العفو الملكي في قضية الريسوني ينتصر لحقوق المرأة المغربية

منظمات نسوية وأحزاب تعتبر العفو الملكي دعما لحماية الحريات الفردية ودافعا الى إطلاق حوارات داخل المجتمع المغربي لتغيير بعض القوانين الصارمة وإيقاف الملاحقات القضائية.

الرباط - أثار العفو الملكي الذي أصدره العاهل المغربي الملك محمد السادس للصحفية هاجر الريسوني التي كانت مسجونة بتهمة الإجهاض ارتياحا داخليا وخارجيا.
واشارت الصحفية تيا اوليفي في مقال نشر الجمعة في صحيفة "لومند افريك" ان العفو مثل نجاحًا نسبيًا للمجتمع المدني ، الذي ظل يقوم بتعبئة منذ أسابيع لإلغاء القوانين التي تجرم الحريات الفردية".
وقالت الصحفية في مقالها ان العفو هو اشارة ملكية قوية جدا للدفع نحو احترام الحريات الفردية ومواجهة القوانين الجائرة في المغرب.
وأشارت الصحيفة الى التفاعلات المجتمعية في المغرب بعد العفو الملكي وذلك عبر تدعيم نضال المغربيات والمنظمات النسوية المغربية خاصة حركة "خارجات على القانون" التي طالبت في رسالة الى المدعي العام المغربي تعليق تطبيق "القوانين الصارمة"، وكذلك الملاحقات القضائية المتعلقة بالحريات.
وكانت المجموعة طالبت من السلطة السمعية والبصرية ووسائل الإعلام العامة جدولة مناقشات منتظمة حول الحريات الفردية.
وعلى غرار المبادرات والهيئات النسوية التي تشكلت لدعم مطالب حماية الحريات اثر العفو الملكي ساندت أحزاب القرار وطالبت باتخاذ تشريعات لحماية الحريات وعدم انتظار عفو من الملك.
وفي هذا الاطار قال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله ان مبادرة الملك "يجب أن تثمن ، لكن يجب علينا أن نتحرك الآن لكي لا ننتظر بعد الآن عفوًا ملكيًا".
وقالت المخرجة المغربية صونيا التراب، وهي إحدى المشاركات في حركة خارجات على القانون ان العفو الملكي "إشارة قوية للغاية تشجعنا وتثبت لنا أن هذه القوانين ليس لها مكان. يجب علينا مواصلة الضغط على المشرعين ".
وغادرت الصحافية المغربية مساء الأربعاء السجن حيث كانت تمضي عقوبة بالحبس لسنة واحدة بتهمة "الإجهاض وإقامة علاقة جنسية خارج الزواج".
وعانقت هاجر أفراد عائلتها الذين كانوا في انتظارها أمام بوابة سجن العرجات قرب مدينة سلا المحاذية للعاصمة الرباط، ثم رفعت شارة النصر في اتجاه الصحافيين الذين كانوا في عين المكان دون أن تدلي بأي تصريح.
وغادر السجن أيضا خطيبها وطبيبها. ونقل موقع 'اليوم 24' عن شقيق الطبيب قوله "عشنا في عذاب شديد"، معربا عن شكره للعاهل المغربي.
وخلف العفو الملكي الذي شمل أيضا ممرضا ومساعدة الطبيب أدينا بالسجن ثمانية أشهر مع وقف التنفيذ، ارتياحا بعد جدل محتدم لأسابيع حول الحريات الفردية و"استهداف" الأصوات المنتقدة.

العاهل المغربي الملك محمد السادس
عفو ملكي في قضية الريسوني خلف ارتياحا داخليا وخارجيا

وأوضح بيان لوزارة العدل المغربية أن العفو الملكي يندرج "في إطار الرأفة والرحمة المشهود بهما لجلالة الملك وحرص جلالته على الحفاظ على مستقبل الخطيبين اللذين كانا يعتزمان تكوين أسرة طبقا للشرع والقانون، رغم الخطأ الذي قد يكونان ارتكباه والذي أدى إلى المتابعة القضائية".
وكان الحكم بسجن هاجر الريسوني (28 عاما) والملاحقين معها في 30 سبتمبر/أيلول أثار صدمة واستياء في المغرب.
وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي نبأ العفو الملكي بمجرد صدوره مع تعليقات تعبر عن البهجة والارتياح والتوجه بالشكر للملك محمد السادس، بينما شددت ردود أفعال أخرى على ضرورة مواصلة النضال دفاعا عن الحريات الفردية.
وكتب مدير نشر يومية أخبار اليوم يونس مسكين على فيسبوك "وأخيرا قرار عاقل مفرح مبهج". واعتبر موقع 'كود' الإخباري أن "الملك انتصر للقيم الإنسانية"، بينما كتب الصحافي عبدالله الترابي "أمنيتي وأمنية الكثيرين تحققت. أجمل خبر في هذا اليوم".
وأعربت الناشطة المدافعة عن الحريات الفردية ابتسام لشكر من جهتها عن سعادتها لافتة إلى أن النضال يجب أن يتواصل لإسقاط ما وصفتها بـ"القوانين المتشددة والتمييزية".
وشدد المصدر الحكومي على أن القرار الملكي "لا يتدخل في النقاش" الذي أثارته هذه القضية. وقال إنه "نقاش سيادي أطلقه مواطنون مغاربة حول تطور مجتمعهم"، معربا عن "أسفه لتدخل أطراف أجنبية مثل بعض المنظمات ووسائل الإعلام ومثقفين في هذا النقاش".
وكانت الصحافية التي اعتقلت أواخر أغسطس/آب، أكدت أثناء محاكمتها أنها خضعت للعلاج بسبب نزيف داخلي وهو نفس ما أكده الطبيب، نافية أن تكون خضعت لأي إجهاض.
وقالت إن محاكمتها "سياسية"، في حين كان مكتب المدعي العام بالرباط أكد أن اعتقالها "لا علاقة له بمهنتها"، بل بتحقيق قضائي حول العيادة الطبية.
وأسفر نقاش تولته لجنة رسمية سنة 2014 عن الإبقاء على تجريم الإجهاض مع استثناء الحالات التي يشكل فيها الحمل خطرا على حياة الأم أو الحمل الناتج من اغتصاب أو زنى محارم أو إصابة الجنين بتشوهات خلقية.
ويتدارس البرلمان المغربي حاليا تعديلا للقانون الجنائي ينتظر أن يرسم هذه الاستثناءات، لكن المشروع لا يغير أيا من القوانين التي تجرم العلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار الزواج والمثلية الجنسية والإفطار العلني في رمضان، بحسب ما أكدت مصادر متطابقة.
وتطالب جمعيات حقوقية ومثقفون مغاربة منذ سنوات بإلغاء هذه القوانين، بينما تعارض الأوساط المحافظة هذه المطالب. وشكلت قضية هاجر الريسوني مناسبة تجدد فيها التأكيد على هذه المطالب.