الصلابي.. تزوير التاريخ لأجندات قطر وتركيا والإخوان

عبر عشرات المؤلفات والمقالات قام الصلابي بإعادة كتابة التاريخ العثماني وتجميله وتلميع الإخوان المسلمين.

إعداد: خالد عباس طاشكندي

 في ظل مشروعات «العثمانية الجديدة»، يعد القيادي الليبي في جماعة الإخوان علي الصلابي من بين أبرز هؤلاء المؤرخين المأجورين الذين دأبوا في السنوات الأخيرة على تزوير التاريخ لخدمة الأجندات السياسية التي تتبناها قطر وتركيا وجماعة الإخوان في المنطقة، مقدماً سلسلة طويلة من الأكاذيب في إطار منهجه في التلاعب بالمعلومات التاريخية، من خلال «المراجعات» المؤدلجة وانتقاء «المصادر» التاريخية غير الموثقة التي تعج بها كُتبه، وعبر عشرات المؤلفات والمقالات قام الصلابي بإعادة كتابة التاريخ العثماني وتحريفه كيفما اتفق، ومثال ذلك كتابه «الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط» الذي وظف محتواه المسموم بالأكاذيب والتحريض ضد العرب وتشويه مواقفهم مقابل تلميع السلاطين العثمانيين.

لم يجد الصلابي وسيلة يعبر فيها عن امتنانه للنظام القطري الذي منحه الجنسية ودعم مشاريعه المشبوهة في تزوير التاريخ، إلا بكذبة من العيار الثقيل خرجت من دائرة التضليل إلى التهريج، إذ كتب مقالاً على موقع قناة الجزيرة بتاريخ 15 أبريل 2018، يدعي فيه أن قطر ساهمت في تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، زاعماً مشاركتها في دعم الثورة الجزائرية بمناصرتها معنوياً ومادياً.

الأدهى من ذلك، أكد الصلابي في مقاله أن أمير قطر السابق حمد بن خليفة والد أميرها الحالي تميم، شارك في دعم تحرير الجزائر، موضحاً أن الزائر لمتحف المجاهد بمحافظة الجزائر الكبرى سيجد صورة «الأمير الوالد» حمد بن خليفة وهو ينشط داخل المدارس لجمع التبرعات لدعم حرب التحرير الجزائرية، وشارك في التعبئة الجماهيرية داخل المدارس لمساندة الشعب الجزائري في صراعه مع الاستعمار الفرنسي، وهو ما أثار حينها عاصفة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة أن قطر خلال الحقبة التي يتحدث عنها الصلابي كانت قابعة تحت الاستعمار البريطاني وحصلت على استقلالها في عام 1971 أي بعد استقلال الجزائر بأكثر من ثماني سنوات، وكانت قطر قبل الاستقلال بلداً فقيراً معدماً ومصادر دخله الوحيدة خلال تلك الحقبة هي صيد الأسماك وتجارة العبيد، وهو ما يتنافى تماماً مع ما طرحه الصلابي.

في خيانة واضحة للأمانة العلمية، تفرغ علي الصلابي في كتبه عن التاريخ العثماني للاحتيال على القراء ومن بين طروحاته المسمومة بالأكاذيب كتابه (الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط)، الذي قدم فيه كل أنواع التبريرات لتبييض التاريخ الأسود للعثمانيين، ومن بين تلك المحاولات الساذجة التي لا حصر لها في طروحات الصلابي، قيامه بتلميع صورة السلطان بايزيد الأول الذي قدمه بأوصاف مزيفة تخالف الحقائق المذكورة عنه حتى في مراجع المؤرخين العثمانيين والأتراك، بقوله «كان شجاعاً شهماً كريماً متحمساً للفتوحات الإسلامية»، بينما يتغافل ما ذكر في المراجع عن سلوكياته التي اشتهر بها المرتبطة بالمجون وإدمانه للخمور.

من ضمن محاولات الصلابي الأخرى في تبييض التاريخ العثماني، إنكاره وجود قانون عثماني صدر في عهد محمد الفاتح في القرن الخامس عشر يشرع قتل السلاطين لإخوتهم (شريعة قتل الإخوة) بهدف استقرار حكمهم وضمان عدم تمرد الإخوة، رغم أن الكثير من كبار المؤرخين الأتراك أشاروا إلى البند الخاص بقتل الإخوة ضمن مجموعة «القانون نامه» (تعني كتاب القانون)، والذي ينص على: «أي شخص يتولى السلطة من أولادي، فمن المناسب ان يقتل الإخوة من أجل نظام العالم، وأجازه أكثر العلماء فليعملوا به».

