العراق يوفّر على الغرب عبء محاكمة الجهاديين الأجانب

إجراء محاكمات في بغداد سيضمن لدول الجهاديين المفترضين الأصلية، أحكاما أغلظ بكثير من المحاكم الغربية.

برهم صالح عقد صفقة سرّية مع فرنسا مقابل قبول محاكمة جهاديي داعش
العراق يمنح فرنسا مخرجا لعقدة محاكمة الجهاديين الأجانب
تعرض أسرى داعش الأجانب للتعذيب في السجون العراقية أمر وارد
دفعة أخرى من الجهاديين العراقيين والأجانب ستصل قريبا إلى العراق

بغداد - يؤكد إعلان الرئيس العراقي برهم صالح من باريس الاثنين أن بلاده ستحاكم 13 جهاديا فرنسيا تسلمتهم بغداد من قوات سوريا الديمقراطية، أن العراق قد يكون أرض محاكمة الجهاديين الأجانب، الأمر الذي قد يشكل مخرجا للدول التي ترفض استعادة مواطنيها المنتمين إلى التنظيم المتطرف.

وبعد أخذ ورد خلال الأسابيع الأخيرة بين الأوساط الحقوقية التي أبدت قلقها من سيناريو مماثل، خرجت بغداد عن صمتها إزاء هذا الموضوع مع تأكيد صالح خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس أنه "ستتم مقاضاة المقاتلين الذين يتم تسليمهم إلى بغداد من جانب قوات سوريا الديمقراطية بموجب أحكام القانون العراقي".

وكان مصدر حكومي أعلن في وقت سابق اليوم الاثنين أن السلطات العراقية تسلمت 14 مقاتلا فرنسيا في تنظيم الدولة الإسلامية من قوات سوريا الديمقراطية التي تشن هجوما لطرد التنظيم المتطرف من آخر معاقله في شرق سوريا.

ويقول الخبير في الشؤون الجهادية هشام الهاشمي إن الاتفاق الفرنسي العراقي "يرضي العراق، لكنه أيضا يرضي فرنسا التي ستتجنب التعامل مع عمليات عودة صعبة وبالتالي، فإن بغداد قدمت لها خدمة".

وأضاف أن الأمر "مؤات لفرنسا سياسيا وداخليا"، مشيرا إلى أنها "ستتخلص من ضغوط المنظمات التي تدعو إلى محاكمة هؤلاء وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع".

وشهدت فرنسا في السنوات الأخيرة هجمات دامية أوقعت عددا من الضحايا وتمّ التخطيط لها أحيانا من سوريا.

محاكم بغداد حكمت حتى الآن على أكثر من مئة جهادي أجنبي متنوعي الجنسيات بالإعدام بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية

ولطالما أصرّت فرنسا على ضرورة محاكمة مواطنيها محليا بعد إلقاء القبض عليهم في سوريا أو العراق، في موقف يلقى بعض الانتقادات، إذ أنه يعني أن الذين سيحاكمون قد يواجهون عقوبة الإعدام المحظورة في فرنسا.

وشدد ماكرون الاثنين على هذا الموقف قائلا "الأمر عائد لسلطات هذه الدول لاتخاذ قرار بشكل سيادي بشأن محاكمتهم هناك".

وسبق للعراق الذي حاكم مئات الأجانب من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، أن استقبل جهاديين اعتقلوا على الأراضي السورية.

وبحسب مصادر قضائية عراقية، حكمت محاكم بغداد حتى الآن على أكثر من مئة جهادي أجنبي متنوعي الجنسيات بالإعدام بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية.

لكن حكم على الفرنسيين الثلاثة لحسن قبوج (58 عاما) وميلينا بوغدير (28 عاما) وجميلة بوطوطعو (29 عاما)، بالسجن المؤبد، وهو ما يعادل 20 عاما في العراق.

ويلفت مصدر قضائي عراقي إلى وجود نقطتين أساسيتين تجعلان من الدول الغربية مرتاحة لمحاكمة هؤلاء الجهاديين في العراق.

