العراق.. السياسة الشيعية في مأزق خطير

شعور كبير لدى العراقيين يبعث إلى إنّ أخطاءً خطيرة تُرتكب من قبل الأحزاب الإسلامية ويتماشى مع مرتكبي هذه الأخطاء رغبة تتحول إلى إصرار لمواصلة هذه الأخطاء التي لا ينتبه لها قادة الشيعة ولا يعيرونها أهمية في الوقت الحالي.

بقلم: محمد عايش عبداللطيف الكبيسي

في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كان الكثير من الطلبة الشيعة في الجامعات العراقية ومن المثقفين الشيعة في العراق يُعبرون عن ما في داخلهم لنا بصوت مسموع، بأنهُ يوماً ما سيتحقق هدفهم أو حلمهم، ويؤول إليهم الحكم وتكون فرصتهم أكبر لتحقيق مشروع دولة (العدل والمساواة) بين أبناء العراق، و يضيفون لنا بلغة الاطمئنان بأنكم ستشعرون الفرق عن حكم الأنظمة العلمانية ذات الطابع المذهبي السُنّي التي تحكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 ولا أبالغ إنْ قلت إنّ في حديثهم الكثير من الثقة والنية الصادقة.

كان هذا النوع من النقاش والبوح الحذر يحدث باستمرار، وخصوصاً بين الطلبة الاكثر اختلاطاً فيما بينهم وهم طلبة الاقسام الداخلية، أو بين الذين يتشاركون العيش والصحبة خلال فترة الدراسة الجامعية وما بعدها، يمكن أنّ نسمي هذه الحالة بـ(البوح البريء الحذر)، وهذا لا ينفي وجود بعض الآراء المتشنجة هنا وهناك لكنها كانت غالباً ما تنتهي خوفاً من تطورها وحدوث ما لا يحمد عقباه.

ما تمنوه قد حصل بعد عام 2003، وأستلمَ الشيعة الدولة والسلطة بكلِ مفاصلها. بدأوا بأيديهم أولى خطوات بناء الدولة، فرحين بتحقيق أعظم حلمٍ طالَ انتظارهُ، استعانوا بمن جاء من الخارج أو وجدوا أنفسهم مضطرون إلى الاستعانة بهم في بناء أسس دولة (العدل والمساواة).

هؤلاء الجدد رسموا لهم خارطة السياسة العراقية الحديثة، بأحرفٍ من طباشير على سبورةٍ سوداء، في صفوفٍ منفتحةٍ مليئةٍ بتلاميذٍ حالمةٍ، لكن رسوماتهم سرعان ما تلاشت، ولمْ يقّدر لهم منذ ذاك الوقت أن يرسموا أيةَ صورة واضحة للعراق.

انتبهَ كثيرٌ من الحالمين والطامحين بعد حين من الزمن، وتيقنوا أنّهم في مازقٍ خطير، يحطم أحلامهم الوردية ويحولها الى كوابيس ليلية ونهارية، وأصبحوا في حاجة إلى الكثير من الجرأة والشجاعة لقبول الأخرين حتى يضمنوا الخروج الآمن من هذا المأزق الخطير.

العزلة والغربة والاستهجان ورفض الظلم والتبعية والتهميش والتغيير الديموغرافي، كلها مؤشرات تجدها على مُحيا الجمهور الرافض لكل ما يجري ويحدث من قبل قياداتهِ ، جمهور يمارس أقصى درجات ضبط النفس، بأساليب وأنواع من المعارضة، منها المعارضة الصامتة الغير مصدقة والمندهشة حد الذهول والتي يمثلها جمهور واسع من الذين حلموا وطالبوا وساندوا مشروع (دولة العدل والمساواة)، ومنها المعارضة الناطقة بكل التفاصيل والحسابات المعلوماتية والرقمية وهي متمثلة بالعديد من قادة الخطوط الاولى للأحزاب الشيعية الحاكمة الذين اصطفوا جانباً، وأصبحوا معارضين في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر (غيث التميمي واياد جمال الدين ووائل عبداللطيف واوس الخفاجي) ينضم إليهم نخبة كبيرة من المثقفين والإعلاميين الشيعة، ومنها ايضاً المعارضة الداخلية وهي نوع من رجال الدين والسياسيين الذين مازالوا يتمتعون في مواقع مهمة في الأحزاب الحاكمة، لكنهم يحاولون التغيير من الداخل، ويقف في مقدمتهم (السيد مقتدى الصدر) وممكن يكون (السيد العبادي) وبعض القيادات الاخرى الغير ظاهرة للعلن من عرابي ومروجي هذا النوع من المعارضة ذو التأثير القوي.

