الشعائر والسياسة.. في تجربة حزب الله

شيعةُ حزب الله تبنت فكرَ الخمينيّ واعتبروا أفكارَه النسخةَ الأصيلةَ للإسلام وفكرته بعدم فصل الدين الإسلاميّ عن السياسة مما وجد تغييرًا في الإحياء الطقوسيّ العاشورائيّ في لبنان عند الشيعة ومنها ما له علاقةٌ بالشعائر كمسيرة البراءة في الحجّ.

بقلم: حسين شمس الدين

سعى حزبَ الله منذ بدايته إلى نقل الفكر الخمينيّ ضمن ممارساته الدينيّة بشكل خاصّ. ولرصد آثار فكرة "سياسيّةِ الإسلام" في حزب الله، سنتعرّض لنموذج الإحياء العاشورائيّ؛ وذلك لأنّ هذا الإحياء يُعتبر محطّةً مركزيّةً من محطّات ممارسات الشيعة الشعائريّة في العالم، وقد شهدتْ تبدّلًا جوهريًّا عند مَن تبنّى فكرة "عدم فصل الدين عن السياسة." وسنرصد هذا التغيّر ضمن نقاط.

  •  اللطميّات العاشورائيّة. تُشكّل "اللطميّة" أدبًا عاشورائيًّا خاصًّا بالشيعة. وهي عبارة عن نصّ شعريٍّ مختصّ برثاء الحسين بن عليّ وغيره من أئمّة الشيعة، يجري إلقاؤه ضمن لحنٍ خاصّ، من قِبل مُنشدٍ اسمُه "الرادودُ الحسينيّ،" وتحت منبره يصطفّ الناسُ لاطمين على صدورهم. وتميّزت اللطميّاتُ تاريخيًّا بأنّها أشعارٌ تُبرز البعدَ المأساويَّ للقضيّة العاشورائيّة؛ وهو ما يتجلّى في عناوين بعض القصائد ومطالعها مثل:

- "رفعتُ يا ربّي إليك يدي. يا مَن إليكَ مقصدي، أدعوكَ أرجِعْ ولدي... عليّ، هل قلت أمّي وحدها؟ عليّ، هل تلطم صمتًا خدَّها؟"

- "ما لآياتِ الكتاب تتفرّق؟ قل هو الأكبرُ بالطفّ تمزّق... إنما جئنا لكي نبكي ونجزع: هذا مزّق الجيب، وهذا خضّب الشيب".

- "أكتب عذابي، انتحابي، اغترابي، ريح الصبا لمّا يهبّ يأخذ كتابي."

- "ماتت الطفلة الأسيرة، وردة عيشتها قصيرة."

- "لا ترد، ما ظلّ أثر، كلّ شيء انتهى بسفركم."

طبعًا هذا لا يعني أنّ صفة اللطميّات المقتصرة على البعد المأساويّ للقضيّة غيرُ موجودة في أدبيّات حزب الله، وإنّما يمكننا الادّعاءُ أنّ هناك نوعًا آخرَ صار موجودًا بقوّة في أوساط الحزب بعد تبنّي الطرح الخمينيّ للإسلام ومنظوره الخاصّ في السياسة.

  • المسيرة العاشورائيّة. تميّز حزبُ الله بتنظيم مسيرةٍ سنويّةٍ مركزيّةٍ في الضاحية الجنوبيّة يومَ عاشوراء، وذلك بعد قراءة السيرة الحسينيّة الكاملة. ويلاحظ المراقِب أنّ المسيرة تشتمل على النداءات والشعارات والرايات التي تدمُج السيرةَ المذكورة بالمواقف السياسيّة والتوجّهات الحزبيّة: فترتفع أعلامُ اليمن – كما في الآونة الأخيرة - إلى جانب رايات العزاء. وهذا ما دعا نصر الله إلى القول: "على المسؤولين ترتيبُ المادّة الإعلاميّة المناسبة. وسوف نحمل الأعلامَ اليمنيّةَ إلى جانب أعلام العزاء. كما سنهتف للحسين والمقاومة". كذلك ترتفع النداءاتُ الجماعيّة ضدَّ "إسرائيل" وأميركا، وغيرها من الشعارات.

مسيرة مركزيّة يومَ عاشوراء

تتميّز هذه المسيرة بأنّها ليست عفويّة، خلافًا للمسيرات القديمة التي كانت عبارةً عن مشيٍ وبكاءٍ ولطم (وهي مازالت موجودةً في العراق وبعض المناطق الأخرى). مسيرةُ الحزب اليوم منظّمة، يشارك فيها الكشّافُ والمواكبُ الأخرى، كمواكب الجامعيين ورجال الدين وغيرهم، وتُختتَم بكلمة للسيّد نصر الله تكون في الغالب تثبيتًا للمواقف السياسيّة بالاستعانة بالشعارات العاشورائيّة.

