العالم أمام هجرات قاسية بلا عودة

معظم اللاجئين الفارين من الاضطهاد أو المجاعة أو الحروب الأهلية يحلمون بالعودة إلى أوطانهم في يوم ما، إلا لاجئو المناخ فإنهم مضطرون لترك بلدانهم بلا أمل في الرجوع.

لندن - تعد هجرة المناخ أقسى أنواع الهجرات، فمعظم اللاجئين الفارّين من الاضطهاد أو المجاعة أو الحروب الأهلية يحلمون بالعودة إلى أوطانهم في يوم ما، لكن الذين يهربون من ارتفاع مستوى المياه في بلادهم لا أمل لهم بالعودة أبدا، حيث قوة الطبيعة تدمر كل شيء إلى غير رجعة.
ويشير الخبراء في البيئة والشؤون الجيوسياسية أنه مع ارتفاع مستوى مياه البحار، بات الحديث يتعلق بهجرة بدون خيار للعودة.
وارتفع مستوى مياه المحيطات في العالم نحو 15 إلى 20 سينتمتراً منذ 1900، في تأثير مباشر للتغيّر المناخي. وحتى قبل فترة وجيزة، كان الحجم الإضافي ناجمًا بمعظمه عن تمدد المياه جرّاء ارتفاع درجة حرارتها.
لكن اليوم، باتت المياه الناجمة عن ذوبان الكتل الجليدية وخاصة الصفائح الجليدية في غرينلاند والقطب الجنوبي هي المسبب الرئيسي.
وتزايدت كذلك وتيرة ارتفاع مستوى مياه البحر الذي تسارع ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي مقارنة بالقرن السابق وفق تقييم تاريخي أعدته الأمم المتحدة للمحيطات والأماكن المتجمدة على الأرض وسيتم الكشف عنه الأسبوع المقبل.
ويعتمد الارتفاع الذي ستصل إليه المحيطات بحلول العام 2100 تحديداً على مدى ارتفاع درجة حرارة الأرض مستقبلاً.

الهجرة المناخية
ارتفاع منسوب المياه يهجر السكان

وإذا تم بالفعل وضع سقف لارتفاع الحرارة عند درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية - النقطة الأساسية المنصوص عليها في معاهدة باريس للمناخ - فسيرتفع مستوى البحار نحو نصف متر.
وفي عالم ترتفع فيه الحرارة بثلاث أو أربع درجات مئوية وأخفقت الجهود للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة فيه، فيرجّح أن يرتفع مستوى مياه البحر نحو متر، وهو ما يكفي لإلحاق الدمار بعشرات المدن الساحلية الكبرى ويحوّل الكثير من الدول القائمة على جزر إلى أماكن غير قابلة للعيش.
لكن حتى هذه التداعيات الحادة تعد مجرّد غيض من فيض مما قد يتسبب به ذوبان الصفائح الجليدية على مدى مئات السنوات، وفق العلماء.
وفي القرن الـ22، يرجّح أن تتسارع وتيرة ارتفاع مستوى مياه البحار بمئة مرّة لتصل إلى عدة سنتيمترات سنويًا مقارنة بـ3,6 مليمترات كل عام حاليًا.
ويشير الخبراء إلى أنه حتى وإن تم وضع سقف لارتفاع حرارة الأرض عند درجتين مئويتين، فسيرتفع مستوى مياه المحيطات في نهاية المطاف بما يكفي لإغراق مناطق يعيش فيها 280 مليون شخص اليوم.
ويأتي احتمال حدوث دمار على وجه الخصوص من تزايد العواصف المدارية.
ويبدو أن الحكومات المحلية والوطنية حول العالم بدأت تدرك تداعيات ارتفاع منسوب مياه البحار الحالي والمستقبلي.

لاجئو المناخ
الأوطان أغرقتها المياه

وتستبق بعض الدول المشكلة عبر نقل السكان المعرضين للخطر، فقد أعلنت إندونيسيا الشهر الماضي أنها ستنقل عاصمتها وملايين القاطنين فيها من جاكرتا إلى بورنيو.
وتخطط فيتنام لنقل السكان من أجزاء من دلتا ميكونغ إلى مناطق أخرى أكثر ارتفاعًا.
وأوجدت الحكومات المحلية في فلوريدا ولويزيانا حوافز لنقل الناس من المناطق المعرّضة للفيضانات بينما حددت بريطانيا قرية واحدة على الأقل معرّضة للخطر في ويلز يجب "الاستغناء عنها".
ويسعى البعض إلى حلول مصممة بأعلى المستويات. فوضعت نيويورك مثلاً خطة يرجّح أن تكلّف عشرات المليارات لحماية أجزاء من المدينة التي غمرتها المياه عندما ضرب الإعصار "ساندي" سنة 2012.
وتقول التقارير الأممية إن من المدن التي تضم خمسة ملايين نسمة أو أكثر سينزح 20 بالمئة على الأقل منهم اليوم في حال الالتزام باتفاقية باريس للمناخ، ويكون على الحكومات اتّخاذ القرار واختيار المدن التي ستحميها بالسدود والحواجز الصخرية وأي المناطق التي ستكون على استعداد للتضحية بها.
أما البعد الأخلاقي لهذه الهجرات فسيظهر عندما يستطيع الأشخاص القادرون ماديا وصحيا على الانتقال إلى مكان آخر بينما سيعلق أولئك الذين لا يملكون القدرة على ذلك في أماكن خطيرة ستغرقها الفيضانات.