العراقيون بين احتلالين

الإيرانيون ليسوا أغبياء إلى الدرجة التي يتخيلون فيها أن العراق لم يعد محمية أميركية.

مَن قال إن على القوات الأميركية أن تنسحب من العراق؟

لم تقل الحكمة العراقية رأيها في تلك المسألة ولم يجرؤ أحد في مجلس النواب على طرح قرار في ذلك الشأن. وما هو مؤكد أن الشعب ليس معنيا لا من قريب ولا من بعيد بتلك القوات إن غابت وإن حضرت. لدى ذلك الشعب المنكوب ما يشغله عن كذبة السيادة الوطنية العراقية التي صار خامنئي معنيا بها أكثر من المسؤولين العراقيين.

اما سؤال من نوع "ما الذي تفعله القوات الأميركية على الأراضي العراقية؟" فهو أكثر الأسئلة التي تستدعي السخرية. ذلك لأن العراق الجديد هو صناعة أميركية. وهي صناعة لم تنتج عن شيء يمكن التعويل عليه. لا لأن العراق الجديد دولة فاشلة وهو ما صار معروفا بل لأن الثقة به وباستمراره نكاد أن تكون معدومة ن قبل ما يمكن أن أسميه تجاوزا نخبه السياسية التي هي ليست نخب حقيقية بقدر ما هي مجموعة من قطاع الطرق واللصوص والافاقين ونهازي الفرص والمقاولين الثانويين.

العراق اليوم هو في حقيقته مجموعة من الاقطاعيات التي وزعت بين الأحزاب التي تم انتقاؤها حصريا لكي تدير ثروته بالأسلوب المقنن الذي يمنع وقوع أية محاولة للتنمية. هناك فكرة عن حرمان العراق من الاستفادة من ثروته تجد طريقها إلى التطبيق من خلال الأحزاب التي تحظى بحماية إيرانية وبمباركة أميركية.

ذلك هو عنوان التسوية بين عدين لدودين، كان من سوء حظ العراق أن يقع بينهما. ذلك لأن الولايات المتحدة تعتبر نفسها جارة لإيران من خلال العراق. اما إيران فإن العراق يمثل لها مناسبة لإزعاج الولايات المتحدة وابتزازها واللعب بأعصابها.

غير أن الأمر كله لا يخلو من التهريج ومن تقسيم الأدوار العبثي.

يدرك الطرفان أن ما من جهة في العراق يمكنها أن تقف طرفا ثالثا في ما يتعلق بالمسألة العراقية. ذلك لأن الحكومة العراقية بغض النظر عن تصريحاتها في ما يتعلق بالنأي بالنفس عن أي صراع محتمل لا تملك واقعيا أن تحد من نشاط الطرفين في العراق.

كل حكومة عراقية تنظر إلى نفسها باعتبارها حكومة في الوقت الضائع.

سيكون ذلك أمرا مريحا بالنسبة للحكومات العراقية وهو أيضا مطلوب بالنسبة للطرفين، الإيراني والأميركي وهما يسعيان إلى أن يتفاديا إلى الوصول إلى نقطة اللاعودة.

لذلك لا أعتقد أن إيران منزعجة من وجود قوات أميركية في العراق.

ليس الإيرانيون أغبياء إلى الدرجة التي يتخيلون فيها أن العراق لم يعد محمية أميركية. ذلك وهم تركوه لأتباعهم في العراق الذين صاروا يسوقونه في الاعتراض الدعائي على وجود القوات الأميركية في العراق.

ولكن ما من حراك شعبي في اتجاه الرفض لذلك الوجود. وهو ما يعني أن العراقيين يفضلون وجودا عسكريا أميركيا سيكون من اليسير التخلص منه عبثيا على هيمنة ميليشاوية إيرانية، لا يمكن التخلص منها لأنها جزء من المجتمع الذي يُراد إنقاذه من تلك الكارثة.

بالنسبة للعراقيين فإن الأمر ليس واحدا.

الاحتلال الأميركي سيكون مؤقتا غير أن التجربة أثبتت أن الاحتلال الإيراني سيكون دائما. وهو ما يدفعهم إلى القبول باستمرار وجود القوات الأميركية على أراضيهم بغض النظر عما يقوله المرشد الإيراني الأعلى الذي لا يرى من العراق سوى طريق تقود إلى كربلاء.
وكما أعتقد أن العراقيين تعبوا من الخيار الإيراني الذي يفصلهم عن حاضرهم ومستقبلهم. لذلك فإنهم ينحازون إلى حياتهم الحقيقية، هناك حيث يلعب الواقع دورا مؤثرا. فلا غنى عن القوات الأميركية ما دام البلد محتلا.

يومها سيكون على الأميركان أن يبحثوا عن حل لبلد لم يرضوا أن يكون حديقة خلفية لعدوهم.