الظاهرة الحوثية.. فكرة حق الحكم والداعم الإيراني

عوامل ظهور الحوثيين داخلية تتمثل بجذور التشيّع السياسي التي تحصر الإمامة في سلالة بعينها دون غيرها من البشر وخارجية مرتبط بالثورة الإيرانية وتصديرها.

بقلم: هشام منور

تمثّل الظاهرة الحوثية مشكلة معقّدة، اختلطت فيها عناصر الفكر والتربية والسياسة والتاريخ والجغرافيا والأيديولوجيا والتنمية والمنافع المتناقضة، مما يقتضي استصحاب ذلك كلّه عند البحث فيها، والسعي نحو معالجتها. ويعد هذا الكتاب من أهم الكتب الملمَة، التي صدرت منذ بروز الظاهرة الحوثية في شمال اليمن، ومرجعاً أساسياً لفهم الظاهرة الحوثية من الداخل، وبداياتها وانتشارها وعلاقتها بالخارج، وخاصة إيران، وحروبها مع النظام الحاكم في اليمن.

تنتمي الظاهرة الحوثية في جملتها إلى المدرسة الزيدية (الجارودية)، وهي المتسمة بالالتقاء مع المدرسة الإمامية الإثني العشرية في بعض الجوانب العقدية والفكرية. مرت الحوثية بمرحلتين، الأولى، مرحلة التأسيس والتكوين 1990، وسمتها تربوية تعليمية، وفيها بلغت أعداد الطلاب ـ حسب بعض التقديرات ـ نحواً من ثمانية عشر ألف طالب، وسبعة وستين حلقة ومركزاً، وانتشرت عبر تسع محافظات يمنية، بما فيها بعض المحافظات ذات الطابع الشافعي السنّي أو المختلط، ثم مرحلة المواجهة المسلحة التي اندلعت منتصف عام 2004، وهنا انتقلت الحركة الحوثية إلى طور آخر، نجمت عنه أزمة وطنية كبرى، لا تزال تداعياتها مستمرة.

يعزو الكتاب ظهور الحوثية إلى عاملين رئيسين: داخلي وخارجي. وتتمثل عوامل الظهور الداخلية في جذور التشيّع السياسي، التي تحصر حق الحكم في سلالة بعينها، وهو ما أكّد عليه المرجع الزيدي بدر الدين الحوثي والد حسين في حوار صحفي شهير، مع الإشارة إلى ظهور بعض الأصوات التي عدّت مثل ذلك الرأي مجرّد نظرية تاريخية لا تنسجم مع روح العصر، وعدّت مقياس الكفاءة ـ وليس النسب ـ هو المعيار الأساس في ذلك، كما تعزى إلى التكوين العلمي والفكري والأيديولوجي للمؤسس حسين بدر الدين الحوثي، وإلى الخلافات الداخلية بين مؤسسي تنظيم الشباب المؤمن، وفي مقدّمتهم حسين بدر الدين الحوثي من طرف ومحمد يحيى سالم عزّان من الطرف الآخر، ثم قيام الحوثيين بطرد اليهود من ديارهم ببعض مناطق صعدة، بعد أن تمكَّن الحوثيون من السيطرة عليها.

كتاب الحوثيون أو الظاهرة الحوثية
ميليشيا تطلب الإمامة عبر التاريخ

يمكن عزو جوهر عوامل الظهور الخارجية، من وجهة نظر المؤلف، إلى فكرة تصدير الثورة التي تبنتها الثورة الإسلامية في إيران عقب انتصارها عام 1979، وإن ظل التأثر بها سياسياً، بالنسبة للمؤسس حسين الحوثي على وجه التحديد. وخلافاً للشائع من أن كون مؤسس الحوثية المذكور صار تابعاً بالمطلق للاثني عشرية، فقد تبين أن حسين الحوثي على خلاف كلّي مع الفكر الاثني عشري الإمامي، وأبرز الشواهد على ذلك، موقفه الرافض بشدّة لفكرة الإمام الغائب الثاني عشر، وتحذيره من إحلال المذهب الإمامي في اليمن، وتسفيهه لمسألتي المتعة والخمس عند الإمامية، بل كان حسين الحوثي ينطلق في دعوته من مرجعيته الزيدية الجارودية، مع بعض الاجتهادات الخاصة به.

