العمل الدولية تمنح فلسطين صفة 'دولة مراقب'

رفع مكانة فلسطين في منظمة العمل الدولية يبعث برسالة قوية إلى المجتمع الدولي مفادها أن هناك توافقاً دولياً متزايداً على ضرورة دعم الفلسطينيين في سعيهم لإقامة دولتهم المستقلة.

رام الله - تبنّت منظمة العمل الدولية بالإجماع قراراً يقضي برفع عضوية فلسطين من "حركة تحرر وطني" إلى "دولة مراقب"، ما يشكّل تطوراً سياسياً ودبلوماسياً بالغ الأهمية في سياق النضال الفلسطيني نحو تجسيد الدولة المستقلة. القرار، الذي صدر خلال الدورة الـ113 لمؤتمر العمل الدولي في جنيف، يُعد اعترافاً صريحاً بالمكانة القانونية المتقدمة لفلسطين، ويمنحها حقوقاً موسعة داخل المنظمة الدولية، تتجاوز تلك الممنوحة لحركات التحرر، لتقترب من مكانة الدول كاملة العضوية.
ولا يأتي هذا التحول في فراغ، بل يندرج ضمن سلسلة من التحركات السياسية والدبلوماسية المتسارعة على الساحة الدولية، لدعم خيار حل الدولتين، والذي يتعرض لتهديدات وجودية غير مسبوقة بسبب الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة، وما يصاحبها من تصعيد استيطاني واعتداءات متكررة في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ويكتسب القرار زخماً مضاعفاً كونه يأتي قبل أسابيع قليلة من مؤتمر دولي مرتقب في نيويورك، يُعنى بدعم إقامة دولة فلسطينية، بمبادرة عربية فرنسية مشتركة.
ومن الناحية السياسية، فإن رفع مكانة فلسطين في منظمة العمل الدولية يبعث برسالة قوية إلى المجتمع الدولي مفادها أن هناك توافقاً دولياً متزايداً على ضرورة دعم الفلسطينيين في سعيهم لإقامة دولتهم المستقلة، وأن الاعتراف بمكانة فلسطين كـ"دولة مراقبة" ليس مجرد إجراء رمزي، بل يعكس اتجاهاً متنامياً نحو التعامل مع فلسطين ككيان سياسي مؤهل للانضمام إلى المنظومة الدولية كدولة كاملة العضوية.
القرار أيضاً له دلالة قانونية مهمة، خاصة وأنه يستند إلى المكانة التي تحظى بها فلسطين كدولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة منذ عام 2012، ما يضفي عليه طابعاً منسجماً مع التطورات التي شهدها الموقف الدولي حيال القضية الفلسطينية. كما يعزز من قدرة فلسطين على التفاعل مع مؤسسات العمل الدولية، وعلى الدفاع عن حقوق العمال الفلسطينيين، الذين يتعرضون لانتهاكات ممنهجة في ظل الاحتلال.
في المقابل، يأتي هذا التطور وسط أجواء كارثية في قطاع غزة، حيث تستمر إسرائيل في شن حرب مدمّرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023، أسفرت عن مقتل وإصابة ما يزيد على 179 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب مفقودين يُقدّر عددهم بأكثر من 11 ألفاً، وتشريد مئات الآلاف من السكان. هذه المجازر، التي تُرتكب بدعم أمريكي مطلق، تمثل بحسب وصف وزارة الخارجية الفلسطينية، "إبادة جماعية مستمرة وممنهجة"، في خرق فاضح للقانون الدولي، وتجاهل سافر لأوامر محكمة العدل الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة.
وفي الضفة الغربية، لا يختلف المشهد كثيراً، حيث تواصل إسرائيل حملات الاعتقال والقتل والتهجير، ما أدى إلى مقتل نحو 973 فلسطينياً واعتقال أكثر من 17 ألفاً، في ظل تسارع غير مسبوق لوتيرة الاستيطان وهجمات المستوطنين. هذا التصعيد المزدوج يعكس الإصرار الإسرائيلي على تقويض أي أفق سياسي لحل الدولتين، ورفض صريح لأي مسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.
من هنا، فإن قرار منظمة العمل الدولية يتجاوز كونه مجرد اعتراف إجرائي، ليحمل في طياته أبعاداً استراتيجية، حيث يمنح الفلسطينيين ورقة جديدة في معركتهم القانونية والسياسية على الساحة الدولية، ويعزز من حضورهم كدولة تسعى نحو نيل عضوية كاملة في الأمم المتحدة. كما أنه يبعث برسالة واضحة إلى إسرائيل مفادها أن محاولات تغييب القضية الفلسطينية أو تحويلها إلى مجرد ملف إنساني لا تلقى قبولاً دولياً، وأن هناك إصراراً دولياً على دعم حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال.
ولعل التحدي الأكبر الآن يتمثل في ترجمة هذا التقدم السياسي إلى خطوات عملية تُسهم في إنهاء الاحتلال وتوفير حماية دولية للفلسطينيين، خاصة في ظل استمرار المجازر وانسداد الأفق السياسي. وفي هذا السياق، يشكّل مؤتمر نيويورك المقبل فرصة حاسمة لتوحيد المواقف الدولية الداعمة لفلسطين، والبناء على هذا القرار بما يعزز من الضغط الدولي على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي، وإعادة فتح أفق سياسي جاد لحل الدولتين.
وبالتالي، فإن رفع عضوية فلسطين في منظمة العمل الدولية يُعد خطوة استراتيجية في اتجاه دعم إقامة الدولة الفلسطينية، خصوصاً في هذا التوقيت الحرج، الذي يشهد فيه العالم بأسره وحشية غير مسبوقة تمارس ضد الفلسطينيين. القرار يمثل أيضاً اختباراً جديداً لمدى جدية المجتمع الدولي في دعم السلام القائم على العدالة، وليس فقط وقف إطلاق نار مؤقت يكرّس واقع الاحتلال والانقسام.