العراق استخدم قنابل إيرانية فتاكة صممت لقتل المحتجين لا تفريقهم

أحدث تحقيقات منظمة العفو الدولية تكشف بالأدلة تورط إيران في قتل محتجين عراقيين بقنابل مسيلة للدموع وقنابل دخانية صممت على غرار قنابل  تستخدم لأغراض قتالية.

إيران تنتقل إلى المرحلة الثانية من محاولات تفكيك الحراك العراقي
تقرير لمنظمة العفو الدولية يسلط الضوء على انتهاكات إيران في العراق
إيران تتوجس من خسارة نفوذها في العراق ولبنان
إيران تخشى انتقال عدوى الحراك العراقي إلى ساحتها
حراكا العراق ولبنان يهددان النفوذ الإيراني

واشنطن - خلصت أحدث تحقيقات منظمة العفو الدولية (امنستي) إلى أن القنابل المسيلة للدموع والقنابل الدخانية التي استخدمتها قوات الأمن العراقية ضد المحتجين وتسببت في إصابات قاتلة و"شنيعة"، إيرانية الصنع وأن مصدرها منظمة الصناعات الدفاعية الإيرانية.

وذكرت المنظمة في تحديث لبيان صحفي كانت نشرته في أواخر أكتوبر/تشرين الأول حول القنابل الفتاكة التي اخترقت جماجم محتجين في العراق، أن القنابل المستخدمة هي من صنع منظمة الصناعات الدفاعية الإيرانية وأخرى من صنع صربيا.

ويسلط تقرير امنستي الضوء على التدخل الإيراني لتفكيك الحراك الشعبي في العراق بكل الوسائل بما فيها استخدام قنابل فتاكة اخترقت جماجم المحتجين.

وحاولت إيران مع بداية الحراك العراقي ترويج رواية "المؤامرة الخارجية" وحذّرت العراقيين من قوى خارجية تسعى لجر العراق للفوضى.

ومع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات وسقف مطالبها إلى التنديد بالنفوذ الإيراني وإحراق صور قادة إيرانيين مثل المرشد الأعلى علي خامنئي وضرب صور الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس المشرف على عمليات الحرس الثوري الخارجية، بالأحذية، حرّكت إيران ميليشياتها الشيعية الموالية لها لضرب الحراك الشعبي.

ويبدو أنها انتقلت إلى مرحلة ثانية أخطر بتزويد السلطات العراقية بقنابل غاز مسيلة للدموع وقنابل دخانية قاتلة ومن أعيرة مختلفة أوردتها منظمة العفو الدولية وقدمت عنها لمحة تفصيلية.

وقالت المنظمة الدولية في تقرير مطول نشرته على موقعها الالكتروني "أظهر التحليل الجديد أنه بالإضافة إلى القنابل الصربية الصنع سلوبودا تساتساك إم 99 التي تم تحديدها سابقا، فإن جزءا كبيرا من المقذوفات الفتاكة هو في الواقع قنابل غاز مسيل للدموع إم 651   وقنابل دخان إم 713 صنعتها منظمة الصناعات الدفاعية الإيرانية".

وتابعت "منذ نشر نتائجنا لأول مرة، في 31 أكتوبر/تشرين الأول، اطلعت منظمة العفو الدولية وتحققت من أدلة الفيديو بشأن أربع حالات وفاة إضافية سببتها القنابل اليدوية الصربية والإيرانية وتلقت عددا كبيرا من الصور الإضافية للأسلحة عبر مصادر على الأرض. ومن خلال تحليل هذا الدليل الجديد، تمكنت منظمة العفو الدولية من تحديد هذا الأمر".

إيران زودت القوات العراقية بقنابل دخانية ومسيلة للدموع فتاكة لم يسبق استخدامها
إيران زودت القوات العراقية بقنابل دخانية ومسيلة للدموع فتاكة لم يسبق استخدامها

وحثت امنستي يوم أمس الخميس السلطات العراقية على التوقف فورا عن استخدام القنابل الإيرانية والبلغارية ضمان عدم استخدامها من قبل قوات مكافحة الشغب وقوات الأمن الأخرى.

