العنف الدِّيني والتراث.. الإسلاميون المصريون نموذجاً

الجماعة الإسلامية التي مارست العنف المسلح وقتلت جنودًا وضباطًا ومدنيين وأقباطا واستولت على أموال ومصاغ غير المسلمين واغتالت رئيس الجمهورية وسط عرض عسكري ضخم لم تكن خروجًا مسلحًا على دولة الخلافة الأموية أو العباسية أو المملوكية أو العثمانية.

بقلم: محمود سلطان

من الثابت أنه ـ قبل المراجعات التاريخية ـ كان لا تُقبل عضوية أي منتسب لـ"الجماعة الإسلامية" في مصر، إلا إذا اعتقد بصحة بحث "الطائفة الممتنعة".. والمعروف بين الجماعة بـ"القول القاطع فيمن امتنع عن الشرائع".

وهو بحث وضعه القياديان بالجماعة، الراحل عصام دربالة، والمهاجر عاصم عبد الماجد.. والبحث مكون من سبعة فصول، ويمثل الكتاب "إنجيل العنف" ـ مع اعتذاري لاستخدام كلمة إنجيل ـ ومظلته الدينية وغطاءه الشرعي، تكلم عن حكم قتال مانعي الزكاة، واستدلوا فيه برأي الشافعي: "يجوز قتال الرجل ولا يجوز قتله" بمعنى شرعية المواجهة المسلحة الجماعية (الحرب الشاملة) مع الآخر "الممتنع" عن أداء الزكاة وليس خيار الاغتيالات، ومع ذلك خالفت الجماعة هذه القاعدة، واعتمدت الخيارين معًا: الحرب الشاملة والاغتيالات السياسية.. ثم أسست على هذا الفصل فصلها الثاني وشرعنت قتال الممتنعين عن أداء أية فريضة، بما فيها الصلاة أو الحج وما في منزلتهما في قائمة الفروض.

في الفصل الثالث خصص لـ"حكم التُرّس" عند ابن تيمية، وقوله: "إذا رأيتموني في الطرف الآخر وعلى رأسي مصحف فاقتلوني".. وهو الاستدلال الذي وظفته الجماعة في إباحة قتل الرهائن والمدنيين الأبرياء، ممن يتترس بهم ما يعتبرونه ممتنعًا عن أداء الفرائض.

في الفصل الرابع، استندوا إلى آراء من اعتقدوا أنهم "قننوا" جواز قتال الفئة الممتنعة مثل: على جريشة، أحمد شاكر، عبد القادر عودة والسوري سعيد حوى

الفصل السادس، خُصص في حسم مسألة "جنس قتال الفئة الممتنعة": خوارج، مرتدون، بُغاة، وهو التصنيف الذي ظهر أول مرة في التاريخ الإسلامي في عهد الإمام علي، وهو الذي وضع أحكامها.

في الفصل الأخير (السابع) أُفرد لحسم إشكالية  "أحكام الديار" واعتمدوا رأي ابن تيمية أن مصر تعتبر "دار مركبة"، رغم أن الأخير خالف رأي الجمهور فيها.. وهو الرأي الذي أجاز قتال الدولة الوطنية المعاصرة بوصفها "دار مركبة"، بها مسلمون وغير مسلمين!

الجماعة الإسلامية، التي مارست العنف المسلح وقتلت جنودًا وضباطًا ومدنيين وأقباطا، واستولت على أموال ومصاغ غير المسلمين.. واغتالت رئيس الجمهورية وسط عرض عسكري ضخم.. لم تكن خروجًا مسلحًا على دولة الخلافة الأموية أو العباسية أو المملوكية أو العثمانية.. كانت ظاهرة حديثة (الثمانينيات وأوائل الألفية).. فهل يمكن التعاطي معها بوصفها حالة مستقلة عن تراثها وتاريخها وماضيها؟!

هل بوسعنا أن نستقطعها عن سياقها الديني القديم، فيما اعتمدت في ممارسة الإرهاب المسلح ضد الدولة بكل مكوناتها، استنادًا إلى مرجعية فقهية تراثية ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ القديم.. وتأسست في سياق اجتماعي ونظام دولي وإقليمي (الإمبراطوريات التوسعية ـ والصراع الكوني للأديان الكبرى) مغاير تمامًا للسياقات التي جاءت تالية لميراث الحرب العالمية الأولى؟!

ليس بوسع أحد ـ حال شئنًا تفكيك ظاهرة العنف الديني ـ أن يستبعد توظيف التراث من أن يكون هدفًا في ميدان رماية أية ممارسة نقدية موضوعية. ونكمل في مقال لاحق مع جماعة الجهاد وعلاقتها بالتراث الديني الإسلامي.

عن صحيفة "المصريون"