الصدر يغرد وميليشياته تطبق التوجيهات ضد المتظاهرين في العراق

انسحاب التيار الصدري من الاحتجاجات يمهد الفرصة أمام قوى الأمن وعناصر الميليشيات الحليفة لإيران لمواجهة المحتجين وإنهاء مظاهراتهم.

بغداد - ازدادت حدة التوتر بين محتجين عراقيين مناهضين للحكومة الثلاثاء مع أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، في ساحات الاحتجاج التي تشهدها مدن البلاد، بعد يوم من مقتل متظاهر خلال اشتباك بين الطرفين.

وشهدت ساحة التحرير بالعاصمة العراقية بغداد اليوم الثلاثاء اشتباكات بين الطلبة المتظاهرين وأنصار الصدر الملقبين بأصحاب "القبعات الزرقاء" أو ميليشيات "سرايا السلام" الذين وثق ناشطون قيامهم بالاعتداء على المحتجين في محاولات لمنعهم من الهتاف في المسيرات التي جابت الشوارع.

وأيد الزعيم الشيعي البارز الاحتجاجات مع انطلاقها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكنه كان متقلّب المواقف حيالها مراراً، ويختلف الآن مع متظاهرين آخرين حول تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة.

وأعلن الصدر دعمه تكليف علاوي، فيما رفضه المتظاهرون باعتباره قريباً جداً من النخبة الحاكمة التي يتظاهرون ضدها وتم اختياره بتزكية من إيران ليدير مصالحها في السلطة ويحافظ على نفوذها.
وبعد رفض الشارع تكليف علاوي، بدأت الميلشيات التابعة للصدر في الاعتداء على المتظاهرين لمحاولة فض الاعتصامات بالقوة، وإجبارهم على قبول الأمر الواقع بالترهيب وهو نفس الأسلوب الذي انتهجته الميليشيات العراقية الموالية لإيران قبل مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إلى جانب نائب رئيس ميليشيا الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، في غارة أميركية قرب مطار بغداد في 3يناير الماضي، بعد أن كان يشرف بنفسه على العمليات الأمنية الخاصة بطرق السيطرة على الاحتجاجات منذ بدايتها في أكتوبر الماضي.

وفي مدينة الديوانية بجنوب العراق تطور الخلاف الثلاثاء أيضا إلى مواجهات بين متظاهرين شباب مناهضين للنظام ومؤيدي الصدر.

وتدخلت قوات الشرطة لفصل الطرفين، لكن المحتجين أطلقوا هتافات مناهضة للصدر والسلطات العراقية وإيران، التي يتهمونها بدعم السلطة وعمليات قمع الاحتجاجات.
ونشرت قوات الأمن العراقية الثلاثاء دوريات عند المدارس والداوئر الحكومية لتأمين عودة الدراسة والعمل بعد توقف غالبيتها منذ أشهر في معظم مدن الجنوب على يد متظاهرين، بهدف الضغط على الحكومة للقيام بإصلاحات سياسة طال انتظارها.
وتأتي تلك الإجراءات بعد إعلان وزارة الداخلية مساء الاثنين تأمين حماية المؤسسات التعليمية، في خطوة تسعى من خلالها السلطات لحث الطلبة على العودة إلى الدراسة.
رغم ذلك، رفض مئات الطلبة هذا الأمر وتوجهوا إلى ساحات الاحتجاج الرئيسية المناهضة للحكومة، وهم يرفعون أعلاماً عراقية ولافتات كتب على إحداها "مسيرة اعتصام إعداديات الديوانية".
وفي الناصرية أعيد افتتاح جميع المدارس بعدما نشرت قوات الشرطة المحلية دورياتها، وفقاً للمتحدث باسم مديرية التربية حليم الحسيني. لكن الطلاب خرجوا إلى الشوارع مصرين على مواصلة احتجاجاتهم.
وقال حمد علي حمد وهو طالب ثانوي "سنواصل وبإصرار حراكنا السلمي في ساحة الحبوبي، لأننا نريد وطناً خالياً من الفاسدين والطائفيين".
وفي وقت لاحق الثلاثاء، بعد انتشار فيديوهات وثقت أعمال العنف التي قامت بها ضد المحتجين، أعلنت جماعات "القبعات الزرقاء" وميليشيات "سرايا السلام"  بدء انسحابها من المطعم التركي وساحة التحرير في بغداد.
يأتي ذلك تزامنا مع تغريدة كتبها الصدر على تويتر قال فيها إن "لقبعات الزرقاء واجبها تأمين المدارس والدوائر الخدمية سلميا، وليس من واجبها الدفاع عني وقمع الأصوات التي تهتف ضد، شكرا لك".
وأضاف متوجها إلى جماعات "القبعاء الزرقاء"إن واجبكم بتمكين القوات الأمنية من بسط الأمن وحماية الثوار وحينئذ ينتهي دوركم".