وأشارت إلى استخدام نوعين من القنابل المسيلة للدموع لم يسبق استخدامها من قبل "لقتل المحتجين بدلا من تفريقهم"، مشيرة إلى أن تحقيقاتها خلصت إلى مقتل خمسة محتجين على الأقل في خمسة أيام بالنوعين من القنابل سالفة الذكر.

واستندت امنستي في تقريرها إلى مقابلات عبر الهاتف مع العديد من الشهود اضافة إلى سجلات طبية واستشارات مهنيين طبيين في بغداد وأخصائي في الطب الشرعي مستقل، حول الإصابات المروعة التي سببتها هذه القنابل منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول وتحليلات لمقاطع فيديو صورت بالقرب من ساحة التحرير بالعاصمة العراقية بغداد.

وقالت إن هذه اللقطات توثق الوفيات والإصابات بما يشمل جثة متفحمة والجروح التي انبعث منها الدخان.

وإلى جانب القنابل الإيرانية التي استخدمتها قوات الأمن العراقية، ذكرت منظمة العفو الدولية أن أحد خبرائها العسكريين حدد أنواع قنابل الغاز المسيل للدموع المستخدمة كنوعين مختلفين من بلغاريا وصربيا المصمّمة على غرار القنابل العسكرية ويبلغ وزنها 10 أضعاف ثقل عبوات الغاز المسيل للدموع، مما أدى إلى إصابات مروعة ووفاة عندما أطلقت مباشرة على المحتجين.

وقالت لين معلوف مديرة البحوث للشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية "تشير جميع الأدلة إلى قيام قوات الأمن العراقية باستخدام هذه القنابل العسكرية ضد المحتجين في بغداد، مستهدفة على ما يبدو رؤوسهم أو أجسادهم من مسافة قريبة وبصورة مباشرة. وكان لهذا نتائج مدمرة، في حالات متعددة اخترقت جماجم الضحايا، مما أدى إلى جروح مروعة وموت بعد أن تنغرس القنابل داخل رؤوسهم".

على عكس معظم قنابل الغاز المسيل للدموع التي تستخدمها قوات الشرطة في جميع أنحاء العالم، فإن القنابل الإيرانية تم تصميمها على غرار القنابل العسكرية الهجومية المصممة للقتال

وأوضحت أنه على عكس معظم قنابل الغاز المسيل للدموع التي تستخدمها قوات الشرطة في جميع أنحاء العالم، فإن هذين النوعين من القنابل (سلوبودا تساتساك إم99  و إم651 وقنابل دخان إم713) تم تصميمها على غرار القنابل العسكرية الهجومية المصممة للقتال.

وقال تقرير امنستي "وجد بحث أجرته منظمة العفو الدولية أنه نظرا لوزنها وتركيبها، فإنها أكثر خطورة بكثير على المحتجين"، موضحا أن زنة "قنابل الغاز المسيل للدموع النموذجية المستخدمة من قبل الشرطة والتي يبلغ قطرها 37 ملم، ما بين 25 و50 غراما، وتتكون من عدة عبوات أصغر تنفصل وتنتشر على مساحة ما".

وتابعت "وفي المقابل تتألف القنابل العسكرية الصربية والإيرانية المستخدمة من قبل العسكر والتي يبلغ قطرها 40 ملم، والموثق استخدامها في بغداد، من سبيكة ثقيلة واحدة وهي أثقل وزنا ما بين 5 و10 أضعاف، وتزن 220 إلى 250 غراما".

ويشهد العراق موجة ثانية من الاحتجاجات عجزت الحكومة العراقية التي يقودها عادل عبدالمهدي عن احتوائها. وفشلت إجراءات ووعود حكومية في تهدئة الشارع العراقي، ما دفع إيران للتحرك ميدانيا وسياسيا.

