العراق.. الهويات القاتلة والحين الانتخابي

الهويات المجتمعية التي تسلّم زمام حاضرها ومستقبلها لقوى الهويات الطائفية ونخب التحيزات الضيقة تستقدم الصراع باختيارها وتؤسس للصراع بنفسها وترتضي أن تكون سلعة مضاربة يتداولها المغامرون.

 بقلم: حسين العادلي

إن أخطر الهويات القاتلة هي الهويات العرقية الطائفية المسيسة، فبنقل الهوية من مجالها المجتمعي الثقافي إلى الحيز السياسي، سيجعلها هويات قاتلة لوحدة الأمّة وتضامن سلطاتها ضمن مجال الدولة. وهو تسييس يخلق بالضرورة التخندق الهوياتي المتبادل، ويُولّد صراع الهويات على الدولة كسلطات وثروات وفضاءات سيادة، وتسييس الهويات أفضل وصفة لقتل روح الأمّة الوطنية وتشظي وحدة واستقرار المجتمعات وجعلها فرقاً متحيزة وجماعات متضادة، يتم ذلك عندما تُجعل الهوية المجتمعية الفرعية وحدات إعتراف وولاء ومصلحة بالوعي المجتمعي وببنية الحياة السياسية وبمرافق النظام السياسي للدولة على حساب المواطنة والتعايش والهوية الوطنية الجامعة.

  • اعتماد الجبهات (العرقطائفية) بالحياة السياسية مصداق للتصنيع السياسي للهويات القاتلة وإعادة إنتاجها كل حين إنتخابي!! وهذا ما نتلمسه اليوم ونحن نراقب الحِراك الإنتخابي استعداداً لانتخابات 2020، سواء بتشكيل التحالفات أم بتنظيم قوائم المرشحين!! والحديث عن إئتلافات وطنية عابرة لتخوم الطائفة وتحيزات الإثنية يتراجع (حزبياً) لصالح إئتلافات الهويات الفرعية،.. والتأسيس الطائفي الجبهوي الجديد لائح بالأفق.
  • التخندق الطائفي هو: إقامة جبهات سياسية واجتماعية وثقافية على أساس من الهوية الطائفية، هدفه: كسب الاعتراف، تأمين الحماية، وتحقيق المصالح، على أساس من فكرة الهوية الفرعية وشخصيتها وحقوقها ومجالاتها ضمن إطار الدولة. وينتج التخندق السياسي الطائفي في حالتين: الأولى، فشل أنظمة الحكم بالاعتراف والتأسيس على قبول التّنوع والتعددية المجتمعية بحيادية ومساواة وعدالة دونما تمييز أو إقصاء سواء في الاعتراف بالمواطنين أو حمايتهم أو توفير الخدمات لهم. والثاني، بسبب الفشل في إنتاج مجتمع الدولة من قبل المجتمعيات العرقية والطائفية الفرعية الداخلة في تركيبة الدولة. الفشل الأول هو فشل سياسي نخبوي حزبي على مستوى الحياة والنظام السياسي، والفشل الثاني هو فشل اجتماعي على مستوى الوعي والامتثال والالتزام بفكرة أمّة الدولة.
  • تتعقد العلائق بين الهويات المجتمعية وعلاقتها بالدولة وتغدو قاتلة عندما تُؤسس على أساسها الأحزاب والثقافة السياسية، فعندها لا يغدو للمصلحة والهوية الوطنية من وجود، وتكون الأحزاب والنخب السياسية عندها قوى ردة رائدة تعمل بالضد من مؤسسة ومصلحة الدولة الوطنية ذاتها.
  • تتعمق كارثية التسييس الهوياتي عندما يندفع الساسة لشرعة التخندق الطائفي فكرياً وفقهياً وثقافياً لتبرير العزل والإقصاء والتخوين والتكفير على أساس من الهوية الطائفية. وتترسخ الطائفية السياسية أيضاً عندما يتم تأسيس النظام السياسي على وفق استحقاقات المحاصصة السياسية-الطائفية الحزبية،.. عندها ينتج لدينا دولة مفصلة على وفق أقيسة الطوائف ونطاق مصالحها وفق نظام الكانتونات.
  • الدولة أمّة وطنية، تتنوع مجتمعياً وتتوحد بالمواطنة والقانون والولاء والمصالح والهوية الوطنية الجامعة، ومقتلها بتسييس هوياتها المجتمعية الفرعية وجعلها مدار الاعتراف والولاء والمصلحة. إنَّ تشظي وصراع واحتراب المجتمعات الوطنية نتاج طبيعي إمّا لقمع الهويات وإمّا لفقدان التعايش بينها وإمّا لإعطاء البعد السيادي للهويات بالاعتراف والمصالح.

إن الهويات المجتمعية التي تسلّم زمام حاضرها ومستقبلها لقوى الهويات الطائفية ونخب التحيزات الضيقة إنما تستقدم الصراع باختيارها وتؤسس للاحتراب بنفسها، وترتضي أن تكون سلعة مضاربة يتداولها المغامرون وكسبة الامتياز وقادة الصدفة ومنفذي الأجندات كلما لاح أفق انتخابات أو فرصة حكم لهم. وحدة الدولة وتماسك وسلام المجتمع رهن القوى والنخب الوطنية.

نشر في المدى البغدادية