وتصاعدت الاحتجاجات خلال اليومين الماضيين، بين متظاهرين شباب غاضبين من ترشيح علاوي وأنصار الصدر وتطور هذا الانقسام مساء أمس الاثنين في الحلة جنوب بغداد، حيث توفي متظاهر مناهض للحكومة متأثراً بجروحه بعد طعنه بالسكين، خلال هجوم على متظاهرين لأشخاص يرتدون قبعات زرقاء، بحسب ما أكدت مصادر طبية وأمنية.
ورشح علاوي البالغ 65 عاماً، السبت الأول من شباط/فبراير، بعد شهرين من جمود سياسي حول المرشح البديل عن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الذي قدم استقالته في كانون الأول/ديسمبر بعد حوالى شهرين من احتجاجات غير مسبوقة شهدها العراق وراح ضحية قمع السلطات لها أكثر من 500 من المحتجين.
وفي أول كلمة "غير رسمية" وجهها للعراقيين عبر تويتر، تحدث علاوي، عما يشبه برنامجا حكوميا يحاول من خلاله "استعطاف" المحتجين الذين سبق أن أعلنوا رفضهم لتسميته رئيسا للوزراء منذ أن بدأت بعض وسائل الإعلام تتداول اسمه من بين أسماء أخرى قبل عدة أسابيع.
وفي كلمة لاحقة بثتها القنوات الرسمية، قدّم علاوي أكثر من عشرة نقاط تعهد بإنجازها خلال الفترة الانتقالية، مع إعادة تأكيده على تقديم استقالته إذا تدخلت الكتل السياسية في تشكيل حكومته.
وتعهد محمد علاوي، بالالتزام بتوفير فرص عمل، ومحاربة الفساد، وحل اللجان الاقتصادية، وتشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة الطائفية، ورفض مرشحي القوى السياسية، والعمل الحثيث لإجراء انتخابات مبكرة، وحماية العملية الانتخابية، والتصدي لكل ما قد يؤثر على شفافيتها.
فيما دعا لحوار فوري مع المتظاهرين لتحقيق مطالبهم بإشرافه شخصيا، وتسليم جميع الفاسدين للقضاء العراقي.
لكن الشعارات التي رفعها المحتجون في ساحات التظاهرات والبيانات التي صدرت ضد علاوي لا تنبئ بانفراج قريب أو هدوء في الشارع المنتفض.

تا
تأييد الصدر لتكليف علاوي لا يلزم المتظاهرين

وعكست تسمية علاوي إرادة الكتل السياسية وتحديها لإرادة المحتجين الذين أوجبوا توفر عدة نقاط بالشخص الذي يكلفه رئيس الجمهورية، منها أن لا يكون من ضمن الطبقة السياسية الحاكمة أو ممن تسلم منصبا وزاريا أو عليه قضايا تتعلق بالفساد أو ممن يحملون أكثر من جنسية.
ويميل بعض المحللين، إلى القول أن ترشيح علاوي جاء بتوافق بين كتلتي سائرون والفتح وبمباركة إيرانية بعد أن فشلت الأحزاب والكتل السياسية في تسمية مرشح لرئاسة الوزراء خلال الفترة الماضية.
ووفقا لتقارير إعلامية، فإن كتلة سائرون، وقسم من كتلة البناء، تؤيد تسمية علاوي لرئاسة الحكومة الانتقالية، بينما أيدت كتل أخرى بشرط أن يقود علاوي مشروعا وطنيا عابرا للمحاصصة، وكتل أخرى أبدت تحفظاتها على تسميته، ومنها حزب الدعوة بقيادة نوري المالكي.
وظلت الحركة الاحتجاجية تطالب بإزاحة الطبقة السياسية الحاكمة الموصوفة بـ "الفساد" ومحاكمة المسؤولين عن قتل مئات المحتجين، وتسمية رئيس وزراء من خارج العملية السياسية بعد 2005 ومقبول من قبل ساحات التظاهرات.
وشغل علاوي لمرتين منصب وزير الاتصالات برئاسة نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق (2006 إلى 2014) اتهم خلالها بالفساد المالي وحُكم عليه 2016، بالسجن 7 سنوات غيابا قبل أن يعود القضاء العراقي لاسقاط الحكم لعدم صحة لوائح الاتهام، حسب تصريحات سابقة لرئيس الوزراء المكلف.
ويواجه علاوي جملة من التحديات في حال نجح بتشكيل حكومته الانتقالية ومنحها الثقة من مجلس النواب، وهو أمر متوقع نظرا لدعم أكبر كتلتين نيابيتين له، وهما سائرون والفتح.
وسيكون على رئيس الوزراء الجديد، إدارة السلطة التنفيذية لفترة انتقالية يتحدث بعض المسؤولين أنها ستكون لمدة سنة واحدة تجرى خلالها انتخابات تشريعية مبكرة بعد تشكيل حكومته الانتقالية في غضون شهر واحد وفق أحكام الدستور العراقي.
لكن علاوي الذي أعلنت طهران مساندتها لتسميته لا يبدو أنه يستطيع الحفاظ على الحياد في ملف الصراع الأميركي الإيراني في العراق والمنطقة في وقت لا تستطيع فيه الدولة السيطرة على سلاح الميليشيات الموالية لإيران، وهي مهمة فشل فيها رؤساء الحكومات الذين تعهدوا بذلك أمام الشعب العراقي دون تنفيذها.
ويرى مراقبون أن الاحتجاجات المناهضة للطبقة السياسية الحاكمة في حقيقتها موجهة ضد القوى السياسية والفصائل المسلحة الحليفة لإيران، لذلك فإن انسحاب التيار الصدري من الاحتجاجات هي تمهيد لفتح المجال أمام قوى الأمن وعناصر الميليشيات الحليفة لإيران لمواجهة المحتجين وإنهاء مظاهراتهم خصوصا إذا تمت تزكية الحكومة الجديدة في البرلمان.