العنف الجنسي أزمة مروعة تكابد سودانيات للتعافي منها

تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية تشير إلى أن العنف الجنسي يُستخدم بشكل ممنهج كسلاح حرب من قبل أطراف النزاع.

بورت سودان (السودان) – يمثل العنف الجنسي في السودان أزمة مروعة ومتصاعدة، خاصة مع استمرار النزاع الدائر منذ أبريل/نيسان 2023. وقد تفاقمت هذه المشكلة بشكل كبير، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية إلى أن العنف الجنسي يُستخدم بشكل ممنهج كسلاح حرب من قبل أطراف النزاع.

وتتعرض النساء والفتيات وحتى الأطفال، في مختلف أنحاء السودان لأشكال وحشية من العنف الجنسي بما يشمل الاغتصاب الجماعي والاستعباد الجنسي والزواج القسري والحمل القسري والاختطاف والاتجار بالبشر والإجبار على التعاون مع المعتدين بغرض الاغتصاب والحقن بالمخدرات.

ويتم استهداف النازحات في المخيمات واللاجئات والمهاجرات بشكل خاص، بالإضافة إلى النساء والفتيات في الأسواق والملاجئ.

ويشير الخبراء إلى تآكل آليات الحماية خلال النزاعات، مما يشجع الجناة على ارتكاب هذه الجرائم دون خوف من المساءلة.

وتعاني الناجيات من صدمات نفسية وجسدية عميقة، بما في ذلك الاكتئاب، والقلق والأفكار الانتحارية بالإضافة إلى العواقب الصحية والإنجابية.

وحين اقتحم أحد عناصر أحد طرفي النواع منزل عائشة في الخرطوم، أعطاها خيارين أحلاهما مر: أن تتزوجه أو يقتل والدها. لم تأخذ وقتا طويلا في التفكير، وقايضت حريتها بحياته. وتقول الشابة "خفت على أبي، لذلك وافقت على الزواج".

تزوجت عائشة (22 عاما) التي طلبت استخدام اسم مستعار واحتُجزت عاما كاملا في منزل غير بعيد من بيت عائلتها، حيث تعرّضت للاغتصاب والضرب المتكرر حتى انتهى بها المطاف إلى الإجهاض.

وقبل اندلاع الحرب عام 2023، كانت عائشة طالبة في كلية تكنولوجيا المعلومات، لكن بعد اندلاع النزاع والزواج القسري أصبحت "محطمة نفسيا"، كما تقول بصوت مرتجف.

وبحسب تقديرات منظمات حكومية وغير حكومية، وقعت آلاف السودانيات ضحايا العنف الجنسي منذ بدأت الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو.

ووثقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة للحكومة السودانية 1138 حالة عنف جنسي منذ بداية الحرب، لكن هذا الرقم لا يتجاوز "10 بالمئة من العدد الحقيقي" وفقا لمديرتها سليمة إسحق الخليفة.

وتتهم منظمات دولية قوات الدعم السريع باستخدام العنف الجنسي الممنهج، بما يشمل الاغتصاب والاستعباد الجنسي والزواج القسري، كسلاح في حربها ضد الجيش النظامي، لكن تلك القوات نفت نفيا قاطعا صحة الاتهامات وتحدثت عن حالات معزولة.

وفي مدينة بورتسودان في شرق السودان والتي بقيت حتى أيام خلت في منأى عن أعمال العنف، وجدت بعض الناجيات ملاذا في مؤسسة "أمان".

ومنذ تأسيسها في أغسطس/اب 2024، قدمت "أمان" المساعدة لأكثر من 1600 من الهاربات من العنف الجنسي. وتقدم المؤسسة لهن استشارات نفسية وخدمات صحية وقانونية، وحتى تدريبات مهنية في الخبز والحياكة والتطريز.

في منزل صغير متواضع في أحد أحياء بورتسودان الهادئة، تتشارك الناجيات في "أمان" غرف نوم ومطبخا فيه طاولة صغيرة تتناولن إليها الطعام. وعلى الطرف الآخر، غرفة معيشة تضم تلفازا. وعلى بساطته، يوفر لهن البيت رفاهية تحرم منها مئات الآلاف من السودانيات.

