الصحافة الألمانية صامدة خلال جائحة كورونا

رغم انهيار الإيرادات الإعلانية بنسبة تصل أحيانا إلى 80% خلال الحجر المنزلي، الصحافة الألمانية تسعى إلى الخروج منتصرة من أزمة وباء كوفيد-19 بعد كسبها ثقة القراء ونجاحها في تحقيق نموها الرقمي.

ألمانيا البلد الأول أوروبيا من ناحية مبيعات الصحف
ألمانيا لا تزال تضم 327 صحيفة يومية وتتقدم بفارق كبير على بريطانيا في المبيعات
مسنون يشكلون الأكثرية السكانية في ألمانيا يرغبون في التمتع بملمس الصحف الورقية
الاشتراكات الرقمية في برلين تحقق نتائج باهرة
عروض هجينة تمزج بين الاشتراكات الرقمية والصحف الورقية للحفاظ على القراء

برلين – رغم انهيار الإيرادات الإعلانية خلال مرحلة الحجر المنزلي، تسعى الصحافة الألمانية إلى الخروج منتصرة من أزمة وباء كوفيد-19 التي عززت مصداقيتها وأسهمت في تطوير نموها الرقمي.
وأشارت الأخصائية في شؤون الإعلام في نقابة "فيردي" مونيك هوفمان إلى أن "الصحافة صمدت بصورة جيدة نسبيا خلال الأزمة في ألمانيا"، البلد الأول أوروبيا لناحية مبيعات الصحف.
وقالت "نظن أن الحاجة إلى المعلومات ستبقى مرتفعة جدا كما أن هذا القطاع سيخرج أقوى من الأزمة".
وبالفعل، فإن الأرقام الواردة من هذا القطاع في أوج الأزمة خلال أشهر آذار/مارس ونيسان/أبريل وأيار/مايو "تبعث على الأمل"، بحسب اتحاد الصحافة المكتوبة والمرئية.
ولفت الاتحاد في تقرير أصدره حديثا إلى أن ربع أعضائه يتحدثون عن استقرار في عدد النسخ المباعة، إذ نجح النصف في حصر التراجع بنسبة تراوح بين 1% و5%، فيما تكبد 10% من هذه المنشورات خسائر فادحة.
رغم التراجع المتواصل في السنوات الأخيرة، لا تزال ألمانيا تضم 327 صحيفة يومية يباع منها حوالى 14 مليون نسخة كل يوما، بحسب بيانات رسمية نشرت العام الماضي.
ويضاف إليها 17 صحيفة أسبوعية وست نسخ للصحف اليومية تصدر أيام الآحاد.


أزمة كوفيد-19 أوجدت حاجة للحصول على معلومات موثوقة كما أدت إلى "نهضة في وسائل الإعلام الكلاسيكية
 

وتتقدم البلاد بفارق كبير على بريطانيا (أكثر من تسعة ملايين نسخة يوميا) وفرنسا (6 ملايين نسخة).
وقد أرخت الأزمة بثقلها بلا شك، إذ انهارت الإيرادات الإعلانية بنسبة تصل أحيانا إلى 80%، كما أن ثلث الموظفين أجبروا على البطالة التقنية، وفق أنيا باسكاي العضو في الاتحاد.
غير أنها تشير إلى أن الصحف "استمرت في الصدور واستقطاب القراء".
كما أن الاشتراكات الرقمية حققت نتائج باهرة بعدما تأخرت طويلا عن مجاراة مبيعات النسخ الورقية.
وتقول باسكاي "كل دور النشر تقول لنا إن مشاريع التطوير الرقمي الموضوعة أساسا لأشهر أو سنوات مقبلة تحققت في غضون بضعة أسابيع".
ويتحدث فريدريتش كابلر المتحدث باسم مجموعة "أكسل سبرينغر" عن "مستويات قياسية من الاشتراكات في آذار/مارس ونيسان/أبريل" في "بيلد" أبرز إصدارات المجموعة وأكثر الصحف قراءة في المانيا، وأيضا في صحيفة "داي فيلت"المحافظة، من دون إعطاء أرقام.
أما صحيفة "سودويتشه تسايتونغ" الصادرة في ميونيخ فقد استقطبت في شهر آذار/مارس وحده 150 ألف مشترك جديد في نسخها الإلكترونية، وهو مستوى كانت الصحيفة المنتمية إلى يسار الوسط تأمل في بلوغه في نهاية 2020.
ويعتبر ناشر مجلة "ستيرن" الإخبارية فرانك تومسن أن أزمة كوفيد-19 أوجدت حاجة للحصول على معلومات موثوقة كما أدت إلى "نهضة في وسائل الإعلام الكلاسيكية".
وأظهر استطلاع نشر نتائجه معهد "زي أم جي" المتخصص في نهاية أيار/مايو أن أكثر من 90% من العينة المستطلعة آراؤها البالغ عدد أفرادها أربعة آلاف شخص اعتبروا معلومات الصحف اليومية "موثوقة بشكل خاص" كما أنها المرجع الأفضل في سيل المعلومات بشأن الوباء.
ومع الارتفاع الكبير في الاشتراكات الرقمية بفضل الأزمة، يبدو أن الصحافة الورقية لا تزال صامدة وفق اختصاصيين، ما يطرح أيضا إشكاليات بشأن مستقبل هذا الفرع من الصحافة.
ويقول رئيس اتحاد الصحافيين الألمان فرانك أوبرال "قراء كثر لا يزالون يرغبون في أن يتمتعوا بملمس الصحف الورقية"، خصوصا لدى المسنين الذين يشكلون الأكثرية السكانية في ألمانيا.
ويشير الاتحاد إلى أن 22% فقط من الأشخاص فوق سن الخمسين يبدون استعدادا للتعوّد على قراءة الصحف بنسخها الإلكترونية.
وهذه الإشكالية التي تقع فيها دور النشر التي تعتمد على مداخيل اشتراكاتها الورقية لكنها ترغب في التحرر منها بسبب تكاليف التوزيع الباهظة، فيما من غير الممكن استقطاب الفئات الشابة وبالتالي زيادة الزبائن إلا بالمنتجات الرقمية.
وتقول أنيا باسكاي "سنصل إلى مرحلة لن نتمكن فيها من إيصال الصحف إلى بعض المناطق بسبب تكاليف التوزيع"، لافتة إلى أن 40% من المناطق ستصبح في هذه الدائرة في السنوات الخمس المقبلة.
وترى باسكاي أن "الحفاظ على المشتركين سيتطلب على الأرجح تقديم عروض هجينة تمزج بين الاشتراكات الرقمية والصحف الورقية".