الشبكات الاقتصادية غير الرسمية تهيمن على المشهد في سوريا

صعود شبكات الواجهة قد تسهم في تعزيز المرونة الاقتصادية للأسد ودوائره الداخلية، لكنها لا تفعل الكثير للتخفيف من الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى إفقار السوريين.

دمشق – كشف تقرير لمرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، تغييرات يعتمدها الرئيس السوري بشار الأسد في الشبكات الاقتصادية غير الرسمية التي عززت منذ فترة طويلة الاقتصاد السياسي للبلاد. والذي لا يعني تحسين الواقع الاقتصادي العام بأي حال.

وقال التقرير الذي أعده الباحثان كرم شعار، وستيفن هايدمان أنه منذ عام 2020، تحرك الأسد عكس ما كان يفعل سابقًا باعتماده على المقربين الذين يمتلكون شركات كانت من بين مصادر الإيرادات الرئيسة للنظام، إذ يبدو أن الأسد تعلم من حلقة ابن خاله رامي مخلوف في الفترة 2019-2021 بأنه فقط من خلال مركزية وتبسيط هياكل الشبكة وتولي دور قيادي، وإن كان خفيًا، في الشركات التي تدعم الشبكات، يمكنه ضمان تدفق موثوق للإيرادات إلى خزائن الرئيس.

ولا يزال كبار المقربين الذين صعدوا إلى مناصب النفوذ منذ عام 2011، وهم رجال الأعمال مثل سامر فوز ومحمد حمشو وحسام قاطرجي، يشغلون أدوارًا مركزية في شبكات المحسوبية، ومع ذلك، فإنهم يعملون بشكل متزايد جنبًا إلى جنب مع الشبكات التي يسيطر عليها الأسد نفسه وعلى الجبهات والمنافذ التي اختارها بنفسه.

ويبدو الأسد مقتنعًا بأنه بدلًا من الاعتماد على المقربين منه، فإن من الأفضل له أن يمارس دورًا مباشرًا باعتباره الفاعل الاقتصادي والسياسي المهيمن في سوريا.

حالة الاقتصاد السوري هي أكبر نقطة ضعف للأسد، مما يشكل تهديدات أقوى بكثير لبقائه السياسي من بقايا المعارضة المسلحة في شمال غربي سوريا 

وتختلف شبكات الأسد الجديدة واعتمادها على واجهات الأعمال بشكل واضح عن الشبكات الاقتصادية التي تطورت حول المقربين التقليديين، ففي حين أن المقربين لديهم مكاتب فعلية، وعناوين عمل، وملفات شخصية عامة يهتمون بها ويروجون لها، فإن الواجهات لا تملك أي شيء، وعلى الرغم من الإمبراطوريات التجارية التي تشير الوثائق إلى سيطرة تلك الجهات عليها، فإنها أشباح بالنسبة للجمهور بشكل عام.

من بين الواجهات الخمس هناك شخص واحد فقط هو يسار إبراهيم، لديه صورة معروفة للجمهور، على عكس المقربين الذين غالبًا ما يبذلون جهودًا كبيرة لتعزيز العلامات التجارية العامة.

وفي حين يقدم المقربون من الأسد الدعم السياسي والاقتصادي مقابل المعاملة التفضيلية التي يتلقونها من مؤسسات الدولة، ما يؤدي إلى إثراء أنفسهم في هذه العملية، فإن واجهات الأعمال ليس لديها ما تقدمه مقابل المناصب المميزة التي تشغلها، ومجرد وجودهم "كرجال أعمال" يعتمد على عامل واحد فقط هو موافقة الأسد.

ولا يقتصر نطاق الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها المحسوبون على الأنشطة التي يقومون بها نيابة عن السلطة، في حين تحتل الواجهات مواقع أكثر محدودية تخدم المصالح الاقتصادية للأسد بشكل مباشر.

ومن المؤكد أن صعود شبكات الواجهة للأسد ينطوي على مخاطر، على الرغم من أنها قد تسهم في تعزيز المرونة الاقتصادية للأسد ودوائره الداخلية، فإنها لا تفعل الكثير للتخفيف من الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى إفقار السوريين العاديين وتغذي المظالم الاقتصادية العميقة التي أثارت بالفعل احتجاجات كبيرة مناهضة للسلطة.

