العالم سيزول في وقت الغداء

رياض حمادي يقدم في مختارات شعرية عشرين شاعرة وشاعرا احتلوا مكانة متميزة على خارطة الشعر العالمي.
إبحار في أعماق شعراء تركوا أثرا كبيرا في المشهد الشعري العالمي شرقه وغربه
ترجمة الشعر أشبه بالسير في حقل ألغام

في كتابه "حياة جديرة بالركض" يقدم المترجم رياض حمادي مختارات شعرية لعشرين شاعرة وشاعرا احتلوا مكانة متميزة على خارطة الشعر العالمي، مختارات تتجلى في تنوعها وثرائها روح الشعرية وجماليات القصيدة رؤية ولغة وصورة ونسيجا مبهجا بالدهشة والتوهج، ليبحر بنا في أعماق شعراء تركوا أثرا كبيرا في المشهد الشعري العالمي شرقه وغربه: روديارد كبلنج، بنيامين زيفانيه، جيني جوزيف، روجر ماكغو، مايا أنجيلو، أليس والكر، أمريتا بريتام، ويندي كوب، برايان باتن، انجريد جونكر، جويندولين بروكس، فيليب لاركن، سيلفيا بلاث، آن سيكستون، أدريان هنري، ايمي محمود، روبرت فريب، ويليام ايرنست هينلي، طاغور.
يقول حمادي إن ترجمة الشعر أشبه بالسير في حقل ألغام، بهذا المعنى ربما تكون ترجمة الشعر جريمة، وأحياناً أشبه بالسير في حديقة يحتار المترجم أية زهرة يختار. ما يهوِّن الأمر أن الترجمة في مفهومها الأخير خيارات قابلة للاجتهاد. خيارات لا تتموضع فقط أمام عدة مترجمين للنص ذاته ولكن أمام مترجم واحد لنص واحد. الانتصار لخيار أمر شاق في بعض الأحيان لكنه يضطر للاختيار ليس من باب الصح والخطأ ولكن من باب "أهون الشرين" أو أفضل الأفضل. وقد يظل النص عُرضة للتعديل، وما ينقذه هو الدفع به إلى المطبعة. 
ويشير إلى المختارات التي صدرت عن مؤسسة أروقة للنشر والترجمة والدراسات أنها "باقة من عصير الإنسانية مُقطَّرةٌ في قصائد عالمية. تشمل مواضيع إنسانية متنوعة. عن قبعة حمراء تتماشى مع ملابس أرجوانية، عن انتهاء العالم في وقت الظهيرة وأنت على متن حافلة، عن نساء استثنائيات لهن معايير مختلفة للجمال، عن الأمومة والطفولة، عن الصداقة والموسيقى، والحب والحرب والفقدان.. عن حياة حافلة بالموت لكنها جديرة بالركض".
وسوف نختار هنا بعض القصائد التي تمثل هذه المختارات، ولنبدأ بقصيدة الكاتبة والشاعرة البريطانية جيني جوزيف "تحذير":
عندما أصبحُ امرأة عجوز
سأرتدي ملابس أرجوانية 
وقبعة حمراء لا تتماشى معها ولا تناسبني
سأنفق راتب تقاعدي على البراندي والقفازات الصيفية 
والصنادل اللامعة 
سأقول ليس لدينا مال لشراء الزبدة
سأفترش الرصيف عندما أشعر بالتعب 
وألتهم عيِّنات المحلات وأدق أجراس الإنذار
وأُمرِّر عصاي على طول الدرابزينات العامة
وأُعوِّض رصانة شبابي.
سأخرج منتعلة الشباشب في المطر
وأقطف الزهور من حدائق الآخرين
وأتعلم كيف أبصق.
يمكنك ارتداء القمصان المريعة
وأن تزداد بدانة 
وأن تأكل ثلاثة أرطال من النقانق دُفعة واحدة
أو أن تتناول الخبز والمخلل لأسبوع
وتُخزِّن أقلام الحبر والرصاص 
وحشوات البيرة والأشياء في صناديق.
أما الآن فعلينا ارتداء الملابس التي تقينا من البلل
وأن ندفع إيجارنا ولا نسب في الشارع 
وأن نكون مثالاً يُحتذى للأطفال
علينا أن ندعو الأصدقاء للعشاء وأن نقرأ الصحف.
لكن ربما عليَّ أن أتمرن قليلاً الآن؟
لئلا ينصدم أو يندهش الناس الذين يعرفونني 
حين أبلغ الشيخوخة فجأة 
وأبدأ بارتداء الملابس الأرجوانية.
قصيدة "في وقت الغداء" للشاعر روجر ماكغو أحد الأعضاء البارزين في شعراء ليفربول، وهي مجموعة من الشعراء الشباب الذين تأثروا بشعر البيت والموسيقى والثقافة الشعبية في ليفربول الستينيات:
حين توقفت الحافلة فجأةً
لتفادي الاصطدام بأمٍ وطفل في الطريق،
الشابة في الجهة المقابلة ذات القبعة الخضراء 
قُذِفت نحوي،
وكوني واحداً من الذين لا يُفوِّتون فرصة
بدأتُ بممارسة الحب.
قاومَتْ في البداية
قائلة إن الوقت مبكرٌ جداً في الصباح،
وبعد وقت قصير جداً من الإفطار،
وعلى أي حال،
وجدَتْني مثيراً للاشمئزاز.
لكن عندما وضَّحتُ لها أن هذا العصر نووي
وأن العالم سينتهي وقت الغداء
خلعتْ قباعتها الخضراء
ووضعت تذكرة الحافلة في جيبها
وانضمت إلى الممارسة.
رُكاب الحافلة، كانوا كثيرين،
مصدومين ومندهشين
مستمتعين ومتضايقين
لكن حين تناهى إلى أسماعهم
أن العالم سيزول في وقت الغداء
وضعوا كبرياءهم في جيوبهم
إلى جوار تذاكر الحافلة
وشرعوا يمارسون الحب أحدهم مع الآخر.
حتى قاطع التذاكر،
شاعراً بأنه مستبعد،
تسلق إلى الكابينة
وأقام علاقة ما مع السائق.
في تلك الليلة
على متن الحافلة القادمة إلى البيت
شعرنا جميعنا بالحرج قليلاً
بالخصوص أنا والشابة ذات القبعة الخضراء.
وشرعنا جميعاً نقول بطرق مختلفة
كيف كنا حمقى ومتسرعين
لكن آنذاك 
وقفتُ وقلتُ 
إنه لأمر مؤسف أن العالم لم ينتهِ تقريباً في وقت الغداء
وأننا يمكن أن نتظاهر دائماً
حينها حَدَثَ
وبسرعة خاطفة
أن بدلنا الشركاء 
وسرعان ما عمّت الإثارة الحافلة
بأجساد بيضاء من النفتالين تمارس أشياء داعرة.
في اليوم التالي
وفي كل يوم
وفي كل حافلة
وفي كل شارع
وفي كل مدينة
وفي كل بلد
تظاهر الناس
أن العالم سيقترب من النهاية
في وقت الغداء.
لم ينته العالم
مع أنه بطريقة ما كان قد انتهى.