وزار قاسم سليماني قائد فيلق القدس والمشرف على عمليات الحرس الثوري الخارجية وعلى الميليشيات الشيعية في المنطقة والتي تعتبر أذرعا إيرانية، في الفترة الماضية بغداد وأجرى لقاءات مع قادة في ميليشيات الحشد الشعبي كما بحث سبل توفير الدعم لعادل عبدالمهدي لإنقاذه من السقوط.

وباتت إيران تشعر بخطر يتهدد نفوذها في كل من العراق ولبنان الذي يشهد أيضا احتجاجات عابرة للطائفية، كما باتت تتخوف من احتمال انتقال عدوى الحراك الشعبي إلى ساحتها وعليه تقرر تفكيك الاحتجاجات في كل من العراق ولبنان.

وشهدت إيران في 2017 و2018 احتجاجات شعبية عارمة خرجت تنديدا بالفساد وتدهور الوضع المعيشي والاقتصادي، لكن ميليشيات الحرس الثوري تدخلت بقوة ونجحت في إخماد تلك المظاهرات التي كسر فيها الإيرانيون لأول مرة حاجز الخوف.

ونددوا حينها بفساد ونفوذ المؤسسة الدينية والسياسية ممثلة في شخص المرشد الأعلى علي خامنئي. كما نددوا بإهدار النظام أموال الشعب في التدخلات الخارجية، مطالبين طهران بالتوقف عن تقديم الدعم المالي والعسكري للنظام السوري.

ولا يستبعد متابعون للشأن الإيراني أن تتفجر موجة احتجاجات في إيران على وقع أزمة اقتصادية ومالية حادة تحت وطأة العقوبات الأميركية، مشيرين إلى أن هذا الأمر يبقى رهينا بمدى نجاح الحراك الشعبي في كل من لبنان والعراق.

وقد يحفز نجاح الحراكين في لبنان والعراق حيث لطهران نفوذ قوي، في تحريك الشارع الإيراني.

سليماني زار العراق عدة مرات بحثا عن سبل لاخماد الحراك الشعبي
سليماني زار العراق عدة مرات بحثا عن سبل لاخماد الحراك الشعبي

وتواصل قوات الأمن في بغداد استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع وأحيانا الرصاص الحي بأعيرة ثقيلة، إضافة إلى القنابل الصوتية التي تهز العاصمة حتى وقت متأخر من الليل، مذكرة بأصوات انفجارات السيارات المفخخة التي حفظها البغداديون على مدى الأعوام الـ15 الماضية.

واحتشد آلاف المتظاهرين في العراق ليوم الجمعة الثالث على التوالي من الحراك الاحتجاجي ضد الطبقة السياسية، مؤكدين ثباتهم في تحركهم الذي بدأ يطال البنية التحتية الحيوية للبلاد في ظل عدم وجود بوادر حل في الأفق.

وقال أحد شيوخ عشائر الناصرية (300 كلم جنوب بغداد) الذي وصل إلى العاصمة للتظاهر الجمعة، أول أيام العطلة الأسبوعية، في ساحة التحرير حيث أطلقت القوات الأمنية الرصاص الحي "لقد قدمنا دماء أبناء عشائرنا، ولن نتوقف حتى استقالة الحكومة".

وقتل الخميس 13 متظاهرا على الأقل، ستة في بغداد وسبعة في البصرة، بحسب مصادر طبية.

وشهدت الاحتجاجات التي انطلقت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول أعمال عنف دامية أسفرت عن مقتل نحو 300 شخص، غالبيتهم من المتظاهرين المطالبين بـ"إسقاط النظام".

وكان رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، المستقل الذي لا يحظى بقاعدة شعبية، فكر في أن يستقيل تحت ضغط الشارع، وفق ما يؤكد مسؤولون، قبل أن ينقلب موقفه رأسا على عقب بإسناد إيراني وبضمانات الميليشيات الشيعية الموالية لإيران.