وإذا أصبحت هذه الشبكات معروفة بشكل أكبر، فقد يحول السوريون المتضررون تركيزهم من الحكومة بشكل عام إلى الأسد نفسه فحتى الآن، كان الانتقاد المباشر للأسد خطًا أحمر التزم به الجمهور في مناطق النظام إلى حد كبير.

ويضاف إلى ذلك أن واجهات الأسد قد تثير أيضًا رد فعل في صفوف المقربين من النظام، فحتى الآن لم تنجح الواجهات في مزاحمة شبكات المحسوبية التي لا تزال تساهم بشكل كبير في مرونة السلطة الاقتصادية، ولكن هناك أدلة على أنها بدأت بالقيام بذلك، ومع إدراك أن النخب التجارية لديها مجال محدود للغاية للمناورة إذا وجدت نفسها "ضحايا" للأسد، فإن علاقتها مع الأسد قد تصبح مع ذلك متوترة على نحو متزايد إذا قام بتوسيع سعيه لتحقيق مصالحه الاقتصادية الشخصية على حسابهم.

وإذا وصلت التوترات إلى هذه النقطة، فقد تتبع نخبة الأعمال استراتيجياتها الخاصة لمقاومة مطالب الأسد، سواء عن طريق إخفاء الأصول، أو تحويل الاستثمارات إلى الخارج، أو ربما الانفصال عن النظام، وهو المسار الذي اختارته عائلات الأعمال الكبيرة مثل عائلة غريواتي وكامل، وصباغ والشرباتي، رغم أنه الوقت الحاضر تدر شبكات المحسوبية إيرادات، بينما تمنح النظام المرونة التي يحتاجها بشدة في كفاحه المستمر ضد العقوبات.

وبالتالي فإن تورط الأسد في شبكات الواجهة يقوض السرد واسع النطاق الذي يعتبر أن ابتعاده عن المسائل الاقتصادية هو مصدر للشرعية وأساس لدعم وولاء النخبة والجمهور.

ويقول التقرير أن ما لا تستطيع شبكات الواجهة التابعة للأسد فعله هو التعويض عن الحالة المتردية للاقتصاد السوري، والتغلب على ما وصفه البنك الدولي مؤخرًا بـ"انهيار رفاهية الأسر"، أو التخفيف من الاضطرابات الاجتماعية واليأس المتزايدة بين السوريين العاديين.

وحتى في الوقت الذي يناور فيه الأسد لتوسيع نفوذه الاقتصادي، أصبحت حالة الاقتصاد السوري هي أكبر نقطة ضعف للنظام، مما يشكل تهديدات أقوى بكثير لبقائه السياسي من بقايا المعارضة المسلحة في شمال غربي سوريا أو نظرائهم الكرد في الشمال الشرقي.

وإذا كان النفوذ الأميركي والغربي على الأسد محدودًا دائمًا، فإن وجود شبكات الواجهة هذه يخلق عقبات جديدة أمام التقدم في القضايا التي تتصدر جداول الأعمال الإقليمية والدولية، بما في إنتاج وتهريب الكبتاغون" ورفض السلطة خلق الظروف التي تسمح بالعودة الآمنة للاجئين، واستمرار رفض مناشدات تقديم معلومات حول مصير عشرات الآلاف من السوريين المفقودين المحتجزين.

ولتحسين احتمالات التحرك الإيجابي بشأن هذه القضايا أو غيرها، تتمثل الخطوة الأولى في تسليط الضوء على الأنشطة الاقتصادية التي ازدهرت في غياب المعرفة العامة أو التدقيق.

وستسفيد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشكل جيد من خلال استدعاء شبكات واجهة الأسد الأمامية، ويشكل مثل هذا الجهد شرطًا ضروريًا لاتخاذ تدابير إضافية لإضعاف فعالية هذه الشبكات. فالوعي بالشركات التي يمتلك الأسد حصة غير مباشرة فيها يمكن أن يساعد الحكومات والمنظمات الدولية على تجنب انتهاكات العقوبات ودعم الأسد عن غير قصد، ويتعين على الحكومات المانحة على وجه الخصوص التأكد من أن مساهماتها في العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا لا يفسدها التعاون مع الكيانات والأفراد المرتبطين بالنظام والخاضعين للعقوبات.