وقال "أمام المحاكم في بلدانهم، يمكن لمحامي الجهاديين أن يزعموا أن موكليهم اختطفوا في سوريا، وبالتالي، فإن محاكمتهم في العراق تضمن للبلدان الأصلية عدم إثارة هذه النقطة".

وأضاف "إجراء محاكمات في بغداد سيضمن لدول الجهاديين المفترضين الأصلية، أحكاما أغلظ بكثير من المحاكم الغربية".

في أغسطس/اب، قال الفرنسي قبوج للقضاة العراقيين خلال محاكمته أنه اعتقل على يد الجيش السوري الحر (مقاتلو المعارضة)، قبل أن ينقله جنود أميركيون إلى العراق.

القضاة العراقيون يمكنهم الاستناد إلى نقطة قانونية وهي أن العراق يحاكم كل من مرّ بأراضيه حتى لو لم يقاتل في البلاد بل كانت معبرا له للدخول إلى سوريا

ويؤكد المحلل الاستراتيجي والأمني فاضل أبورغيف أن عملية تسليم الجهاديين الفرنسيين التي أعلن عنها الاثنين تمت عبر وسيط هو التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يدعم قوات سوريا الديمقراطية في معركتها ضد التنظيم المتطرف.

ومسألة محاكمة هؤلاء في سوريا ليست بالسهلة، خصوصا على الصعيد القانوني، إذ أن أكراد سوريا ليسوا دولة والعلاقات الدبلوماسية بين باريس ودمشق مجمدة.

وتشير مصادر فرنسية إلى أن هناك أكثر من 60 فرنسيا في سجون الأكراد في سوريا.

ويوضح الهاشمي أن القضاة العراقيين يمكنهم الاستناد إلى نقطة قانونية وهي أن "العراق يحاكم كل من مرّ بأراضيه حتى ولم يقاتل في البلاد، بل كانت معبرا له للدخول إلى سوريا".

ويسمح قانون مكافحة الإرهاب العراقي بتوجيه الاتهام إلى أشخاص غير متورطين بأعمال عنف على أساس الاشتباه في تقديمهم مساعدة للجهاديين.

وينص على عقوبة الإعدام بتهمة الانتماء إلى الجماعات الجهادية حتى لغير المشاركين في أعمال قتالية.

وفي العراق، تتولى قوات مكافحة الإرهاب عمليات التحقيق والاستجواب قبل المحاكمة، لتستقي ما أمكن من معلومات عن تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر في أوج انتشاره على قرابة ثلث مساحة البلاد.

لكن رغم ذلك، يؤكد حقوقيون أنه لا يمكن تبرير اختصاص المحاكم العراقية لمحاكمة أشخاص صادرة بحقهم مذكرات توقيف في فرنسا على خلفية أفعال ارتكبت في سوريا.

ويشير أبورغيف إلى أن "هناك دفعة أخرى من الجهاديين العراقيين والأجانب ستصل قريبا إلى العراق"، لكن ما الذي سيحصل عليه العراق في المقابل؟

وأكد الهاشمي أن العراق، وبما أنه سيغني الدول الغربية عن محاكمات علنية تثير ضجة لدى الرأي العام، قد يحصل من تلك الدول على "أسلحة متطورة ومعدات عسكرية ثقيلة"، لافتا إلى أن كل شيء تم التفاوض عليه "على أعلى مستوى من السرية".

إلا أن احتمال تعميم مثل هذه المحاكمات على الجهاديين الأجانب الموجودين في سوريا يثير قلق المنظمات الحقوقية التي تندد بآلية مماثلة ستجعل من السجون العراقية أوكار تعذيب لهؤلاء.

ويقول مدير برنامج مكافحة الإرهاب في منظمة هيومان رايتس ووتش "النقص الكامل في الشفافية يعني أن هؤلاء الأشخاص أكثر عرضة للإساءة، لاسيما أننا قمنا بتوثيق الانتهاكات المتفشية في مراكز الاعتقال العراقية".

وأضاف "إذا كانت القوات الغربية متورطة في عمليات النقل تلك، فمن الناحية القانونية هناك أسئلة تثار. لا يمكنك نقل شخص ما لتعذبه"، لكن "يبدو أن الغرب لا يزال يبحث عمن يرفع هذا العبء عنه".