العراق.. جيل شيعي جديد

جيل مختلف بتعليمه وطموحاته ورؤيته للعالم ومتميز عن سلفه بانفصاله عن الجسد العام ليشكّل جسداً جديداً مستقلاً باحثاً عن موقع له كواحد من واحد وليس من مجموع النسيج الكلّي، وهو يرى أنه الأحق بتحقيق الانسجام بين مصلحته ومصلحة بلده الذي لا يجب أن يكون رأس حربة لآيديولوجيات خارجية حتى لو كانت شيعية.

 بقلم: حيدر نزار السيد سلمان

كل المؤشرات تنبئ بإعلان جيل شيعي جديد مختلف فكراً ومنهجاً وسلوكاً، وهذه الحقيقة التي لا يريد لها الانكشاف ولا يريد الشيعة المتنفذون بعناوينهم المختلفة السياسية والدينية والاجتماعية الاعتراف بها تكاد تشق الأرض بصراخها وتعبيراتها الخلاصية من ربقة الجيل الجامد غير القابل للتحديث والتغيير والماسك بكل السرديات القديمة بتفاصيلها ولغتها وأسسها المؤسسة.

 جيل شيعي مختلف بتعليمه وطموحاته ورؤيته للعالم ومتميز عن سلفه بانفصاله عن الجسد العام ليشكّل جسداً جديداً مستقلاً باحثاً عن موقع له كواحد من واحد وليس من مجموع النسيج الكلّي، وهو يرى أنه الأحق بتحقيق الانسجام بين مصلحته ومصلحة بلده الذي لا يجب أن يكون رأس حربة لآيديولوجيات خارجية حتى لو كانت شيعية.

يحاول هذا الجيل الجديد تقديم نفسه بوصفه الأولى بامتيازات تشيّعه واستقلاله، أي أنه يرفع شعار شيعة العراق أولاً وليس كما يريد المهيمنون من استخدام شيعة العراق كأضاحٍ للآخرين. وبمواجهة هذا الجيل العقلاني الواقعي يقف جيل السلطة الشيعية الفاشل باختبارات الإدارة والحكم والمتأخر عن العدالة وروح العالم.

 جيل سلطوي فشل وغرق بفشله فشقّ أخدود فراق بينه وبين شيعته الذين انتظروا أبناء جلدتهم من الحكام طويلاً ليقدموا لهم أبسط متطلبات العيش الكريم، بل قفز جيل السلطة فوق كل آمال الشيعة وتطلعاتهم وانشغل بمصالحه الخاصة ومراكمة ثرواته المنهوبة من رصيد بقية الشيعة، وفشل بإنجاز توزيع عادل للثروة بين أنصاره وقاعدته الاجتماعية مستحوذاً على كل الوظائف والمراكز المهمة، حتى التي بالدرجات الدنيا فقد تم توارثها وتوزيعها بين أحباب شيعة السلطة وأقاربهم وأفرادهم الحزبيين، وأهملت طموحات الملايين من الجيل الشيعي الجديد الذي وجد نفسه مسلوب الحقوق وفاقداً لرد الجميل من جيل السلطة الشيعي المترف الباذخ بإنفاقه، في حين راح الجيل الشيعي الجديد يقاوم الجوع والفقر والبيئة القاسية وشظف الحياة.

جيل السلطة الذي تغنّى طويلاً وكثيراً بالحقوق المسلوبة للشيعة ومظلوميتهم ودمار مدنهم وتخلفها استمرأ الخطاب نفسه حتى بعد تمكنه من تسلم السلطة فوقف بلا حراك أمام سردية المظلومية والتهميش ولم يتقدم خطوة إلى الإمام لنزع القهر ومنح الشيعة حقوقهم، وكل ما فعله جيل السلطة أنه جعل نفسه قيّماً على ثروات البلاد فأكلها أكلاً دون أن يفكر بعاقبة أنَّ هناك جيلاً شيعياً جديداً لم تعد تغريه خطابات التودّد الكاذب أو الاستخدام الممنهج للعقيدة الدينية الشيعية ولم يعد قابلاً للانخداع بالشعبوية الخطابية الطقوسية والشعارات القديمة، فظهر صارخاً بوجه جيل السلطة، رافضاً هيمنتها وأبوتها القاسية.

الجيل الشيعي الجديد أحسن تعليماً وأعمق ثقافة من جيل السلطة المتخلف المستند إلى تقواه الزائفة وتديّنه الفارغ، في حين يستند الجيل الشيعي الجديد الى تعليم عالٍ وفكر منفتح واطلاع واسع وعقل عصري قادر على الإبداع والإدارة، وهنا تحدث نقطة التصادم بين جيل شيعي فشل بتخلفه وعقليته التجهيلية، وجيل شيعي جديد متنور متعافٍ فكرياً وتعليمياً يجد في نفسه قدرة على إدارة شؤون البلاد بتفهم لمشاكل الشيعة وتطلعاتهم. الجيل الشيعي الجديد لديه قدرة الاستجابة للتحديات والتكيّف مع الظروف الداخلية والخارجية وله مستويات معقولة من العلوم والمعارف الإنسانية ويستطيع أن يرفد مؤسسات الدولة بخبرات مقتدرة ومتحررة، بالعكس من جيل السلطة الذي افتقد لخزين من المتعلمين وأصحاب الخبرات؛ فاعتمد على ما هو متوفر عنده من أنصاف متعلمين من أتباعه، ورفض الاعتماد على خبرات الجيل الشيعي الجديد ومتعلميه، وهو ما أسقطه بالفشل الذريع، فبعد أن فشل جيل السلطة الشيعي في إدارة الدولة ورفع مستوى الخدمات للناس، وبعد أن فشل في تغيير حياة الشيعة نحو الأفضل، أصبح من الضروري والحتمي وحفاظاً على حكم الشيعة تخلي الجيل القديم عن الحكم والإدارة ليتولاها من هم أفضل وأحسن وأحدث، وأعني الجيل الشيعي الجديد.

عن المدى البغدادية