'العلاقات الخليجية الأوروبية' من السياسة إلى الأمن

كتاب الباحث في شؤون الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي المحورين لما لهما من أهمية في ضمان استمرارية العلاقات الاقتصادية والمصالح التجارية المشتركة، في ظل أن أحد طرفي الدراسة متمثلًا في مجلس التعاون يسيطر على رقعة جغرافية غاية في الأهمية.

تأتى أهمية هذا الكتاب "تشكيل العلاقات الخليجية الأوروبية من السياسة إلى الأمن" للباحث في شؤون الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي د.أحمد الباز، في تناوله للجانب الأمني والسياسي بين منظمتين دوليتين هما مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي، حيث ركزت الدراسات السابقة على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين دون التعمق في الأوضاع الأمنية والسياسية، مما تسبب في وجود ثغرة في مسيرة دراسة العلاقات بين الطرفين، وهذه الدراسة تحاول سدها عبر التركيز على محوري الأمن والسياسية، خصوصًا لما لهما من أهمية في ضمان استمرارية العلاقات الاقتصادية والمصالح التجارية المشتركة، في ظل أن أحد طرفي الدراسة متمثلًا في مجلس التعاون يسيطر على رقعة جغرافية غاية في الأهمية ليس لمنطقة الشرق الأوسط فقط، بل للعالم كله.

يرى الباز أن العلاقات بين أوروبا ومنطقة الخليج انتقلت عبر العديد من المراحل التاريخية التي بدأت بعلاقات استعمارية في القرن السابع عشر إلى أن انتهت بعلاقات تشاركية في القرن الحادي والعشرين. وعلى طول هذا التاريخ كان هناك العديد من العوامل التي هيأت الظروف لخلق حالة من الأهمية المتبادلة تجاه الطرفين بعضهما البعض. حيث كانت منطقة الخليج محطة هامة على طول طريق المستعمرات البريطانية نحو الهند، في حين كانت بريطانيا مهمة لمشيخات الخليج لإدارة شؤونها الداخلية، إلى أن انتقلت هذه المشيخات إلى الشكل الحقيقي للدولة مع الرحيل الأوروبي من الخليج بموجب اتفاق شرق السويس 1968، لتنتقل العلاقة بين أوروبا والخليج بدورها إلى مستوى متقدم من الأهمية بالتوازي مع المتغيرات التي طالت بنية النظام الدولي. منها تصاعد الدور الذي يلعبه النفط كأحد محددات حركة العلاقات الدولية والأهمية الجغرافية لمنطقة الخليج كمتحكم في حركة الملاحة الدولية وارتدادات هذه الأهمية على حالة الأمن الإقليمي والدولي، ووقوع دول مجلس التعاون في وسط منطقة غاية في الأهمية من حيث التشابك والارتباط بملفات على أطرافها كالملف الإيراني، وسقوط العراق وتبعات هذا السقوط على أمن الخليج، وتصاعد مد الأفكار المتطرفة والأعمال الإرهابية، والخطر الذي تشكله القرصنة البحرية أمن على دول مجلس التعاون والشركاء الدوليين وأهمهم الاتحاد الأوروبي، وكلها عوامل كان لها كبير الأثر على علاقات دول مجلس التعاون الخارجية على المستوى السياسي والأمني، وهي العوامل التي تسعى هذه الدراسة نحو استعراضها رصدًا تاريخيًا وتحليلًا.

ويقول "في ظل التحولات التي طالت بنية النظام الدولي منذ منتصف التسعينيات، وتعاظم مشكلة الإرهاب في المنطقة العربية، والأهمية الجيوبوليتكية لمنطقة الخليج كونها المعقل الأكبر للنفط حول العالم والمتحكم في ممرات الملاحة الدولية. فإن هذه العوامل جعلت من الضروري نسج نص جديد متكامل الأركان لرصد أوضاع هذه المنطقة سياسيًا وأمنيًا وتشابكات علاقاتها الدولية. هناك توجه عام بشأن دراسة العلاقات الحديثة والمعاصرة بين مجلس التعاون الخليجي وأي طرف دولي أخر، وهو حصرها على العلاقات الاقتصادية، لاعتبارات أهمها التصور التلقائي بأن الحديث عن الخليج يكون مرتبط عادة بحالة الثراء وسيطرة قطاع النفط على بنية ونمط العلاقات الدولية لمجلس التعاون".

ويضيف "ترتب على هذا التوجه إحداث ثغرة عميقة جدًا فيما يخص جوانب أخرى من العلاقات الدولية، وبالأخص الأمنية والسياسية، رغم أهميتهما في حفظ واستدامة العلاقات الاقتصادية والمصالح التجارية المشتركة. وبالتالي أصبحنا أمام معرفة منقوصة بحالة علاقات مجلس التعاون المتجاوزة للاقتصاد مع أطراف دولية أخرى كالاتحاد الأوروبي. كما قد جرت العادة عند تقصي علاقات الخليج الدولية المعاصرة، بأن يتم حصر دراستها مع الطرف الأميركي بنسبة كبيرة، دونًا عن القوى الرئيسية الأخرى، رغم أهميتها، ما أفرز حالة من عدم الوعي بأهمية العلاقات الخليجية بين هذه القوى الأخرى. كما كان هناك تجاهلًا عادة لحالة التأثير والتأثر بين حالة مجلس التعاون وأوضاعه الداخلية وبين تكتلات أخرى كالاتحاد الأوروبي، أو ما يعرف بــ"أثر الفراشة"، وهو الاصطلاح الذي يعني أن حدثًا أو سياسة ما يتم اتباعها في إحدى الدول أو المناطق قد ينتقل أثرها بسرعة فائقة إلى مناطق بعيدة جدًا، وهو الأمر الذي حدث بالفعل في حالة مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، وخصوصًا فيما يخص حالة الأصولية والتطرف وانتقالها أو عبورها من بعض دول مجلس التعاون نحو الاتحاد الأوروبي بطرق مختلفة. وقد تكاتفت هذه العوامل في خلق مشكلات في دراسة وفهم علاقات مجلس التعاون الدولية، وهو ما تقوم هذه الدراسة بتحريه".