العلاقة بين حماس والتنظيمات الجهادية

تناقض حماس مع المنظومة السلفية الجهادية في شقين: الأيديولوجيا والممارسة إذ أن هذا التناقض دفع زعيم القاعدة أيمن الظواهري إلى أن يفتي بكفر حماس والإخوان خصوصًا بعد دخول حماس في الانتخابات التشريعية التي ترى فيها تحاكمًا للطاغوت الديمقراطي، ويتعارض مع التحاكم للشريعة الإسلامية كفريضة عقدية.

بقلم: مصطفى أبو عمشة

علاقة متشابكة وملتبسة تربط الجماعات “الجهادية” بحركة حماس؛ فتارة أخذت هذه العلاقة طابعًا دافئًا بين الطرفين، وتارة أخرى كان الفتور سيد الموقف، وفي أحيان كثيرة كانت المواجهة المسلحة حاضرة وبقوة بين الطرفين.

ورغم هذا الالتباس في علاقات الطرفين، إلا أن حركة “حماس” تفرخ عناصر سرعان ما ينشقون عنها وينضمون للتيار “الجهادي”، وحادثة “ممتاز دغمش” شاهدة حقيقية على تلك الحالة؛ فقد كان دغمش أحد عناصر حماس قبل أن ينفصل عنها ويؤسس “جيش الإسلام” الذي يتبع فكريًا لتنظيم القاعدة، فما هو سر هذه العلاقة الملتبسة بين الطرفين؟ وما هي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى فرار كثير من عناصر “حماس” إلى التنظيمات “الجهادية”؟

إنّ الجماعات السلفية، خصوصًا الجهادية منها، تستغرق كثيرًا في التراث العقدي المذهبي، وفي متون حديثية تؤكد على استباحة دماء الكفار، وفي تكفير كل مخالف إسلامي على مبادئ الولاء والبراء، بدءًا بالقاعدة والنصرة وتفريخاتهما، وليس انتهاءً بداعش.

 “وبالنظر إلى الإخوان المسلمين، فقد تعرّضت الجماعة لتغييرات واسعة منذ دخولها في الحقبة السرورية، المتأثرة بالفكر القطبي، وبالتالي فإنّ شخصية وفكر محمد بن سرور (المتوفي عام 2016)، المنشق عن التنظيم الإخواني منذ السبعينيات، الذي سعى إلى إيجاد حالة جديدة عملت على غزو تنظيمات “الإخوان” -منها “حماس”- بمنهجيته الفكرية الجديدة، وهي منهجية جمعت بين السلفية العقدية الحدّية، وبين الأفق السياسي الاجتماعي الإخواني، إذ أمكن للتنظيم الإخواني بطبيعته التنظيمية المتشددة ورؤيته الاجتماعية السياسية المتقلبة، أن تستوعب الانبعاث السلفي بروحه المتشددة الدموية، على تناقضه الحاد”.

حركة “حماس” خضعت لسلسلة من المتغيرات التي رافقت المنطقة وانسحبت على عامة الفصائل الإخوانية، على امتداد الجغرافيا العربية، الأمر الذي يعطي فكرة عن طبيعة التقلّب الإخواني تبعًا لمصلحة تنظيمية آنية، في ضوء أصل تكوينهم الاجتماعي الحزبي، المتأثر بمسحة تراثية سطحية، وهو ما يرفضه السروريون السلفيون، خصوصًا الجهاديون منهم.

إن تسرب كثير من عناصر حماس، ثم تحولهم إلى التنظيمات “الجهادية”، بمثابة انحراف الحركة عن مبادئها وأيديولوجيتها التي تلوثت بالسياسة والواقعية، مشددًا على أنّ حماس رهنت تنظيمها السياسي والعسكري للمشروع الإيراني، الأمر الذي جعل الكثير من عناصرها ترى بأنّ حركتهم ابتعدت كثيرًا عن القضية المركزية المتمثلة في الصراع مع إسرائيل، وتدخل في مراهنات وصراعات سياسية في المنطقة كان محركها الأساسي إيران ومنهجيتها التوسعية.

