الصين المتهمة أمام العالم

ان كانت الصين تظن أنها يمكن أن تفخر بسيطرتها على الوباء، فان طريقتها للسيطرة كانت فضيحة لا يمكن الافتخار بها.

حتى زمن قريب كان اهتمام الناس في العالم بالصين ينحصر في أمرين: بضائعها الرخيصة التي حطمت الأسعار ومكنت فئات اجتماعية واسعة من شراء منتجات لم تكن تحلم بها بالرغم من جودتها المتدنية؛ ونموها الاقتصادي السريع الذي لفت الأنظار، ومنح صورتها بريقا من السحر.

وبين الحين والآخر كانت الصين المغلقة كصندوق أسود، ترسل لنا صورا رائعة لمدنها النظيفة الزاهية والتي تتمتع بأعلى مستويات التخطيط والتنظيم العصريين، واستخدام آخر ما توصلت له البشرية من تقنيات المواصلات والاتصالات والعمران.

وفي المنطقة العربية، تداخلت صورة الصين الحديثة مع بقايا من صورتها الثورية المناهضة للغرب الاستعماري، وآثار أقدم من نزعات فكرية أوائل القرن العشرين كانت تنظر للصين كجزء من الشرق الانساني المقابل للغرب المتسلط، وخلف كل ذلك كانت صورة الصين ذات العلاقات التاريخية القديمة مع العرب، والتي لم تتصف قط بالعداء، بل بالتبادل التجاري واقتباس صناعات قديمة كالورق والبارود.

لكن حدثا واحدا ضخما كوباء كورونا، كان كافيا لتهشيم صورة الصين.

فجأة اكتشف الناس أن الصين بلد مغلق، معزول عن العالم، محكوم بنظام قاس وحديدي، وأن القيم الأخلاقية لذلك النظام غير مفهومة – ان كانت موجودة بالفعل – وأن الناس هناك أشبه شيء بروبوتات سوى أنها تأكل وتشرب. فمكافحة كورونا في ووهان أعطتنا لأول مرة صورة حقيقية عن مدى تحكم النظام بالبشر هناك، وعن قيمة الحياة الانسانية حين يقتل الناس لمجرد خروجهم للشارع مخالفين تعليمات حكومتهم، ويقتل بعضهم في المنزل للتخلص من امكانية نقلهم للعدوى.

فان كانت الصين تظن أنها يمكن أن تفخر بسيطرتها على الوباء، فان طريقتها للسيطرة كانت فضيحة لا يمكن الافتخار بها.

فجأة اكتشف الناس أن الصين ليست المصدر الأول للبضائع، لكنها المصدر الأول للفيروسات، ويبدو أن كورونا ليس أول فيروس صيني، وأن الصين أخفت ذلك عن العالم من خلال سورها الحديدي الذي أتقنه نظامها والقائم على منع الناس هناك من التواصل عبر الانترنت، ومنحهم انترنت "وطنية" حدودها هي حدود الصين، والقائم أيضا على سحق أي محاولة لصيني في التنفس خارج نطاق الفضاء المغلق بدون رحمة.

وربما كان باستطاعة العالم ازاحة النظر عن أوضاع الصين الداخلية واعتبارها شأنا صينيا لا دخل فيه، لكن العولمة نبهت العالم أن المزرعة الصينية ذات السور الحديدي الشاهق قد تخفي أوبئة تنطلق من ووهان الى نيويورك قبل أن يستيقظ الأميركيون من النوم.

فكيف سيظل العالم يغض النظر عن مزرعة الفيروسات القاتلة تلك؟

الصينيون أيضا أحرار فيما يأكلون ويلبسون، لكن حين تثبت العلاقة بين كورونا ونظام غذائهم الذي لا يوفر الخفافيش والكلاب والثعابين والحشرات فهل سيظل العالم يغض النظر عن سوق اللحوم الحية في ووهان حتى تفرخ فيروسا يقتل الملايين بدلا من كورونا الذي يقتل الآلاف فقط؟

الحقيقة أنني مثل كثيرين لا أحب طريقة ترامب في فتح النار الكلامية على الآخرين دون ضابط، لكني لا أملك سوى الميل لتصديقه حين يقول ان فيروس كورونا صيني، وأن الصين كذبت على العالم حين أخفت الوباء مدة طويلة سببت في اعطاء الفرصة له في الانتشار.

الحقيقة أن صورة الصين قد تهشمت، وأنها متهمة اليوم أمام العالم الذي روعه فيروسها، وأن كل بضائعها الرخيصة، والهدايا التي ترسلها هنا وهناك لترمم صورتها لن تنفعها.

العالم اليوم مشغول بوقف هذا الوحش المنفلت من عقاله، لكنه غدا، وبعد أن يخرج من المعركة، لابد أن يتفرغ لمحاسبة المسؤول عن تفريخ ذلك الوحش، والأهم من ذلك، لابد أن يجد طريقة للدخول لمزرعة الصين المغلقة ومنع تفريخ وحش فيروسي آخر.