وفي مكتبها في "أمان"، تتصفح المستشارة النفسية لبنى علي ملفات النساء اللاتي تواصلن مع المركز الذي يقدم الدعم لنساء من ولايات دارفور والجزيرة والخرطوم وغيرها.

وقالت "معظم الحالات التي تأتينا تم اغتصابها من أكثر من شخص واحد"، مضيفة "مرت علينا حالة لفتاة اغتصبها عشرة من مقاتلي الميليشيا".

وبحسب علي، ثلث ضحايا العنف الجنسي لدى المركز هن قاصرات "بنسبة 33.5 بالمئة"، وتأتي الكثير منهن حوامل.

ويساعد "أمان" الناجيات على الخروج من الولايات حيث تعرّضن للعنف، وعلى استكمال دراستهن بعد فترة مكوثهن في المركز التي تراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر، أو حتى تضع الحامل مولودها.

ويقدم "أمان" الاستشارة للفتيات في حال اخترن التخلي عن أطفالهن الناتجين عن الاغتصاب للتبني، محذرة من أن أعداد الضحايا مرشحة للارتفاع في الفترة المقبلة.

وتؤكد علي أن المركز يحرص على خصوصية الناجيات "أول شيء نقوله لهن هو أن ما يهمنا هو صحتكن النفسية والجسدية".

وأسفر النزاع في السودان الذي دخل عامه الثالث عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص، وتسبب بما تصنّفه الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث.

وفي "أمان" تجلس سلمى في غرفة المعيشة الصغيرة تقرأ كتابا وتشرب الشاي. وهربت ابنة الثالثة والعشرين من مدينة حصاحيصا في ولاية الجزيرة (وسط) حيث تقول إنها تعرضت للعنف من مقاتلي الدعم السريع.

وتقول سلمى التي طلبت كذلك استخدام اسم مستعار، إنها تعرضت وثلاث أخريات للتحرش الجنسي من قبل مقاتلين اقتحموا منزلا كنّ يختبئن فيه.

وتابعت "كانوا ثمانية... وتعرضنا للضرب والتحرش، واغتصبوا بعضنا وضربوا أخريات بالسلاح، وأنا منهن"، مضيفة "دخلت في حالة صدمة... لأني رأيت منظرا لم أستطع تخطيه".

وبحلول ديسمبر/كانون الأول 2023، نزحت مئات الآلاف من النساء من ولاية الجزيرة التي اقتحمها مقاتلو الدعم السريع وأطبقوا الحصار على عدد من القرى.

وفي بداية العام الجاري، سيطر الجيش على الجزيرة وأخرج قوات الدعم السريع منها، لكن سلمى التي نزحت إلى بورتسودان لا تستطيع "تجاوز ما حدث".

وقالت "أريد أن أكمل دراستي وألتفت لمستقبلي، ولكن مرات كثيرة أجد نفسي غارقة في التفكير في ما حدث معي".

وتقدم آمنة (23 عاما) الاستشارة النفسية لنزيلات "أمان" بعدما تعرضت هي للاحتجاز في الخرطوم لمدة 11 يوما بسبب ارتباط أخيها بالحكومة.

واحتُجزت آمنة مع عشرات الفتيات اللاتي تعرضن "لأسوأ أنواع المعاملة"، حيث تم تزويج بعضهن قسرا، بينما تم اتخاذ أخريات "كرهائن من أجل التفاوض". وهي تقدم حاليا المساعدة للناجيات في "أمان" بينما تواصل رحلتها للتعافي.

وفي مصر التي نزح إليها مليون ونصف مليون سوداني منذ بدء الحرب، تلتقي المعالجة النفسية سارة منتصر يوميا بخمس ناجيات من الاغتصاب على الأقل، في أحد مراكز المساعدة بالقاهرة، موضحة أنه ينبغي على الناجيات أن ينخرطن بفاعلية في خطة علاجهن، موضحة أنه بسبب الصدمة التي تعرضهن لها "لا يعدن قادرات على النوم أو ممارسة الحياة الطبيعية". وتساءلت "نحن ضحايا لشيء لا يد لنا فيه ولا ساق. لماذا حدث لنا ذلك كله؟".