أدعى الصلابي أن القانون المذكور مدسوس من مؤرخين معادين للدولة العثمانية، وأشار إلى أن أول من سمى هذا القانون بقانون قتل الإخوة هو أحد المؤرخين «الغربيين» المعادين للدولة العثمانية دون أن يحدد من هو ذلك المؤرخ، ولكن لو كان الأمر كما يدعي الصلابي لما أشار كبار المؤرخين الأتراك لذلك وعلى رأسهم المؤرخ التركي المعاصر خليل اينالجيك في كتابه (تاريخ الدَّولة العثمانية من النُّشوء إلى الإنحدار، ص98-97)، إضافة إلى المؤرخ التركي يلماز أوزتونا عبر مؤلفه الشهير (موسوعة تاريخ الإمبراطورية العثمانية السياسي والعسكري والحضاري).

علي محمد الصلابي المولود عام 1963 في بنغازي ثاني أكبر مدن ليبيا بعد العاصمة طرابلس، قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، وهو المطلوب رقم 23 على قائمة الإرهاب في الدول الأربع (السعودية ومصر والإمارات والبحرين) المقاطعة لقطر، وهي القائمة التي تضم 59 فرداً و12 كياناً، وذلك لانخراطه في عسكرة ثورة فبراير وضلوعه في أعمال العنف والإرهاب التي صاحبتها، عبر تصريحاته التحريضية على منبر قناة «الجزيرة» القطرية، وارتباطه بالقيادي في تنظيم القاعدة عبدالحكيم بلحاج من خلال تشكيل ما سمي بـ«المجلس العسكري بطرابلس».

بدأ مسيرته في عالم السياسة من بوابة معارضة نظام معمر القذافي والاصطفاف مع الجماعات الإرهابية، وفي العام 2008 تغيرت مواقفه إلى النقيض بتقبله دعوة مغرية من نجل القذافي سيف الإسلام للانضمام إلى مجلس أمانة مؤسسة القذافي والمشاركة في خطته الإصلاحية «ليبيا الغد»، ليعلن في غضون ذلك حرمة الخروج على الحاكم ويساند نظام القذافي، كما أدى دور الوسيط بين أعضاء الجماعة الليبية المقاتلة والحكومة الليبية نظراً لصلته بالجماعة، مساهما في الإفراج عن عدد من أعضاء الجماعة المقاتلة من السجون، ويحظى برعاية مباشرة من مفتي قطر يوسف القرضاوي ويعمل معه في ما يسمى بـ«الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي يعج بالتكفيريين والمتطرفين سواء المنتسبين للإخوان أو من الموالين لهم، ونظراً لقربه من مفتي قطر السابق واستنساخه لفتاويه التكفيرية أصبح يلقب بـ«قرضاوي ليبيا».

في العام 2011 عاد الصلابي إلى معارضة نظام القذافي وأفتى بتكفيره والخروج عليه ورفع السلاح ضد نظامه، وبشكل سريع أنضم مع الجماعات المتطرفة المدعومة من قطر، داعماً وصول قيادات الإخوان إلى سدة الحكم في ليبيا، ويقيم حالياً في قطر وتركيا ويحمل جنسيتيها، وتشير العديد من التقارير إلى أنه يدير ميليشيات مسلحة في ليبيا من أماكن وجوده في الدوحة وأنقرة.

سليل أسرة ضالعة في شؤون الإرهاب والتطرف، إذ يقود علي الصلابي مع أشقائه أسامة وإسماعيل وخالد إضافة إلى عبدالمجيد ابن شقيقه أسامة الصلابي، جماعات إرهابية في ليبيا تشارك في العمليات المسلحة منذ اندلاع الحرب الأهلية الليبية في أعقاب ثورة 17 فبراير 2011، والتي صعدت على إثرها التيارات الإرهابية المتطرفة والمشاركة في تأسيس حكومة من المحسوبين على تنظيم الإخوان تحت ما يسمى بـ«حكومة الوفاق».

يؤدي علي الصلابي، الشقيق الأكبر لهذه الأسرة، دور الوساطة مع الجهات الممولة للجماعات المسلحة، في حين يقوم شقيقه أسامة بأدوار تشريعية بإطلاق فتاوى الإرهاب والقتل للجماعات المارقة، أما إسماعيل الصلابي فهو قائد ميداني لعدد من الميليشيات الإرهابية من بينها كتيبة «راف الله السحاتي» الإرهابية و«ميلشيا مجلس شورى بنغازي»، وترتيبه الـ26 في قائمة المطلوبين الإرهابيين التي وضعتها الدول العربية الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية ومصر والإمارات والبحرين) وذلك على خلفية ضلوعه في العديد من العمليات الإرهابية، أما الشقيق الأصغر خالد الصلابي فتشير تقارير إعلامية متداولة إلى أنه رجل أعمال لديه شركة شحن ويحمل الجنسية الإيرلندية، وينشط في عمليات تهريب السلاح وإيواء الإرهابيين، أما عبدالمجيد ابن أسامة الصلابي فكان مشاركاً كمقاتل ضمن المليشيات المسلحة إلى أن تعرض إلى إصابة بليغة في محور اليرموك افقدته إحدى قدميه في أكتوبر الماضي.

ملخص المنشور في عكاظ السعودية