يرى الكتاب أن اندلاع المواجهات المسلّحة أتاح المجال للتدخّل الخارجي على نحو غير مسبوق، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة متابعة أيديولوجية أو فكرية، غير أنه تبين أن تلك المواجهات غدت مظلة لبعض المتحوّلين إلى الإثني عشرية، كما أصبحت غطاء لبعض المحاولات الخارجية الهادفة إلى تحقيق نفوذ لها على أرض اليمن، بصرف النظر عن موافقة أو عدم موافقة المؤسس الأول، أو من هو على خطّه الفكري بعد رحيله.

يؤكد المؤلف أن مستقبل الحوثية يسير في اتجاهات ثلاثة هي: الاتجاه العسكري والميداني، وذلك ما تم فعلياً، ثمّ هنالك الاتجاه السياسي والتنظيمي، وقد تبين أنه مشكلة معقّدة ومتضاربة حتى في ذهنية القيادات الحوثية الحالية ذاتها، وأن الاتجاه التربوي والفكري هو جوهر المشكلة وأساسها المنعكس على جميع أبعادها.

لعل مما ميز الكتاب رفده بالتوصيات لكل من النظام اليمني والحركة الحوثية على حد سواء، ويرى الكتاب أن على السلطة السياسية التعامل مع الظاهرة الحوثية في مجملها، بوصفها ظاهرة مذهبية قديمة، وإن تجلّت اليوم بصورة مختلفة نسبياً، بسبب بعض الحقائق والظروف المعاصرة، لكن ذلك لا يحيلها إلى كيان غازٍ فاقد للمشروعية من الأساس، إذ هي امتداد للمدرسة الزيدية، وهي قائمة باليمن منذ قرون.

ولا تنسى الدراسة أن تشيد بالمبادرات الجريئة التي تبناها بعض علماء الزيدية في محاولتهم السعي نحو التفاعل الإيجابي مع نصوص القانون والدستور في البلاد حول معيار الأهلية للحكم، وعدّ الكفاءة ـ وليس النَّسَب ـ هو المعيار الأساس في ذلك، لكنها تسجّل استغرابها من الموقف الحوثي تجاه الأقلية اليهودية في صعدة، بصرف النظر عن أية ملابسات.

وتدعو الدراسة الاتجاه الحوثي والسلطة معاً إلى الاحتكام الفعلي إلى مؤسسات الدولة ودستور البلاد وقوانينها النافذة، فيما يتصل بأية مطالب مشروعة للاتجاه الحوثي، وعدم اللجوء إلى العنف أو استعمال السلاح لحلّ أي نزاع، واعتماد منهج الحوار أساساً في ذلك. كما تشيد الدراسة بتوجّه حسين الحوثي الرافض لإحلال المذهب الاثني عشري محلّ المذهب الهادوي، وتطالب أتباعه من بعده بإعلان نظري وعملي للموقف نفسه، وتعدّ الدراسة موقفاً كهذا خطوة أساسية وهامة في اتجاه المصالحة الداخلية، وتفويتاً للفرصة على تجار الفتن، وأصحاب المشاريع الخارجية، مع التأكيد على حق كل مواطن في ممارسة حرّية الرأي والتعبير، وعدّ ذلك أمراً مكفولاً في الإطار الدستوري والقانوني.

ويخلص المؤلف إلى اعتبار أنه لا مناص من النظر إلى المشكلة من زواياها وأبعادها المختلفة، وفي مقدّمة ذلك الزاوية التربوية والتعليمية والفكرية، وأبعادها المنعكسة على الجوانب الأخرى للمشكلة. وهنا تعالج المشكلة المذهبية من زاويتها التربوية في ضوء الاتفاق على استبعاد خيار المصادرة والإلغاء لأيّ مكوّن اجتماعي، وأن تناط إلى لجنة علمية تربوية، مشتركة النظر في أوضاع التعليم المذهبي، سواءً في مناهج التعليم العام الرسمي في المرحلتين الأساسية والثانوية، أو في مناهج التعليم الجامعي الحكومي، أو في مناهج التعليم الشرعي الأساسي والثانوي والجامعي (الخاصة)، وذلك وفقاً لدستور البلاد، والقانون العام رقم (45) بشأن التربية والتعليم، ووثيقة المنطلقات العامة لمناهج التعليم العام.

الكتاب: الحوثيون الظاهرة والتكوين

أحمد محمد الدَّغَشِي.

الناشر:  دار الكتب اليمنية، صنعاء، طبعة أولى.