الشتاء مُلهم أم طارد للإبداع!

كتّاب يرون أن الفصل البارد الماطر محفز للكتابة وفيه وضوح في الرؤية وآخرون يعتبرون الشتاء موسم الخمول والكسل والانطفاء.
محمود درويش: مطر كرسالة حب تسيل إباحية من مجون السماء
أبو القاسم الشابي: يجيء الشتاء فينطفىء السحر
نجيب محفوظ: أحب الشتاء، أشعر فيه بوجد، وأحب الدنيا فيه
بشرى أبو شرار: الصيف فصل موات للابداع

القاهرة - من أحمد رجب
"في هذا الشتاء، أمضي وقتاً بلا معنى في موسكو. لا أستطيع أن أكتب شيئاً، ولا أملك حتى القدرة على ذلك، ولا أعرف إلى أين يأخذني الثلج والشتاء، لطالما تملّكني الخوف"..  هكذا تحدث نيقولاي غوغول عن الشتاء الروسي، وقد عبرت رسائل وأحاديث الأدباء الروس عن مشاعر مشابهة تجاه الفصل القاسي، لكن بعيدا عن روسيا نجد آراء أخرى، فمثلا إيزابيل الليندي تجد في شتاء يناير محفزا إبداعيا دائما، أيضا الاسكتلندية آلي سميث تفضل الشتاء وتقول عنه الشتاء كانقلاب فصلي يعني وضوح الرؤية في العمق رغم الغيوم الظاهرية، وذكريات حميمة تتحدى بنضارتها وتجددها قسوة البرد، كما أن الشتاء يقترن عندي بالأساطير ويحفزني على العمل".
المبدعون العرب أيضا اختلفوا في ميولهم تجاه الشتاء، فها هو محمود درويش في قصيدته "أحب الشتاء"، يقول: "كنت فيما مضى أنحني للشتاء احتراما/ وأصغي إلى جسدي.. مطر مطر/كرسالة حب تسيل إباحية من مجون السماء" ومثله نزار قباني كتب قصائد كثيرة عن الشتاء، لكن مشاعر أبو القاسم الشابي على النقيض منهما فيقول "يجيء الشتاء شتاء الضباب.. شتاء الثلوج شتاء المطر/فينطفىء السحر سحر الغصون.. وسحر الزهور وسحر الثمر".
 

محمود درويش
كنت فيما مضى أنحني للشتاء احتراما

اللجوء إلى الدفء
في حوارات نجيب محفوظ أكد على أنه يعتبر الشتاء ملهما، فقال "روحي في الشتاء تكون متألقة، وكل استعداداتي وإمكاناتي الأدبية تكون في حركة ونشاط، وهذه الحالة كانت تبدأ معي من الخريف وتستمر حتى نهاية الشتاء، ثم يجئ الربيع فتأتي معه فترة البيات الربيعي والصيفي، وأنا أحب الشتاء، فأشعر فيه بوجد، وأنجز فيه الكتابة، وأحب الدنيا فيه".
كذلك يرى الروائي يوسف القعيد إن الشتاء فصلاً محفزاً للإبداع، حيث يضطر المبدعين إلى اللجوء إلى دفء المنازل هرباً من البرد، أيضا مفردات الشتاء بالنسبة له من مثيرات خياله  فينطلق للكتابة تحوطه روائح أشجار البرتقال والليمون، وتظلله تلك السماء الملبدة بالغيوم.
ويعترف الروائي أشرف العشماوي بأنه ممن يفضلون الكتابة في الشتاء، ويقول "ليس ثمة أساس أو تفسير لما يقال عن أن الإبداع يتوهج في الشتاء أكثر منه في الصيف، لكنني أرى أنه انطباع أقرب إلى الحقيقة أو على الأقل هذا ما أشعر به، فالشتاء ملهم بغيومه، وتقلباته، وبرودته ، وعموماً مزاجي في الشتاء يكون أفضل من الصيف الذي أميل فيه إلى الخمول والكسل".
كذلك الناقد والروائي العراقي داود سلمان الشويلي ممن يفضلون الشتاء ويقول "أنا واحد ممن يتأثرون إبداعيا بتقلبات الحالة النفسية وبتقلبات الفصول، حرارة جو العراق خصوصا في جنوبه مرتفعة بنسب كبيرة تصل الى أكثر من خمسين درجة في فصل الصيف، و بنفس الوقت يكون الجو بارداً في أغلب أيام الشتاء، هذا يؤثر كثيراً في الكتابة الابداعية، أو الكتابة بصورة عامة . ففي الصيف نحتاج الى تكييف المكان المتواجدين فيه لكي نكتب و نقرأ ، لكن أحيانا لا يفلح التكييف في مساعدتنا، أما في الشتاء نحتاج الى مكان دافيء. لكني أفضل الكتابة في الشتاء، إذ يمكن أن نستدفيء بأي شيء، أما في فصل الصيف فالتيار الكهربائي في العراق غير مستقر اضافة لحرارة الجو اللاهبة، لهذا تجدني قليل الانتاج صيفا، أو أنني أعد بعض الموضوعات للكتابة لكن لا أستطيع إنجازها إلا في الشتاء".

