العراق تجاوز حكم صدام لكنه لم يتخلص من قوانين البعث القمعية

السلطات العراقية تستخدم قوانين تعود لبداية حكم صدام حسين وبقيت دون تغيير بعد سقوط البعث وذلك لمواجهة نشطاء ومعارضين.
محاكمة ابراهيم الصميدعي بسبب مواقفه دليل على تراجع الحريات السياسية في العراق
تهم التشهير وإهانة المؤسسات ونشر المعلومات الكاذبة لا تزال قائمة في العراق
بعض الادانات قد تصل الى الاعدام او السجن المؤبد

بغداد - أدى اعتقال محلل سياسي مؤخرًا إلى إعادة إشعال جدل قديم في العراق بعد 18 عامًا من سقوط نظام صدام حسين الدكتاتوري، بشأن بعض قوانين عهده التي لا تزال تستخدم حتى الآن لإسكات الأصوات المنتقدة.
وأوقفت السلطات مساء الخميس المحلل ابراهيم الصميدعي في منزله بعدما أثار جدلاً بتعليقات سجلت ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي دون علمه، ينتقد فيها المراجعة الأخيرة لقانون المحكمة العليا.
وأفرج عنه مساء الأحد بعدما استمعت إليه محكمة في الكرخ في غرب بغداد، لكنه لا يزال ملاحقاً بتهم "التشهير" و"إهانة المؤسسات" ونشر "المعلومات الكاذبة".
وهذه التهم مدرجة في قانون العقوبات العائد لعام 1969 والذي صيغ بعد فترة وجيزة من انقلاب حزب البعث بزعامة صدام حسين واستيلائه على السلطة، وظل من دون تغيير في العام 2003 بعد إعادة كتابة دستور العراق بإشراف أميركيين بهدف تعزيز الحرية والديموقراطية في البلاد، كما قيل في حينه.
ويؤكد مرصد الحريات الصحافية العراقي أن "مذكرات القبض بحق الصحافيين والناشطين وأصحاب الرأي في العراق ما زالت تصدر مستندة إلى مواد قانونية تعود لأكثر من خمسة عقود، وقد تؤدي الإدانة في بعضها إلى عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام".
وقال رئيسه زياد عجيلي في بيان صحافي "يجب وضع حد للقوانين الموروثة من الأنظمة الشمولية السابقة والتي تتعارض مع دستور العراق بعد العام 2003".
اغتيالات وخطف

ورغم أن الملاحقة القانونية على أساس تلك القوانين تثير قلق النشطاء، لكن التهديدات بحقهم لا تعدّ ولا تحصى أيضاً. فمنذ بداية ثورة شعبية غير مسبوقة في تشرين الأول/أكتوبر 2019 ، قُتل أو خُطف عشرات النشطاء، بعضهم بضعة أيام والبعض الآخر ما زالوا مفقودين منذ أكثر من عام من دون أن تقوم الحكومة بشيء لردع مرتكبي هذه الأفعال.
وكتب عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة الذي يعتبر ممثّلا للتيار المعتدل في المعسكر الشيعي، في تغريدة على موقع "تويتر"، "تعرض أصحاب الرأي للاغتيال والاعتقال والخطف يعد تكميما للأفواه"، مؤكدا ضرورة أن "يكون النقد ضمن السياقات والأطر القانونية لكي يحافظ الجميع على هذا الحق الضروري للحياة السياسية والاجتماعية"، في إشارة واضحة إلى الإجراءات ضد الصميدعي.
وذكرت محكمة الكرخ أن الصميدعي "اعتذر" عن تهمة "إهانة المؤسسات". ومع ذلك، وبموجب المادة 226 من قانون العقوبات، لا يزال يواجه عقوبة بالسجن تصل إلى سبع سنوات مثل أي شخص "أهان علانية البرلمان أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو أي مؤسسة دستورية".
وفي سياق محادثة خاصة، انتقد الصميدعي تصرفات العديد من القادة السياسيين والقضائيين، لا سيما في ما يتعلق بقانون المحكمة العليا، ورفع الشكوى في شأنها مجلس القضاء الأعلى.

أثر صدام حسين لا يزال قائما في القوانين
أثر صدام حسين لا يزال قائما في القوانين

انتهى زمن الدكتاتورية
أما الشكوى الثانية فرفعتها وزارة الدفاع بموجب المادة 433 المتعلقة بالتشهير والتي تنص على "عقوبة السجن و/أو الغرامة"، وتعتبر "نشر التصريحات في الصحافة" على أنه "من الظروف المشددة". كذلك تقدم مجلس القضاء الأعلى بشكوى ثالثة ضده تتعلق بوقائع تندرج في سياق المادة 210 بشأن "المعلومات الكاذبة".
في شباط/فبراير 2020، وبينما كانت البلاد في خضم انتفاضة شعبية وتسعى إلى تشكيل حكومة تحل محل حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الذي استقال من منصبه، كتب الصميدعي في تغريدة أن 30 مليون دولار عرضت من أجل حجز وزارة "لجهة معينة".
وأصدرت مجموعة من النخب السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية بيانا طالبت بإطلاق سراح الصميدعي والكفّ عن استغلال المواد القانونية لتصفية حسابات سياسية.
وأضافت في البيان الذي وقعه أكثر من مئة شخصية "نذكّر القضاء والحكومة معاً بأن زمن الدكتاتورية قد ولّى إلى غير رجعة وأن الشعب العراقي الكريم لا يمكن أن يقبل بأي شكل من أشكال التضييق على الحريات وحرية الرأي والتعبير".