أن الأزمة ستكون لها تبعات وخيمة على البلاد التي ستتعطل مؤسساتها وتغرق في ضبابية المشهد" مضيفا يقول "لا أحد يعرف مآل الحكومة ورئيسها ولا الى أين تسير مشددا على أن الجبهة تقدم نفسها كبديل ديمقراطي للتحالف الهش.

وتوقع حمة الهمامي أن الأمور تتجه نحو التصعيد مشددا على أن الخاسر الرئيسي هوالشعب وتونس واقتصادها، اذ بقيت تراوح نفس المكان وكل شيء فيها بات معلقا".

ويرى مراقبون أن يوسف الشاهد سقط في "فخ" حركة النهضة التي تراهن على تعميق الأزمة داخل النداء بصفة خاصة وداخل البلاد بصفة عامة لفرض نفسها على المشهد السياسي ولمزيد التغلغل داخل مفاصل الدولة ومؤسساتها وأجهزتها.

ويضيف المراقبون أن الأزمة السياسية أثارت اهتمام باريس من خلال الاستقبال الحار السبسي بالرئيس ماكرون الثلاثاء بقصر الإليزيه على هامش المؤتمر الدولي حول ليبيا خاصة أن الرئيس الفرنسي جدد استعداد بلاده لمواصلة وقوفها إلى جانب تونس لإنجاح تجربتها الديمقراطية التي وصفها بـ"الفتية" وبـ "الرائدة".

وعلى الرغم من ان اللقاء لم يكن رسميا فقد رأى المراقبون في لقاء ماكرون للسبسي في قصر الإليزيه وإصدار بلاغ مشترك مؤشرا قويا على أن باريس تتابع باهتمام تطورات الأحداث في تونس وتعتبر نفسها معنية مباشرة بالمسار الانتقالي في تونس.