إيزابيل الليندي
يناير موسم الكتابة

وتقول الكاتبة الفلسطينية بشرى أبو شرار "لا أكتب صيفا فالصيف فصل موات بالنسبة للإبداع، لم أسأل نفسي يوماً أين تذهب مني الحروف حين يقترب تموز من كوكبنا، ومن أين تأتي إلي من جديد والكون عاصف ماطر يستنيم على صقيع الوقت، أستعيد ذاتي من صقيع الوقت، ألون منه حروفي، أنثرها لتحوط كوني كما قوس قزح، وحينما ألوذ بدفء البيت أستطيع نقلها إلى الورق".
دفق لا موسمي
أما الروائي العراقي سلام ابراهيم فيرى أن "الكتابة الإبداعية من وجهة نظري ووفق تجربتي دفق داخلي سري يطفح بغتةً من أعماق المبدع ولا يعرف موسوماً أو فصلاً. الكتابة حاجة تتكون في تركيبة وجود الكاتب الموهوب. وفي مثل ظروف بلدي العراق الجحيم الذي لم يخفت أوراه حتى هذي اللحظة، ومن خلال تجربتي في الكتابة التي نمت مع نموي منذ أواخر ستينيات القرن المنصرم، لم يحددها موسم أو وقت، هي تأتي بغتةً في فوران داخلي يسبقه تأمل وبحث طويل في فكرة تؤدي إلى حدث أو في حدث يستخلص منه ثيمة. لا وقت لها ولا موسم، لكنها أي لحظة الإمساك بالقلم سابقاً أو الهروع نحو الحاسوب حاليا، لحظة مزاجية، فدون مزاج لا يكتب الكاتب غير كلمات ميتة مصنوعة.
 وقد كتبت قصصاً في ظروف متناقضة كان العيش فيها على حافة الهاوية، في وقت كنت مهددا فيه طوال التجربة، كتبت قصصا في جبهة الحرب، وقصصا قبلها، ثم كتبت في ظروف حياة الثوار بين الجبال والقرى البعيدة على ضوء الفوانيس في الجوامع وأوقات الحراسات في النهار. كتبت قصصاً وأنا محجوز في معسكرات اللجوء في إيران في البرد والحر، في ضوء النهار الباهر، وعلى ضوء فانوس ضعيف مرتعش، فهي الكتابة من يحاصرني هاجمة من مجاهيل نفسي وتكوينها. وهنا منذ 1992 عام أستقراري في الدنمارك وتفرغي التام بسبب وضعي الصحي ، تأكدتُ من طبيعة الكتابة بأنها تتدفق بعد طول تفكير وبحث في لحظة لا تاخذ وقتاً طويلا بل الجهد الأكبر في البحث السابق والتركيب، ووقتها يأتي في الصيف والشتاء والخريف والربيع، في أول النهار أو آخر الليل لحظة فريدة ليس لها علاقة لا بالفصول ولا بقرار الكاتب. وكل من يكتب بقرار ووقت تجد كتابته ميتة لا نسغ فيها". (وكالة الصحافة العربية)