العنف المنزلي يثخن جراح اللبنانيين وسط أزمة اقتصادية خانقة

منظمات حقوقية وناشطات نسويات تحذر من ارتفاع معدلات العنف المنزلي لا سيما عقب قرارات الإغلاق الكامل وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، ومطالب بتشديد العقوبات واتخاذ إجراءات وتدابير عاجلة للحد من تفشي الظاهرة.
ارتفاع عدد شكاوى العنف الأسري بنسبة 96.5 بالمئة عقب تفشي جائحة كورونا
جرائم القتل في عام 2020 ترتفع بنسبة 59 بالمئة عن العام السابق

بيروت - بأزمات متسارعة تحفر مجراها المؤلم في واقع لبنان الجريح، يأتي ارتفاع معدلات العنف المنزلي ليلحق بقطار تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتأزم الموقف السياسي في البلد العربي.
ومؤخرا حذرت منظمات حقوقية وناشطات نسويات من ارتفاع معدلات العنف المنزلي لا سيما عقب قرارات الإغلاق الكامل الذي فرضه تفشي جائحة كورونا في لبنان.
وخلال عام واحد تضاعفت شكاوى العنف الأسري بنسبة تقارب 100 بالمئة لتزيد الجراح ندبة جديدة وتدق ناقوس الخطر في عموم البلد العربي المأزوم.
ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه يتزامن مع شحّ الدولار وفقدان العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها وارتفاع معدل التضخم، ما جعل قرابة نصف السكان تحت خط الفقر.
كما يعاني أزمة سياسية خانقة أدت إلى اندلاع احتجاجات واسعة قبل أكثر من عام، وزاد من قسوتها الانفجار الدامي بمرفأ العاصمة بيروت، والذي خلف آلاف القتلى والجرحى إضافة إلى خسائر مادية فادحة.
ثغرات قانونية
وكشف مصدر أمني ارتفاع عدد شكاوى العنف الأسري بنسبة 96.5 بالمئة، عقب تفشي جائحة كورونا خلال العام الماضي في لبنان.
وقال المصدر، مفضلا عدم ذكر اسمه، إن الخط الساخن لتلقي شكاوى النساء سجل 747 شكوى خلال الفترة من مارس/آذار 2019 إلى فبراير/شباط 2020 فيما ارتفع عدد الشكاوى إلى 1462 خلال الفترة من مارس/آذار 2020 وحتى فبراير/شباط 2021.
بدورها أوضحت حياة مرشاد، مديرة جمعية "فيميل" النسويّة (غير حكوميّة) أن بعض المنظمات النسوية سجلت ارتفاع عدد شكاوى العنف المنزلي التي تتلقاها عبر الخطوط الساخنة بنسبة 200 بالمئة.
ودللت على ذلك بقولها "خلال الأسبوعين الماضيين وقعت 5 جرائم بحقّ النساء 3 منهنّ قُتِلن في البلاد"، مشيرة إلى تعدد أنماط العنف المنزلي بين الجنسي والمعنوي والجسدي.
وقالت مرشاد "بحسب إحصاءات غير رسمية ارتفعت جرائم القتل في عام 2020 بنسبة 59 بالمئة عن العام السابق عليه، إذ سجل العام الماضي 171 جريمة قتل، مقابل 100 جريمة في عام 2019".
ولفتت مرشاد إلى جدية وصرامة قانون حماية المرأة في لبنان لكن الأزمة تكمن في آليات التطبيق، إضافة إلى وجود ثغرات قانونية تتيح للجناة الإفلات من العقاب بدعوى الشرف وعدم الجدية في التعاطي الرسمي مع هذه القضايا الخطيرة.

طاقة مُعطلة
فيما عزت لانا قصقص، معالجة نفسيّة ومديرة جمعيّة مفتاح الحياة (غير حكوميّة)، أسباب ارتفاع معدلات العنف المنزلي إلى ضعف المنظومة الثقافية والتربوية في لبنان والتي تشجع الذكور على ارتكاب جرائم عنف ضد النساء دون ردع.
وأضافت قصق "تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية أيضا له دور بارز في هذا الشأن، إذ تدفع هذه العوامل إلى تنامي ظاهرة العنف في المجتمع بشكل عام وتعنيف النساء من مختلف المستويات الاجتماعية والتعليمية بشكل خاص".
وتابعت: "تنامي ظاهرة العنف المنزلي تترك أثرها المؤلمة على جميع الأصعدة الاجتماعية والنفسية والمهنية والعلمية للنساء في المجتمع، ما يحولهن إلى طاقة بشرية معطلة بسبب الدخول في دوامة العنف".
وكانت أكثر حالات القتل ذيوعا في لبنان عارضة الأزياء زينة كنجو، التي قتلت خنقا في منزلها، وصدرت مذكرة توقيف بحق زوجها، المتهم بقتلها بعد فراره خارج البلاد.
ردع قانوني
من جانبها أكدت فادية حمزة محامية وناشطة حقوقية أنّ "جميع النصوص القانونيّة المعنية بتجريم العنف الأسرى لا تردع الجناة ما يدفع هذه الظاهرة البغيضة إلى الارتفاع المستمر".
وقالت حمزة "القانون لا يوفر الحماية للنساء المعنفات، الأمر يقف عند حدود إتاحة الحصول على أغراضهن من المعتدين".
ودعت فادية إلى ضرورة تشديد العقوبات الخاصة بالعنف المنزلي واتخاذ إجراءات وتدابير عاجلة للحد من تفشي هذه الظاهرة وارتفاع معدلاتها في لبنان.
فيما أوضحت زهراء الديراني مسؤولة وحدة الإعلام في منظمة "أبعاد" (غير حكومية) أن معدلات ظاهرة العنف الأسري سجلت وفق إحصاءات غير رسمية ارتفاعا نسبة 300 بالمئة.
وأرجعت الديراني أسباب ذلك إلى إجراءات الإغلاق الكامل التي اتخذتها البلاد للحد من تفشي فيروس كورونا ما دفع منظمة "أبعاد" لإطلاق حملة باسم "حجر مش (ليس) حجز".
كما أشارت أن المنظمة تقدم المساعدة للنساء المعنفات عبر تنظيم دورات حرفيّة وتوعوية لإعادة تأهيلهن على تجاوز تلك التجارب المؤلمة والاستفادة بطاقتهن في المجتمع.
وفي ديسمبر/كانون أول الماضي أقرّ مجلس النواب اللبناني عددًا من التعديلات على قانون الأحوال الشخصيّة بينها تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه لا سيما في أماكن العمل لكنه لم يحقق تطلعات المدافعات عن حقوق النساء بحسب مراقبين.