وقع فيه الشيعة عكس ما وقع فيه السُنّة، من حيث أنهم موحدون تقريباً في السيّر بخطوات خاطئة أوصلتهم أو كادت توصلهم إلى العزلة التامة عن جمهورهم ومقلديهم أولاً، وعن بقية مكونات المجتمع في العراق ثانياً. ما يشعر بهِ الشيعة الآن، هو شعور المنتصر والمهيمن على كل شيء، وفي نفس الوقت شعور الخائف الغير قادر على إثبات نفسه كبديل ناجح يحكم دولة كان يحكمها السُنّة ردحاً طويلاً من الزمن.

لسان حال المواطن الحالم الغير مصدق ما يجري حوله يتسائل كيف يحدث هذا؟ من المسؤول عن ضياع الفرصة التي مازالت بأيدينا لكننا نشعر إنها ضائعة، لعدم قدرتنا على التكيّف والتغيّر حسب ما يتطلبه المنطق والعقل.

شعور كبير لدى العراقيين جميعاً، يبعث إلى إنّ هناكَ أخطاءً خطيرة تُرتكب من قبل قادة الشيعة، ويتماشى مع مرتكبي هذه الأخطاء رغبة، وقد تتحول هذه الرغبة إلى إصرار لمواصلة تلك الأخطاء، هذه الأخطاء التي لا ينتبه لها قادة الشيعة ولا يعيرونها أهمية في الوقت الحالي، قد تُقّرب من فترة انتهاء حكمهم وعودتهم مجدداً إلى ممارسة دور المظلوم الذي تأصل في قلوبهم ووجدانهم منذ مئات السنين.

المأزق الشيعي في رأي المتواضع ورأي الكثير، أكثر خطورة من المأزق السُنّي لإنّ السُنّة فقدوا كل شيء وليس لديهم الكثير من المكاسب لكي يفقدونها، لكنهم ينتظرون فرصة اكتمال حلقات الفشل والاخفاق لحكم الشيعة لكي يعودوا مجدداً، أما الشيعة إذا ما فقدوا فرصتهم ولم يثبتوا خلال العشرين عاماً القادمة بأنهم البديل الأنسب والافضل لفترة الحكم السُنّية، فبالتأكيد فرصة عودة السُنّة لحكم هذا البلد من جديد ستكون متوفرة ، وربما بطلب من جمهور الشيعة قبل السنة.

حجم جمهورهم الرافض لممارساتهم بدأَ يتسع، ويدعو بقوة إلى التصحيح والعودة إلى الطريق الصحيح لتفادي تلك الأخطاء، ويحذرون منها وهذا ما يتمثل بعدم رضا جمهور الشيعة عن نموذج الحكم الشيعي الحالي في العراق، ويتمثل ايضاً بفرار وانقلاب الكثير من قيادات الصفوف المتقدمة في الاحزاب الشيعية.

عراق متخم في الازمات والمآزق التي تُعصف به ، السُنّة والشيعة قطبا هذا البلد إنْ لم يستطيعوا الوصول إلى حلول مرضية، تمكنهم من العيش الآمن في هذا البلد الذي اعتادوه منذ مئات السنين، بالتأكيد بديل الحكم السُنّي أو الشيعي لن يكون الحل الانسب لهذا البلد، لإنّنا سنبقى ندور في نفس الدوامة، ما يحتاجه هذا البلد اعتراف البعض في البعض وحكم أنفسهم بأنفسهم بعيدا عن كافة التدخلات الخارجية.

كاتب عراقي