وهذه القصيدة الرائعة "امرأة استثنائية" لـ "مارجريت آن جونسون" الشهيرة بـ "مايا أنجيلو"، وهي شاعرة وكاتبة أميركية أصدرت سبع سير ذاتية وخمسة كتب في فن المقال، والعديد من المجموعات الشعرية. تنسب إليها قائمة من المسرحيات والأفلام والبرامج التليفزيونية التي امتدت نحو أكثر من خمسين عاما:
تتساءل المرأة الجميلة أين يكمن سِرِّي
لستُ فاتنة ولا أملك جسد عارضة أزياء
حالما أشرع في إخبارهن عن سر جمالي
يعتقدن أني أكذب
أقول لهن:
السر في طول ذراعَيّ
في امتداد وِرْكَي
واتساع خُطوتي
وتجعد شفتيّ
أنا امرأة
امرأة استثنائية
هذه أنا.
أدخلُ إلى أي مكان
بمنتهى الهدوء،
بالنسبة للرجال
يقفون أو يركعون على ركبهم
يتجمهرون حولي كخلية نحل
أقول لهم:
السر في نار عينيّ
ونور أسناني
وأرجوحة خصري
والغبطة في قدميّ
أنا امرأة
امرأة استثنائية
هذه أنا.
الرجال أنفسهم يتساءلون عما يرونه فيّ
يحاولون جاهدين
لكنهم لا يستطيعون أن يلمسوا لغزيَ الداخلي 
حين أحاول أن أُبين لهم
يقولون إنهم عاجزون عن الرؤية.
أقول لهم:
السر في تقوُّس ظهري
وشمس ابتسامتي
واستدارة صدري
وكياسة أسلوبي
أنا امرأة
امرأة استثنائية
هذه أنا.
أنتم الآن تدركون
لماذا لا ينحني رأسي
لا أصرخ أو أقفز 
ولا يتوجب عليّ أن أتحدث بصوتٍ عالٍ
عندما ترونني أمر
ينبغي أن يجعلكم ذلك فخورين
أقول لكم:
السر في قرقعة كعبيّ
وانسدال شعري
وراحة يدي
والحاجة إلى رعايتي
فأنا امرأة
امرأة استثنائية 
هذه أنا.