الظاهرة الأدبية لا تنهض على مجرد الوصف والتحليل

الظاهرة الأدبية تتشكل بتشكل المنهج، وتبرز للعيان ببروز المنهج، وتثبت في التحليل بثبات المنهج، ويستخلص منها النتائج والتوصيات بمدى انسجام المنهج معها.
الناقد السعودي يفند الإجراءات المتبعة، ويعيب على المنهج عدم ثباته، وتغير مصطلحاته
المنهج ركن أساس، وحجر الزاوية في دراسة أية ظاهرة أدبية

الرياض ـ يؤكد د. أحمد فرحات أنه لا تنهض الظاهرة الأدبية على مجرد الوصف والتحليل، بل تتعدى ذلك إلى قضية كبرى في الدراسات الأدبية والنقدية الحديثة، وهي قضية المنهج. فالظاهرة الأدبية تتشكل بتشكل المنهج، وتبرز للعيان ببروز المنهج، وتثبت في التحليل بثبات المنهج، ويستخلص منها النتائج والتوصيات بمدى انسجام المنهج معها.
ولا تقف الظاهرة الأدبية بمنأى عن المنهج المتبع، ذي الإجراءات والآليات الواضحة وما يفترضه من تساؤلات وفرضيات نظرية وعملية سليمة وصحيحة. 
ويوضح الناقد أن المنهج بدوره متغير وله معوقات كثيرة، وقف أمامها النقد الحديث كثيرا، وفند الإجراءات المتبعة، وعاب على المنهج عدم ثباته، وتغير مصطلحاته، وإسهابه في التقنين النظري ذي المرجعية الغربية، ومن ثم فالظاهرة الأدبية تبقى مشوشة مضطربة. 
المنهج ركن أساس، وحجر الزاوية في دراسة أية ظاهرة أدبية، فظهرت على الساحة النقدية الحديثة مناهج ذات أصول غربية، اتبعها النقاد العرب اتباع الشاة للراعي، دون وعي منهم وتدبر فيما يمكن أن تؤول إليه التأويلات المتباينة للظاهرة الأدبية الواحدة. والاتكاء على منهج مفرد لا يغني عن بقية المناهج.
ولكل منهج - من المناهج الحديثة - مزايا ومآخذ، وانقسم النقاد حولها فرقا ثلاثا: فريق يدعو إلى الأخذ بالمناهج الحديثة -خاصة المنهج الأورو- أميركي في دراسة الظاهرة الأدبية، وهذا الفريق يتعمد إقصاء النقد القديم بطبيعة الحال. وفريق لا يزال يعيش في جلباب القدماء، وهو بطبيعة الحال يتعمد إقصاء الجديد الأورو- أميركي. وفريق ثالث يذهب مذهبا وسطا فيجمع بين القديم والجديد، وهو يعزو كل ظاهرة جديدة إلى الموروث النقدي العربي القديم.      
فليست البنيوية والتفكيكية والسيمائية والأسلوبية بفروعها المختلفة إلا مناهج روعي فيها الالتزام والدقة من أجل جعل الظاهرة الأدبية علما يخضع لمقتضيات العلم وأحكامه، وذلك بتقديم النص الأدبي أو الظاهرة الأدبية في صورة جلية، ومحاولة استخلاص نتائج سليمة صحيحة جراء تطبيق إجراءات هذا المنهج أو ذاك. 

الناقد السعودي يلقي الضوء على استخدام الشعراء المحدثين للغة الشعرية، وإلى أي مدى استطاع الحجيلي استنفار طاقته اللغوية للوصول إلى الشعر الخالص