فالانشقاقات داخل أي حركة من حركات “الإسلام السياسي” لها أسباب أربعة، هي: طبيعة الخطاب السياسي والإعلامي الذي تحمله، وفي منابع التمويل، والعلاقات غير معلنة، إضافة إلى المواقف السياسية، مؤكدًا بأنّ الأسباب الأربعة انطبقت جميعها على الواقع السياسي والعملي لحركة حماس، التي غيرت من طبيعة خطابها بما يتلاءم مع المتغيرات الجديدة، إضافة إلى اختلاف التمويل الذي بات مرتبطًا بالتمويل الإيراني، والعلاقات غير المعلنة من قبل حماس، التي تمثلت في بقاء العلاقات مستمرة مع طهران وحتى النظام السوري، والمواقف السياسية المتقلبة وفق المصالح السياسية للحركة.

وبالقياس على حركة حماس، فقد تصاعدت الانشقاقات داخل الحركة، وتسربت العناصر نحو التنظيمات “الجهادية”، حتى أخذت طابعًا عدائيًا وشرسًا بين الطرفين وصلت إلى حد المواجهة العسكرية في أكثر من موقف وموطن، رغم أن الحركة ساهمت في توفير بيئة حاضنة للمنظومة السلفية “الجهادية” ونموها داخل قطاع غزة.

فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006، وما تلاه من تشكيلها الحكومة الفلسطينية العاشرة منفردة، وترؤسها لحكومة الوحدة الوطنية عام 2007 مع حركة فتح، وصولًا إلى تنفيذ حماس لانقلاب عسكري على السلطة انتهى بسيطرتها على قطاع غزة، دفع ذلك كله إلى تغييرات في مهام الحركة من حركة عسكرية مسلحة إلى سلطة على أرض الواقع مطلوب منها توفير احتياجات السكان، وصولًا إلى ضغط من التيارات المتشددة فيها بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بشكل كامل، ومواجهة مظاهر الفساد الأخلاقي في المجتمع.

وفي هذا الجانب، أن تعقيدات الحالة الفلسطينية تحت الاحتلال -خصوصًا الحدود- وانعدام مقومات تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل كامل، دفعت بعض العناصر الشابة المتحمسة داخل الحركة للخروج عن صفها، وإنكار نهجها الذي رأوا فيه تخاذلًا عن نصرة الدين، مما مهد الطريق أمامهم للالتحاق بالفكر المتطرف الذي يعتبر تنظيم “داعش” حاضنته الرئيسة.

ومما زاد من الفكر المتطرف لدى بعض العناصر الشبابية داخل القطاع، الظروف المعيشية القاهرة التي يعانيها أهالي قطاع غزة، وانتشار مظاهر الفقر والبطالة وسوء الحال، وتفشي مظاهر الفساد في الطبقتين السياسية والاقتصادية في المجتمع.

على أنّ حماس تقف على امتداد تناقضات حادّة مع المنظومة السلفية الجهادية، التي ترى بأنّ حماس في ظل حكمها المباشر لما يزيد على عقد من الزمن، لم تسع إلى التحاكم للشريعة الإسلامية، وهذا يتناقض أيضًا مع مبادئ حماس والإخوان في أصل خطهم الفكري، تبعًا لأصل تكوينهم الاجتماعي السياسي.

تناقض حماس مع المنظومة السلفية الجهادية في شقين: الأيديولوجيا والممارسة، إذ أن هذا التناقض دفع زعيم القاعدة أيمن الظواهري إلى أن يفتي بكفر حماس والإخوان، خصوصًا بعد دخول حماس في الانتخابات التشريعية التي ترى فيها “تحاكمًا للطاغوت الديمقراطي، ويتعارض مع التحاكم للشريعة الإسلامية كفريضة عقدية”.

فبعد فشل الرهان الحمساوي على إسقاط الأسد، تحاول حماس العودة مجددًا إلى محور إيران وحزب الله، حتى وصل الأمر بيحيى السنوار، قائد حماس في غزة، أن يمدح الجنرال الإيراني قاسم سليماني، مدحًا صريحًا.

هذا بحد ذاته شكّل صدمة كبيرة لكل فروع الإخوان في العالم، بل شكّل صدمة لغالبية كوادر حماس المتماهين تمامًا مع إخوان سوريا، وهو التماهي الذي جعلهم يكفرون الشيعة وفق نظرة طائفية تراثية عقدية، بما توافق تمامًا مع المعتقدين السلفي التقليدي والجهادي على حد سواء.

مخلص تحقيق نُشر في كيوبوست
(خبراء يشرحون أسرار العلاقة بين حماس والتنظيمات الجهادية)
مستند لآراء البحاثين محمد جرادات وهاشم الهاشمي