3- شعارات عاشوراء وإطلاق المواقف السياسيّة. تميّز إحياءُ حزب الله لقضيّة عاشوراء بإطلاق شعاراتٍ لا تنحصر في الجانب العاطفيّ الحزين لِما حصل مع الحسين من قتل وتشريد. ففي كلّ شعارٍ ثنائيّةُ الحزن والمواجهة السياسيّة. وهناك شعاراتٌ تمثِّل أقوالًا تاريخيّةً قالها الحسين (وأصحابُ يوم عاشوراء) يستفيد منها حزبُ الله لإعطاء صبغةٍ دينيّةٍ على التحدّيات والقرارات السياسيّة المفصليّة التي يخوضها الحزب. من الأمثلة على ذلك شعارُ "هيهات منّا الذِّلّة،" الذي قاله الحسين ردًّا على حكومة عصره التي دعته إلى الاستسلام، واستعاده السيّد نصر الله في عاشوراء 2015 ردًّا على التهديداتِ بنشر الانتحاريين والسيّارات المفخَّخة إذا لم ترضخ الشعوبُ الإسلاميّةُ والعربيّة للسياسة الأميركيّة، فقال: "الحسين علّمنا أنْ نقول إنّي لا أرى الموتَ إلّا سعادةً، والحياةَ مع الظالمين إلّا برمًا. وفي هذه الليلة نَستحضر المعركةَ والتاريخَ، ونتّخذ الموقف". وقال: "نحن في مواجهة ’إسرائيل‘، عندما وضعتْنا بين الحرب وبين الذلّ، كُلّنا وقفنا في لبنان وإلى اليوم، ولا زلنا نواجهها، ونقول كما قال الحسين في كربلاء، بين الحرب والذلّة، هيهات منّا الذِّلّة!"

وتُعتبر الخطبةُ العاشورائيّة التي يلقيها نصر الله في العاشر من محرّم من الخطابات التي تشكّل محطّةً مركزيّةً لإطلاق المواقف السياسيّة بالاستفادة من الحدث التاريخيّ العاشورائيّ. ومؤخّرًا، أطلق نصر الله شعار "ما تركتُكَ يا حسين" على مسيرة العاشر من محرّم، واعتبره شعارًا يمثّل التوجّهاتِ الدينيّةَ والتعبويّةَ التي ينطلق منها الحزبُ لمواجهة داعش وإسرائيل:

"أحبّ أن نُدْخلَ أيضًا... إلى شعاراتنا الحسينيّة، في أيّام محرّم، [شعارًا] غير "لبّيك يا حسين،" وهو [شعار] "ما تركتُكَ يا حسين!" شهداؤنا يقولون اليوم للحسين: "ما تركتُكَ يا حسين." جرحانا يقولون له: "ما تركتُكَ يا حسين." عوائلُ شهادئنا يقولون له: "ما تركناكَ يا حسين." مجاهدونا الذين يملأون الجبهات يقولون له: "ما تركناكَ يا حسين." وأنتم الذين تملأون الساحاتِ قولوا له: "ما تركناكَ يا حسين." فليعرف كلّ العالم، لنعدْ ما قلناه ليلة العاشر ونحن أمام كلّ أشكال التحدّي... والله يا أبا عبد الله، لو أنّا نعْلمُ أنّنا نُقتل ثم نُحرق - وقد أُحرقتْ بعضُ أجساد شهدائنا في سوريا من قِبل هؤلاء الدواعش سابقًا - لو أنّا نعْلم أنّنا نُقتل ثم نُحرق ثم نُنشر في الهواء ثم نحيا ثم نُقتل ثم نُحرق ثم نُنشر في الهواء، ويُفعل بنا ذلك ألفَ مرّة، ما تركتُكَ يا حسين!"

استطاعت فكرةُ الإمام الخمينيّ بـ"عدم فصل الدين الإسلاميّ عن السياسة" أن توجِدَ تغييرًا في الإحياء الطقوسيّ العاشورائيّ في لبنان عند المسلمين الشيعة. وهذا الأمر لا يقف هنا، بل له نماذجُ كثيرة، منها ما له علاقةٌ بالشعائر، كمسيرة البراءة في الحجّ، ومنها ما له علاقةٌ بالفهم العمليّ للسياسة والدين، ممّا أرساه الخميني، ويشكّل بمجموعه مبرّراتِ المواجهة السياسيّة والعسكريّة للحزبُ بشكل خاصّ.

نُشر في الآداب اللبنانية

مختصر بحث