العراق.. احتجاجاتنا والجارة الشرقية

إيران توسعت في فرض أرادتها علينا حتى أصبحت تقرر من يبقى في السلطة ومن يغادرها، في حين تبقى الحقيقة الثابتة بان تلك التدخلات سببها الأذرع الداخلية.

بقلم: حسن حامد سرداح

أكثر ما يدعو للفخر في الاحتجاجات الشعبية التي دخلت شهرها الثاني بمحافظات الوسط والجنوب، صفة "السلمية" رغم المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى الذين سقطوا بنيران قوات تنسبها الحكومة للمنظومة الأمنية والتي يبرر رئيسها عادل عبد المهدي، بالدفاع عن النفس، في حين يتمسك المعتصمون بحقهم بالتعبير عن "غضبهم" برفع الأعلام واستقبال القنابل المسيلة للدموع بصدور عارية، وهو ما يجعلها "انظف" احتجاجات يسجلها التاريخ الحديث ضد آلة "القمع والاستبداد التي تمارسها السلطة" بتدخل مباشر من جارة شرقية ارتبط موقعها الجغرافي بالرياح التي لا تحمل معها سوى "الصداع للرأس".

فجميع ما تفعله الجارة إيران ليست مجرد اتهامات أو فبركات ينقصها الأدلة، أبدا، ومن يتابع تصريحات قياداتها السياسية والأمنية وحديث مرشدها الأعلى، علي الخامنئي، سيسجل العديد من النقاط التي لا تقبل أي تفسير غير "التدخل بالشأن العراقي"، فالجميع اطلع على تغريده الخامنئي وحتى الذي لم يشاهدها قد يكون سمع بها، لكونه وصف التظاهرات والاحتجاجات السلمية "بأعمال الشغب"، وأخبرنا بأن "أمريكا وإسرائيل تقفان وراء تحريك الاعتصامات".

 هذه تهمة، لا يمكن القبول بها لكونها استهدفت شريحة كبيرة من العراقيين الذين وجدوا في الخروج إلى الساحات فرصة "لاسترداد حقوقهم المسلوبة"، لكن موقف المرشد الأعلى اثبت بما لا يقبل الشك بان قيادات طهران وفي مقدمتهم الجنرال قاسم سليماني متورطون بإقناع عبد المهدي باستخدام القوة ضد المتظاهرين من خلال مواجهتهم بالقنابل المسيلة للدموع لإصابات مباشرة بالرأس أو منطقة الصدر، وهذه الطريقة "محرمة" في جميع دول العالم حتى إسرائيل وقواتها الصهيونية لا تستخدمها بهذه الطريقة، وهو امر معيب جعلتنا القيادات الإيرانية نقارن بين تعامل "الصهاينة" للفلسطينيين وتعامل من يدعون عراقيتهم مع أخوتهم في الوطن.

فيما تشكل خطبة المرجعية الدينية التي رفضت التدخلات الخارجية في شؤون العراقيين وخاصة الإقليمية، ودعت إلى ترك أبناء الشعب يقررون مصيرهم بأنفسهم، صفعة أخرى للنظام الإيراني ورد مباشر على تغريدة الخامنئي، لكن أسمعت لو ناديت حيا، لتكون الأيام التي جاءت بعد خطبة المرجعية اكثر تدخلا من الجانب الإيراني حينما أرسلت قاسم سليماني إلى بغداد ليستمر بعقد الاجتماعات مع القيادة السياسية ويفرض عليهم القرارات التي يجب اتخاذها "لقتل المتظاهرين" وإجبارهم على التمسك بحكومة عبد المهدي ورفض استقالته، ليذهب اكثر من ذلك حينما أبلغ زعيم تحالف الفتح هادي العامري بضرورة رفضه للاتفاق مع زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، بشأن إقالة عبد المهدي وإيجاد بديل عنه، ليخرج العامري متحدثا بلسان قاسم سليماني ويؤكد بانه "لا يملك السلطة في استقالة عبد المهدي" بعد ساعات على قبوله التفاوض مع السيد الصدر، فسبحان مغير الأحوال والمواقف.

حتى بعد مغادرة سليماني إلى طهران الذي اختتم زيارته بلقاء السيد الصدر في منزله بمدينة الحنانة، ولا نعلم بماذا أقنعه أو ماهي أهمية اللقاء التي جعلت زعيم التيار الصدري يعود إلى إيران التي وصل منها قبل أيام معدودات، لكن سليماني ترك خلفه أبو مهدي المهندس بديلًا لحضور الاجتماعات ونقل الموقف الإيراني بصيغة أوامر لا يمكن التراجع عن تنفيذها، ولعل قطع خدمة الأنترنت واحدة من ثمار وجود المهندس في اجتماع عبد المهدي مع القيادات الأمنية، الذي أشار بضرورة تنفيذها "حفاظا على الأمن العام" أو كما ابلغنا دولة رئيس الوزراء "لمنع التأمر وزرع الكراهية"، والذي يشكك بهذا فليس أمامه سوى مراجعة تصريحات لوزير الاتصالات نعيم الربيعي اكد خلالها بان "أوامر قطع الإنترنت صدرت من جهات عليا"، لكنها ليست "لحفظ الأمن" كما تدعي الحكومة، إنما لمنع فضح أساليب القمع التي تستخدمها أدوات الجارة ضد المتظاهرين العزل، ومنع إيصال أصوات استغاثتهم إلى المجتمع الدولي في خطوة تمثل حماية "للقتلة" من الملاحقة القانونية.

إن التدخل لإيراني لا يلغي التدخلات الأخرى المتمثلة بتركيا التي أرسلت شحنة من القنابل المسيلة للدموع والمواقف الأمريكية التي تؤيد بقاء عبد المهدي وتعتبره أفضل شخصية لمنصب رئيس الوزراء بحسب بيان للخارجية الأمريكية، لكن إيران توسعت في فرض أرادتها علينا حتى أصبحت تقرر من يبقى في السلطة ومن يغادرها، في حين تبقى الحقيقة الثابتة بان تلك التدخلات سببها الأذرع الداخلية التي توفر المساحة الكافية وتسمح لتلك الجهات بالتحكم بالقرارات كونها فرصة لا يمكن إن تضحي بها إيران أو غيرها، حتى لو وصل الأمر إلى قتل جميع المحتجين وارتكاب مجزرة عنوانها "الدفاع عن الشرعية" أخيرا. السؤال الذي لا بده منه ماذا يريد الجنرال الإيراني من المواطن العراقي؟

كاتب عراقي