الشرع يزيد الرواتب والمعاشات لاحتواء التوترات الاجتماعية
دمشق - أصدر الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع الأحد مرسومين رئاسيين يقضيان بزيادة الرواتب للعاملين في القطاعين المدني والعسكري وأصحاب المعاشات التقاعدية بنسبة مئتين في المئة، في ظل أزمة اقتصادية مستمرة في البلاد رغم رفع معظم العقوبات عنها.
وبحسب المرسوم الرئاسي، يرتفع الحد الأدنى لرواتب الموظفين الحكوميين إلى 750 ألف ليرة سورية، أي ما يُعادل نحو 75 دولارا، بعد أن كان الحد الأدنى للأجور يساوي نحو 250 ألف ليرة سورية (نحو 25 دولارا).
ونص كذلك على "إضافة زيادة بنسبة 200 في المئة إلى الرواتب والأجور المقطوعة النافذة لكل من العاملين المدنيين والعسكريين في الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة".
كما أصدر الشرع مرسوما آخر يقضي بـ"منح أصحاب المعاشات التقاعدية المشمولين بقوانين التأمين والمعاشات والتأمينات الاجتماعية النافذة زيادة قدرها 200 في المئة من المعاش التقاعدي".
وتشهد سوريا منذ سنوات أزمة اقتصادية مزمنة استمرت بعد إطاحة نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر 2024، رغم انفتاح البلاد ورفع العقوبات الغربية عنها وتلاشي القيود الأمنية.
وتعد نسبة الزيادة الحالية الأكبر من نوعها، فيما تستمر شكاوى المواطنين من عدم قدرتهم على تعويض الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة، في ظل استمرار التضخم وصعوبة ضبط الأسواق ومشاكل نقص السيولة.
وفي مايو الماضي، أعلن وزير المالية محمّد برنية تلقي سوريا منحة من قطر لتسديد جزء من أجور القطاع العام، على ما ذكرت وكالة سانا الرسمية للأنباء، موضحا أن المنحة البالغة 29 مليون دولار لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد "ستغطي رواتب العاملين في قطاع الصحة وقطاع التعليم وقطاع الشؤون الاجتماعية والمتقاعدين من غير العسكريين".
وفي بلد يعمل في قطاعه العام نحو مليون و250 ألف شخص بحسب السلطات، يُضطر الموظفون للوقوف ساعات في طوابير أمام فروع المصارف الحكومية أو أجهزة الصراف الآلي بسبب نقص السيولة.
ويأخذ بعضهم إجازة من عملهم لقضاء يوم كامل في محاولة لسحب جزء بسيط من رواتبهم. وينسحب ذلك أيضاً على المودعين الراغبين في سحب بعض مدخراتهم بالليرة السورية، ضمن سلسلة من الصعوبات التي يعانيها السوريون يومياً.
ولا تزال الحكومة تواجه تحديات كبيرة في توفير إيرادات كافية لتمويل الزيادات الجديدة، وسط عجز متفاقم في الموازنة، وتراجع الصادرات، وضعف الاستثمارات الأجنبية في البلاد التي يعيش أكثر من 90 في المئة من سكانها تحت خط الفقر، بحسب تقديرات منظمات دولية.
وأنهك النزاع في سوريا الذي استمر 14 عاما الاقتصاد المحلي، وخصوصا بسبب عقوبات فرضتها الدول الغربية على النظام السابق.
وتشير هذه الزيادة القياسية إلى محاولة لاحتواء التوترات الاجتماعية وفي الوقت ذاته إلى محاولة لمواجهة التضخم وانهيار القوة الشرائية للمواطنين.
وتعد زيادة الرواتب والمعاشات التقاعدية خطوة هامة في سياق الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور. وتحمل دلالات إيجابية تتعلق بمحاولة تخفيف العبء عن المواطنين وبناء الشرعية للحكومة الانتقالية، لكنها في الوقت نفسه تثير مخاوف جدية بشأن التضخم وقدرة الدولة على توفير مصادر تمويل مستدامة على المدى الطويل، بينما سيعتمد نجاح هذه الخطوة بشكل كبير على الإجراءات الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية المرافقة التي تهدف إلى تعزيز الإنتاج وضبط الأسعار.
وتعاني سوريا من تضخم هائل وانهيار في قيمة الليرة السورية، مما أدى إلى تآكل الرواتب والمعاشات بشكل كبير وأغرق غالبية السكان تحت خط الفقر. وهذه الزيادة تأتي كمحاولة لتخفيف العبء عن كاهل المواطنين وتحسين قدرتهم الشرائية المتدهورة.
وعلى الرغم من أن الزيادة تهدف لتحسين الأوضاع المعيشية، إلا أنها قد تؤدي إلى موجة تضخمية جديدة إذا لم تترافق مع إجراءات اقتصادية داعمة. وقد تدفع زيادة حجم الأموال المتداولة دون زيادة مقابلة في الإنتاج أو الموارد، الأسعار للارتفاع مرة أخرى، مما يلغي أثر الزيادة أو يقلل من فعاليتها.
ويشير وزير المالية في الحكومة الانتقالية إلى أن تمويل الزيادة سيأتي من خزينة الدولة، ومساعدات إقليمية، واستثمارات جديدة، بالإضافة إلى فك تجميد الأصول السورية في الخارج، لكن يبقى السؤال حول مدى استدامة هذه المصادر وقدرتها على تغطية التكاليف على المدى الطويل.
وقد تؤدي الزيادة إلى تحسين مؤقت في القوة الشرائية وزيادة الطلب على السلع والخدمات، مما قد ينشط بعض القطاعات الاقتصادية، لكن هذا التحفيز سيكون محدوداً إذا لم يترافق مع إصلاحات هيكلية تعزز الإنتاج والاستثمار.
وبينما يستفيد موظفو القطاع العام من الزيادة، فإن عمال القطاع الخاص قد لا يحصلون على زيادات مماثلة، مما قد يزيد الفجوة بين الأجور في القطاعين وربما يدفع بأسعار بعض السلع التي يعتمد عليها القطاع الخاص للارتفاع.
وتركت سنوات الأزمة الشعب السوري يعاني من ظروف معيشية صعبة للغاية. وهذه الزيادة، حتى لو كانت جزئية، قد تكون محاولة من الحكومة الانتقالية لامتصاص الغضب الشعبي وتحسين صورتها لدى المواطنين، خاصة في ظل التوقعات ببدء مرحلة جديدة في البلاد.
وفي ظل الفترة الانتقالية، تسعى الحكومة الجديدة لترسيخ شرعيتها وكسب تأييد الشعب. وتحسين الظروف المعيشية هو أحد أهم الركائز لتحقيق ذلك. وقد تكون هذه الخطوة محاولة لإرسال رسالة مفادها أن هناك تحسناً في الأوضاع الاقتصادية والمالية للدولة، وأن هناك جهوداً تبذل لتحقيق الاستقرار.
وعلى الرغم من حجم الزيادة، قد لا تكون كافية لتلبية جميع احتياجات الأسر السورية التي تعيش تحت وطأة أعباء معيشية ضخمة. لذلك، قد تكون هناك توقعات أكبر من المواطنين تتجاوز هذه الزيادة. ويمكن أن تساهم هذه الزيادة في رفع الروح المعنوية للعاملين والمتقاعدين، مما يعزز شعورهم بالتقدير ويزيد من ولائهم للمؤسسات الحكومية.