العراق.. من يأتي بالمنقذ؟

المجيء بعادل عبد المهدي لم يكن لقدراته أو لحكمته على قيادة المرحلة وإنما كانت خلطة بازارية متقنة لتفادي صدام قد يؤدي إلى تفجير تناقضات من شأنها تسبيب أضرار بليغة في مشروع الأخ الأكبر الرابض خلف الحدود فكان لابد من احتواء تطلعات الصدر وتياره قبل انفلات النوايا.

   بقلم: وميض إحسان 

لم يكن مفاجئاً للكثير من العراقيين، باستثناء أصحاب النيات البريئة، أن تشكيل حكومة عراقية جديدة أسوأ عملية انتخابات، ستكون عملية عسيرة، ومعقدة. وعلى الرغم من وصف البعض لما يجري في البلاد بـ“العملية السياسية”، إلا انه في واقع الأمر لا يمت بأية صلة للسياسة، ولا بالعراق كوطن أو بالعراقيين كشعب، أنها صفقات تجارية يتعامل بها الصغار من منطلق مطامع ومصالح شخصية، ويستخدمها الكبار لتنفيذ استراتيجيات ترتبط بمشروعات إقليمية. ولذلك بدت الدهشة على وجوه العراقيين وهم يشاهدون طبيعة التحالفات التي نشأت قبل الانتخابات والتي تكونت وبعدها.

لم يدرك البعض أن الانتخابات الفاسدة لابد أن تلد أوضاعا هي الأخرى فاسدة، فناموا ليلتهم يتقلبون على توقعات بمجيء منقذ يقلب المعادلات وينشر الأضواء، ولعل صفقة شراء ذمم النواب في مجيء الحلبوسي رئيسا لمجلس النواب قد أزاحت الستار عن أول الولادات المشوهة.

الكل يعرف أن المجيء بعادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء لم يكن لقدراته، أو لحكمته، على قيادة المرحلة القادمة، وإنما كانت خلطة بازارية متقنة لتفادي صدام قد يؤدي إلى تفجير تناقضات في بئر المكون، من شأنها أن تتسبب بإضرار بليغة في مشروع الأخ الأكبر الرابض خلف الحدود، فكان لابد من احتواء تطلعات الصدر وتياره قبل انفلات النوايا.

لم يكن إعلان أصحاب البازار الكبار عن منح عبد المهدي الصلاحيات الكاملة في اختيار كابينته الوزارية، وعدم التدخل في خياراته، سوى تمرير بضاعة كاسدة اختبر العراقيون عدم صلاحيتها على مدى خمسة عشر سنة، كذلك لم يكن في خاطر الكبار أن يسمحوا بمثل هكذا معادلة تكشف عن فسادهم وصفاقاتهم وتعطل مشروعهم، فكان صراخهم عالياً أمام الناس حول صلاحيات عبد المهدي في اختيار وزرائه، لكنهم يفرضون عليه من خلف الستار اتباعهم الملوثين بكل أنواع الفساد والتبعية.

هذا الأمر خلق تعارضاً داخل تحالف كتلة سائرون البناء، الأمر الذي دفع كتلة البناء إلى الإعلان عن نيتها فك الارتباط مع الصدر، واللجوء إلى الأغلبية في مجلس النواب للتصويت على مرشحيهم، حتى بات الجميع يتدافعون في تعاريج مأزق كبير.

عادل عبد المهدي، الذي كان يهدد بأن استقالته في جيبه في حال تدخل الأحزاب والكتل في اختيار وزرائه، لربما شعر بدفء كرسي الرئاسة، فتراخت يده ولم تعد قادرة إلى الوصول إلى جيبة ليستل ورقة الاستقالة، ولعله ينتظر اللحظة الحاسمة ليفعل ما هدد به، خصوصاً إنه بلا حول ولا قوة تساعداه على فرض رؤيته في كل ما يجري حوله.

الصدر بزعامة تحالف سائرون يكاد أن يملك قوة الشارع العراقي، وقادر على تحريكه في الوقت الذي يريد، وهو لا يستطيع التنازل عن وعوده بالموافقة على مطالب تحالف البناء وزعيمها هادي العامري، كونه يستدعي النكوص عن وعوده وتغريداته، ويضعه في موقف حرج أمام جماهيره والمتحالفون معه، ومن ثم قد لا يكون في يده سوى الانسحاب مما يدعى بـ"العملية السياسية"، وما لذلك من مخاطر جمة على أية حكومة تتشكل بمعزل عنه.

هادي العامري زعيم تحالف البناء، المعروف برجل إيران في العراق، يكاد أن يكون لديه الأغلبية داخل مجلس النواب، لاسيما بعد التفاهمات السرية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو من يملك قوة السلاح، ويملك أن يخلق المطبات أمام أي حكومة متى ما شعر بالخطر على مصالحه، ومتى تهدد مشروع.

وبين هذه الانحناءات الحادة في الوضع الحالي، يبدو أن الكل متمسك بوجهة نظره، والكل متشبث بمصالحه، وحتى صوت المرجعية الدينية لم يعد، كالعادة، مسموعاً، فقد انطلق من مدينة النجف لكنه وصل إلى بغداد ضعيفا يصعب سمعه.

وبالتالي فان هذه التداعيات تقتضي أن يكون هناك من عليه أن يدفع ثمنها، وليس هناك من سيدفع الثمن سوى من لم يكن متفاجئاً، وأصحاب النيات البريئة على حد سواء.