والناقد الحق هو من يتسلح بأسلحة المنهج المبتغى، ولا يمنع ذلك من اتباع أكثر من منهج طبقا للحالة الفنية التي يعالج من خلالها النص المختار؛ فالناقد كالطبيب، يحسن به أن يخفي أسلحته وألا يشهرها أمام النص حفاظا على العلاقة الحميمة بين النص ومتلقيه. فإذا كان المنهج غير ثابت، ومتغيرا دائما من شخص إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، فإن الظاهرة الأدبية ثابتة، وقابعة في بطون الأعمال الفنية للمبدعين، وهي دائما لها السبق، والمنهج تابع لها، كما أننا يجب أن نقر بأن قوانين الشعر والسرد والمسرح والمقالة ... أصبحت عالمية، لكن خصوصية المرجعية الثقافية في الظاهرة الأدبية تمتلك هويات وطنية، وسياق الإنتاج أيضا سياق وطني، فضلا عن هوية التلقي؛ فالناقد المعاصر عليه أن يراعي كل ذلك أثناء عملية المثاقبة. إن الإقدام على اقتراح منهج وافد على ثقافتنا العربية لا يتم بوعي كامل، ولا تتم مراعاة ظروف نشأة هذا المنهج، وتطور الجوانب العلمية والفلسفية والمعرفية بصفة عامة في هذه الثقافة.
ويشير دكتور أحمد فرحات إلى أنه باتت الظاهرة الأدبية كامنة في نصوص الشعراء، يبحث الناقد عن خيوطها من هنا وهناك، حتى تكتمل رؤيته حولها، فيظهرها للمتلقين جلية عبر سياقاتها الفنية المختلفة. مراعيا في ذلك عصر الظاهرة الأدبية ومدى تأثيرها في المجتمع، واستخلاصها رائقة صافية خالية من اللبس والغموض. ولذا نحوت في هذا الكتاب إلى تقديم الظاهرة الأدبية مدعومة بدراسة واعية لجوانبها المتباينة، حتى يقف عليها القارئ ويضيف إليها بوعيه واستجابته لمرجعياته الثقافية المتعددة. وقد اخترت ظواهر أدبية وفنية  لشعراء سعوديين ألقيت معظمها على طلابي في الجامعة، متخذا من الطلاب أنفسهم نقادا لهذه الظواهر، وقد أفدت كثيرا من ملاحظاتهم وتعليقاتهم العلمية من خلال مناقشة هادئة وهادية في الوقت ذاته.   
الدراسة الأولى تحت عنوان" تحولات اللغة في قامة تتلعثم لعيد الحجيلي" وفيه رصدت لتحولات اللغة في ديوان الشعر السعودي، فألقيت الضوء على استخدام الشعراء المحدثين للغة الشعرية، وإلى أي مدى استطاع الحجيلي استنفار طاقته اللغوية للوصول إلى الشعر الخالص. 
الدراسة الثانية جاءت تحت عنوان "مقاربات في الشعر العربي السعودي" وفيها ألقيت الضوء على شعراء المملكة العربية السعودية ممن يرجع إليهم الفضل في ازدهار الشعر السعودي فيما بعد، وقد اتخذت منهجا فيه طرافة مستخدما طريقة الثابت والمتغير، فتم تثبيت ظاهرة أدبية معينة لدى شاعر معين (عبدالسلام هاشم حافظ) وقارنت بين وجودها لديه ووجودها لدى غيره من الشعراء في المملكة، ابتغاء الوقوف على وجوه المؤتلف والمختلف في تناول الشاعرين في الظاهرة الواحدة. 
الدراسة الثالثة الشعر في صدر الإسلام قصيد المديح نموذجا وفيه عرضت لنص القصيدة المدحية من منظور إنصاف الخصم، وهي ظاهرة عربية قديمة تعنى بإنصاف الخصوم، وبيان ما لهم من حقوق ومزايا، ولم يمنعهم الحق من الإقرار بإثبات مناقبهم؛ فكما لم تمنع الهزيمة من الإقرار بالنصر للمنتصر – لم يمنع النصر كذلك صاحبه من الإقرار للمنهزم بالندية والبطولة! 
الدراسة الرابعة جاءت تحت عنوان "الشعر النسوي في الجاهلية - الموثبات نموذجا" وفيه عولت على الظاهرة الأدبية (الموثبات) وشعر المرأة في حقبة تاريخية قديمة، متخذا من النص الجاهلي نفسه مدخلا لقراءة العمل، مستخلصا منه التعريفات والنتائج النهائية.