الشيوخ الأميركي يرفض تعطيل صفقات تسليح للإمارات وقطر
واشنطن - في تطوّر يعكس الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لكل من الإمارات وقطر في السياسة الخارجية الأميركية، أفشل مجلس الشيوخ الأميركي يوم الأربعاء محاولتين لوقف مبيعات أسلحة بقيمة تفوق 3.5 مليار دولار لصالح الدولتين الخليجيتين، في تصويت يعكس عمق الشراكة الأمنية والسياسية في منطقة تُعد من أكثر مناطق العالم اضطرابًا.
وصوّت المجلس، بغالبية 56 صوتًا مقابل 39، ضد تشريع كان سيمنع صفقة بيع طائرات مسيّرة مسلحة ومعدات مرتبطة بها إلى قطر بقيمة 1.9 مليار دولار. وبعدها، كرر الأعضاء التصويت بنفس النتيجة تقريبًا لرفض محاولة أخرى لعرقلة بيع طائرات هليكوبتر ومعدات دفاعية إلى الإمارات بقيمة 1.6 مليار دولار.
ورغم أن التصويت جاء في سياق انقسامات حزبية – حيث عارض الجمهوريون مشاريع قرارات المنع فيما أيدها أغلب الديمقراطيين – إلا أن النتيجة تُعد انتصارًا صريحًا للرؤية الاستراتيجية الأميركية التي ترى في أبوظبي والدوحة حليفين موثوقين، يمثلان ركيزة أساسية في معادلة الأمن الإقليمي ومواجهة النفوذ الإيراني، فضلًا عن مكافحة الإرهاب.
وقال السيناتور الجمهوري جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إن "كلا البلدين شريكان موثوقان للولايات المتحدة في منطقة حيوية"، مؤكدًا أن محاولات عرقلة المبيعات كانت ذات طابع سياسي محض، ولا تخدم المصلحة الأمنية الأميركية.
كلا البلدين شريكان موثوقان للولايات المتحدة في منطقة حيوية
ويأتي هذا التطوّر بعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الخليج، وهي زيارة وصفت في الدوائر الأميركية بأنها "الأكثر نجاحًا من حيث النتائج الاقتصادية والتفاهمات الاستراتيجية" منذ سنوات. فقد أسفرت الزيارة عن تعهدات باستثمارات هائلة من الجانبين القطري والإماراتي في الاقتصاد الأميركي، تجاوزت قيمتها ترليونات الدولارات في مجالات الطاقة، الدفاع، التكنولوجيا، والبنى التحتية.
كما أكدت الزيارة على توسيع نطاق التعاون الدفاعي والتقني، بما في ذلك صفقات تسلح متقدمة، وتحديث الشراكات العسكرية، وتوسيع قاعدة التبادل الاستخباراتي. وفي هذا الإطار، ترى إدارة ترامب في هذه المبيعات جزءًا من عملية إعادة تموضع شاملة للسياسة الأميركية في المنطقة، تركز على دعم الحلفاء الإقليميين وتمكينهم من تعزيز أمنهم الذاتي.
ورغم الاعتراضات التي قادها السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، الذي رأى أن المبيعات تنحرف عن سياسة خارجية قائمة على القيم، مشيرًا إلى "هدايا فاخرة" ومصالح تجارية متشابكة مع شخصيات قريبة من ترامب، فإن المدافعين عن المبيعات أكدوا أنها تُبنى على مصالح استراتيجية واقتصادية أعمق من أن تتأثر باعتبارات حزبية أو مواقف شخصية.
وأشار ميرفي إلى اتفاق مالي مرتبط بعملة مشفرة مدعومة من مستثمرين إماراتيين مقربين من مشروع اقتصادي يدعمه ترامب، معتبرًا ذلك دليلاً على تضارب مصالح، غير أن هذه الادعاءات لم تجد صدى واسعًا بين غالبية أعضاء المجلس.
وتُرسل نتيجة التصويت في مجلس الشيوخ رسالة واضحة إلى الخليج مفادها أن الشراكة مع الولايات المتحدة تتجاوز تغير الإدارات وتوازنات الكونغرس، ما يعزز موقع قطر والإمارات كحليفين دائمين لواشنطن في قلب منطقة الشرق الأوسط.
وتؤكد مصادر في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن المبيعات العسكرية للدوحة وأبوظبي لا تقتصر على بيع الأسلحة فقط، بل تشمل أيضًا نقل تكنولوجيا، وتدريبًا، ودعمًا لوجستيًا طويل الأمد، يعزز قدرة البلدين على التعامل مع التحديات الأمنية المعقدة في المنطقة.
ومع هذه التطورات، يبدو أن الولايات المتحدة بصدد ترسيخ خارطة جديدة لتحالفاتها في الخليج، تستند إلى شراكات مستدامة وتعاون اقتصادي طويل الأمد، في مقابل تقليص الاعتماد العسكري المباشر على الانتشار الأميركي المكلف في المنطقة وذلك في مواجهة التهديدات الإيرانية.
وإذا ما استمرت هذه الديناميكية، فقد يشهد العقد القادم تحولات جذرية في معادلات التوازن الإقليمي، يكون فيها القرار العسكري والدبلوماسي الخليجي أكثر استقلالية، بدعم أميركي مباشر.