
العراق يحذر من تداعيات 'مدمرة' لأي تصعيد أميركي إيراني
بغداد - في وقتٍ يشهد فيه الشرق الأوسط توترًا متصاعدًا بين الولايات المتحدة وإيران بسبب الملف النووي، عبّر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين عن قلق بالغ من أن يؤدي فشل المسار الدبلوماسي بين واشنطن وطهران إلى تداعيات "كارثية" على المنطقة، مؤكدًا أن الوضع الداخلي في العراق لا يحتمل اندلاع نزاع مسلح إقليمي جديد، خصوصًا في ظل هشاشة الأوضاع الأمنية واقتراب موعد الانتخابات النيابية المرتقبة في البلاد.
وجاءت تصريحات الوزير العراقي عقب زيارته الرسمية إلى العاصمة الأميركية واشنطن، التي التقى خلالها عددًا من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، في إطار بحث العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، وعلى رأسها الأزمة الإيرانية الأميركية، والوضع في سوريا، وأمن الطاقة، إضافة إلى ملفات اقتصادية وأمنية حساسة.
وفي مقابلة مع قناة "الشرق"، شدد فؤاد حسين على أن العراق يدعم بقوة استمرار الحوار الأميركي الإيراني، مؤكداً أن أي فشل في هذا المسار سيؤدي إلى نتائج "مدمرة" للعراق والمنطقة مضيفا "ندعم المسار الدبلوماسي لأنه المسار الوحيد الممكن. أي بديل سيكون كارثة للجميع، ونحن في العراق لا نملك ترف تحمل تبعات نزاع بهذا الحجم".
وأوضح أن العراق، بحكم موقعه الجغرافي والسياسي، سيكون أول المتضررين من أي تصعيد، في ظل وجود قواعد أميركية في أراضيه، إلى جانب فصائل مسلحة مدعومة من إيران ضمن الحشد الشعبي، والتي سبق أن انخرطت في مواجهات مع القوات الأميركية.
وأشار إلى أن احتمال تحوّل العراق إلى "ساحة صراع بالوكالة" بين الطرفين بات هاجسًا دائمًا في دوائر صنع القرار ببغداد، وأن الحكومة العراقية تسعى لتجنيب البلاد هذا السيناريو عبر تعزيز الدبلوماسية والوساطة.
من جانب آخر، تطرق الوزير إلى انعكاسات العقوبات الأميركية على إيران، مشيراً إلى أن العراق تضرر بشكل مباشر نتيجة ذلك، بسبب اعتماده الكبير على الغاز الإيراني في تشغيل محطات الكهرباء قائلا "نحو 33 في المائة من الكهرباء في العراق تعتمد على الغاز الإيراني، ومع استمرار العقوبات، اضطررنا إلى البحث عن بدائل".
ولفت إلى أن بغداد تجري مباحثات متقدمة مع دول مثل تركيا والأردن وبعض دول الخليج، لتأمين إمدادات بديلة للطاقة. لكنه أقر بأن هذه الخطط لا يمكن أن تعوض بشكل كامل الاعتماد الحالي، مما يجعل استقرار العلاقة بين طهران وواشنطن أمرًا حيويًا للعراق.
وخلال محادثاته في واشنطن، ناقش الوزير العراقي أيضًا الوضع في سوريا، مؤكداً أن بغداد "تتأثر بشكل مباشر بما يجري في الجارة الغربية"، وأن أي انهيار أمني هناك سيؤثر سلبًا على الحدود العراقية وموجات النزوح وأمن المحافظات الغربية.

وأشار إلى أن الإدارة الأميركية وضعت 8 شروط للتعامل مع الحكومة السورية الجديدة، من بينها قضية وجود المسلحين الأجانب، والتي وصفها حسين بـ"بؤرة قلق مشتركة للدول الإقليمية والغربية".
وأكد أن العراق يدعم التسوية السياسية الشاملة في سوريا، ويدعو إلى تخفيف العقوبات عن الشعب السوري بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها. وأضاف: "استقرار سوريا مصلحة عراقية. ما يحدث هناك لا يبقى محصورًا خلف الحدود".
وتأتي زيارة الوزير العراقي في وقت حساس سياسيًا في الداخل، إذ يستعد العراق لإجراء انتخابات تشريعية في نوفمبر/تشرين الأول المقبل، في أجواء مشحونة نتيجة الانقسامات السياسية وتراجع الثقة الشعبية في العملية الانتخابية. ويخشى مراقبون من أن أي تصعيد إقليمي بين إيران والولايات المتحدة قد يؤدي إلى تعطيل أو تأجيل الاستحقاق الانتخابي، أو استغلاله من قبل بعض القوى المسلحة لتوسيع نفوذها على الأرض.
وتُعدّ الانتخابات القادمة محطة مفصلية في مستقبل العراق السياسي، في ظل دعوات لإصلاحات واسعة، وحراك شعبي سابق يطالب بإنهاء الفساد والطائفية، فضلاً عن التحولات في مواقف قوى سياسية رئيسية، مثل التيار الصدري، الذي يلوّح بإمكانية العودة إلى الساحة الانتخابية بعد انسحاب سابق.
وفي ختام زيارته، نقل فؤاد حسين رسالة واضحة إلى الجانب الأميركي مفادها أن العراق لا يريد أن يُستخدم كساحة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران، بل يسعى ليكون جسرًا للحوار بين الجانبين. وأكد أن الحكومة العراقية ستواصل التنسيق مع الطرفين لتفادي أي مواجهة مباشرة على الأراضي العراقية.
وتبقى المخاوف العراقية منطقية ومبررة، بالنظر إلى هشاشة الاستقرار الأمني والاقتصادي، ووجود جماعات مسلحة خارج إطار الدولة، إلى جانب تحديات إقليمية متداخلة، تجعل من العراق "الخاصرة الرخوة" في أي مواجهة عسكرية محتملة بين القوتين المتصارعتين.