الشرعية التي يجب إعادة النظر فيها

إذا كانت "الشرعية" تعمل ضدهم فلمَ لا يقاومها الجنوبيون؟ بل لمَ لا يقاومها اليمنيون كلهم؟

توفي محمد مرسي، رئيس مصر لسنة واحدة ففسد مسوغ جماعة الإخوان المسلمين للحديث عن شرعية مسلوبة.

ما كان يُسمى بـ"الرئيس الشرعي" لم يعد على قيد الحياة. بوفاته لم يعد مقبولا على مستوى العقل والمنطق الحديث عن الشرعية التي لم يصنها محمد مرسي حين كان رئيسا ولم يدافع عن سيادتها واستقلالها بل وحتى عن انتمائها المصري. وهو ما أفقده منصبه وأعاده إلى السجن الذي غادره بعد الثورة.

تدخل الموت وحل مشكلة الإخوان.

اما في اليمن فإن الحسابات تكاد أن تكون مختلفة. فالرئيس "الشرعي" عبدربه منصور هادي لا يزال حيا من غير أن تتمتع شرعيته بأي نوع من الحياة. ذلك لأن الشرعية ليست غطاء أبديا لا يمكن نزعه والكشف عن الحقائق التي تقع تحته. وهي ليست صفة مقدسة لا تتعرض للمساءلة.

أكثر من أربع سنوات مرت وعبدربه منصور يتمتع بلقب "الرئيس الشرعي" الذي حظي به باعتراف المجتمع الدولي من غير أن يضع شرعيته في خدمة الخيار الوطني اليمني. فالرجل لا يمارس صلاحياته من موقعه داخل الأراضي اليمنية. لقد ارتضى العيش في المنفى الاختياري مفضلا نعيمه على العمل داخل الأراضي اليمنية من أجل تمتين وحدة الصف الوطني.

لم تكن شرعيته مقنعة لأبناء الجزء المحرر من اليمن وهو الجزء الجنوبي لا لرغبتهم في الانفصال وهي حق تفرضه الوقائع بل لإنه لا يرى مسوغا للقيام بذلك ما دام قد اطمأن إلى أنه سيكون رئيسا شرعيا مدى الحياة.

تلك علاقة عبثية لا تستند إلى المنطق.

فالشرعية، أية شرعية انما تستمد قوتها من الشعب الذي في إمكانه في أية لحظة أن يسحبها إذا ما دفعته الحاجة إلى القيام بذلك. وهنا تكمن بالضبط العقدة التي لم يفهم منصور أسرارها. لذلك فإنه يفضل الهرب من مواجهتها من خلال امتناعه عن الحوار مع خصومه في الواجب الوطني من أعضاء المجلس الانتقالي الذين يشعرون أنهم ظلموا من خلال الخضوع لشرعية ميتة لا يمثل الاعتراف بها سوى القبول بحكم الإخوان الذين يمثلهم حزب الإصلاح.

لقد كان على عبدربه منصور وهو "جنوبي الأصل والمنشأ" أن يدرك أن المزاج اليمني في جنوب البلاد لا يمكن أن ينسجم مع الحكم الإخواني. وكان على شرعيته أن تفرض وضعا يكون بمثابة استثمار لتحرر عدن من قبضة الحوثيين لا أن يسلم المدينة للإخوان من خلال تمكينهم من مؤسسات الشرعية التي يعتقد الجنوبيون إنها صارت تمارس نوعا من الاحتلال المحلي.

إذا كانت "الشرعية" تعمل ضدهم فلمَ لا يقاومها الجنوبيون؟ بل لمَ لا يقاومها اليمنيون كلهم؟

ذلك سؤال يخشى الرئيس اليمني مواجهته. فالأمر يتعلق بشرعية صارت أشبه بفضيحة. وهو ما صار اليمنيون يشعرون بسببه بمسؤوليتهم عما انتهت إليه الأمور بسبب صمتهم وانصياعهم لإرادة دولية لا تقيم وزنا للتفاصيل.

وليس من باب التكهن القول إن لقاء جدة سيسعى إلى تحييد الرئيس عبدربه منصور من غير أن تكون هناك ثقة بأنه سيستدرك أخطاءه. فالرجل الذي أطلق يد الإخوان في مصائر اليمنيين يمكنه أن يذهب بعيدا مستغلا الاعتراف الدولي بشرعيته. ذلك ما يمكن أن يزيد الأزمة اليمنية تعقيدا.

سيكون من الصعب الدفع به إلى الإفصاح عن أهدافه.

عبدربه منصور هادي ينتمي إلى ما يمكن أن يُسمى بالحرس القديم. وهو الجيل الذي تغذى على روح الفتنة الداخلية واستمد قدرته على التواصل مع العالم الخارجي من خلالها. لذلك فإن استمرار الحرب تشكل بالنسبة له غطاء لشرعيته التي صار يتمتع بامتيازاتها من غير أن يؤدي واجباتها.

لقد صار لزاما على اليمنيين أن يعيدوا النظر في "شرعية" رئاسة عبدربه منصور من أجل أن يبدأوا في حل مشكلتهم.