وكثف عبدالمهدي من بياناته واجتماعاته التي تنقل عبر التلفزيون للقول إن الوقت حان لـ"العودة إلى الحياة الطبيعية" وتنشيط الاقتصاد، خصوصا في جنوب البلاد الذي شلته حركة العصيان المدني.

وفي محافظة البصرة الغنية بالنفط والمنفذ البحري الوحيد للبلاد والتي تعاني من نقص كبير في الخدمات والبنية التحتية، كانت أعمال العنف دامية.

وتجددت المواجهات في المدينة، ما أجبر السلطات على إعادة إغلاق ميناء أم قصر الحيوي لاستيراد المواد الغذائية والأدوية، بعد ساعات قليلة من افتتاحه.

ولا يزال وصول الموظفين إلى الدوائر الرسمية والمنشآت النفطية متعذرا بسبب الإضرابات العامة، فيما لا يزال نحو 100 ألف برميل نفطي مخصصة للتصدير عالقة في شمال البلاد لعدم تمكن الشاحنات من الوصول جنوبا.

ورغم أعمال العنف، يؤكد متظاهرون مواصلة احتجاجاتهم في الساحات وخصوصا التحرير حتى تغيير النظام السياسي الذي تأسس بعد سقوط نظام صدام حسين، وتجديد الطبقة السياسية التي تحتكر الحكم منذ 16 عاماً

وقال متظاهر في بغداد "لازم ندخل المنطقة الخضراء ونسقطها"، في إشارة إلى المنطقة التي تضم عددا كبيرا من مؤسسات الدولة، مضيفا "ثم نعلن ثورة شعبية منها، ضد كل الذين سرقوا منا. عادل عبدالمهدي وقيس الخزعلي وهادي العامري"، في إشارة إلى رئيس الوزراء وشخصيتين من قوات الحشد الشعبي والساحة السياسية.

وقال مصدر من الحشد الشعبي اليوم الجمعة إنّ هذه القوات نشرت تعزيزات بالمئات لحماية المنطقة الخضراء إزاء أي محاولة لاقتحامها من قبل المتظاهرين.

وأعلنت الأمم المتحدة أن تلك القنابل أدت إلى مقتل 16 متظاهرا على الأقل من خلال اختراق الجماجم أو الصدور.

ويندد الحقوقيون أيضا بعمليات الاعتقال والاختطاف وتهديد ناشطين وأطباء من قبل جهات تؤكد الحكومة حتى الآن أنها تجهل هويتها.

والأربعاء اغتيل ناشطان برصاص مجهولين في العمارة بجنوب العراق، بحسب مصادر أمنية.

وعلى الصعيد السياسي، تبدو الأمور مجمدة حتى الساعة مع إعلان عبدالمهدي الثلاثاء أن الحلول المطروحة حتى الآن لا تفي بالغرض، خصوصا إجراء انتخابات نيابية مبكرة.

ومسألة الانتخابات كانت مقترحا من رئيس الجمهورية برهم صالح الذي يجري مشاورات سياسية مع كبار الزعماء في إقليم كردستان العراق.

وتركز غضب المتظاهرين الذين يطالبون بـ"إسقاط النظام" خلال الأيام الماضية، على إيران صاحبة النفوذ الواسع والدور الكبير في العراق، إلى جانب الولايات المتحدة التي لم يشر إليها المحتجون خلال التظاهرات وهي بدورها لم تبد تفاعلا تجاه الأزمة الحالية في البلاد.

وما أجج غضب المحتجين هو الزيارات المتكررة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني للعراق، وتصريحات المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي عن وجود "مخططات من الأعداء لإثارة الفوضى وتقويض الأمن في بعض دول المنطقة".

ودعا المرجع الديني الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني الجمعة إلى عدم "المماطلة والتسويف" والاستجابة إلى "مطالب المواطنين وفق خارطة طريق يتفق عليها، تنفّذ في مدة زمنية محددة".