الغارديان: الثورات المتصاعدة لا تنقذ المجتمعات العربية من الطائفية
لندن

عبرت صحيفة "الغارديان" عن شكوكها بقيام الثورات العربية المتصاعدة بجلب الديمقراطية لمجتمعات تلك البلدان، في وقت تتصاعد التوترات الطائفية فيها، مع استعداد السياسيين لتنمية هذه التوترات واستغلالها لمصالحهم.
وذكرّت بقيام بعض القادة العرب باستغلال التوترات الطائفية الراكدة تحت سطح المجتمع للتمسك بالحكم لفترة طويلة، والتهديد بالحرب الأهلية.
ودعت المجتمعات العربية الى الاستثمار الفاعل بالتعليم ونشر قيم التسامح والمساواة لمنع مثل هذه التوترات ان تستحوذ على مستقبل الاجيال القادمة.
واشارت الى قيام القوات السورية الموالية للرئيس بشار الاسد بمحاصرة مدينة بانياس ذات الأغلبية السنية، في محاولة لإيقاد التوترات الطائفية وتقسيم المعارضة المتصاعدة ضد الحكومة "العلوية".
وأكدت على قيام الحكومة السورية منذ بداية الاحتجاجات ضدها في آذار- مارس باستثمار الخطاب الطائفي، والتأكيد على وجود مؤامرة طائفية يقودها السلفيون السنة للسيطرة على المجتمع السوري العلماني.
وقالت "تم تصميم هذا الخطاب لإثارة المشاعر الطائفية من السنة المتشددين وبث الخوف بين الأقلية العلوية الحاكمة التي ينتمي اليها الرئيس بشار الأسد، إضافة الى المسيحيين والدروز".
وأكدت على تصاعد المخاوف الطائفية بقوة من الاسلاميين المتشددين في مصر بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك، وأعقب ذلك حدوث اشتباكات دامية بين المسلمين والاقباط.
وضربت مثالأ أكثر وضوحاً في الاحتجاجات البحرينية التي بدأت بمعارضة شعبية للنظام الملكي السني، لكنها سرعان ما وصفت هذه الاحتجاجات من قبل السلطات ووسائل الاعلام التابعة لها بـ"مؤامرة شيعية معزولة ومدعومة من ايران".
ويجسد العراق الذي يصنف ضمن "البلدان الديمقراطية" مثالأ للطائفية المتصاعدة، عندما وصفت الحكومة التي تتكون من الشيعة والسنة والأكراد، الاحتجاجات ضد فسادها بانها تريد العودة الى نظام حكم حزب البعث، ولعبت في ذلك على ورقة التاريخ.
وقالت ان الحالة المحزنة للوضع العراقي تجسد بامتياز التوترات الطائفية التي جعلت المجتمع العراقي يعيش حلقة مفرغة من التلاعب السياسي بمصيرة قبل وبعد احتلاله عام 2003، حيث عاش حرباً أهلية طائفية بغلت أشدها عام 2006.
وقامت القوى المحتلة للعراق بإضفاء الطابع المؤسسي السياسي للهوية الطائفية بدلا من المصالح الوطنية، وفاقمت في ذلك المخاوف الطائفية بين فئات المجتمع العراقي.
ويبدو لبنان -حسب تقرير الغارديان- بلد يشجع الطائفية في مجتمعه ويبني هيكله السياسي عليها.
وأشارت الى ان امثلة بلدان سوريا ومصر والبحرين والعراق ولبنان، تؤكد على مرحلة نزاع تلي الثورة التي لا يمكن ان تزدهر في ظلالها القيم الديمقراطية، إلا إذا تمت معالجة الهوة العميقة لموضوعي الطائفية والهوية.
وقارن تقرير الصحيفة البريطانية بتاريخ العبودية والعنصرية ومعاداة السامية في الغرب، وكيف لعب التعليم دوراً هاماً في تنمية التسامح والتفاهم وتجاوز "الخلافات" فضلا عن تعزيز حقوق الإنسان.
وقال التقرير "مع ظهور التعددية الثقافية في أوروبا، لعب التعليم دوراً أساسياً في تنمية وعي الأطفال حول المساواة وعدم تشجيع الانحياز العنصري في المدارس الابتدائية، وإن كان من المهم عدم المبالغة في مستوى هذا التسامح أو تجاهل عدم وجود توترات في المجتمعات المتعددة الثقافات في أوروبا، لكن لا يمكن إنكار تطور قيم التسامح الاجتماعي في السنوات الـ 52 الماضية، وقيام التعليم بلعب دور رئيسي فيها".
واشارت كاتبة التقرير الى البداية الواعدة في لبنان حول الشروع ببرنامج تعليمي من منظمات غير حكومية مختلفة، يهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان والتسامح لتشجيع الأطفال على التعايش السلمي فيما بينهم.
مؤكدة أهمية وجود مثل هذه البرامج أن وضعت ودُرست من قبل المنظمات الشعبية والمتطوعين، بدلا من نظام التعليم الذي تسيطر عليه الدولة.
وأعادت التذكير بمحاولات سابقة كانت تهدف الى قمع الهويات الطائفية كما حدث في العراق قبل عام 2003 من قبل الدولة، بدلا عن توفير مهارات لازمة للتعايش في مجتمع تعددي بمختلف الهويات والمعتقدات.
وقالت "صحيح أن مثل هذه البرامج التعليمية لا تعالج هياكل النظم السياسية الطائفية، مثل تلك الموجودة في العراق ولبنان، لأنها وجدت كأداة معزولة من أجل الإصلاح. ومع ذلك، فإنها يمكن أن تلعب دورا مهما في تغيير المواقف من الأجيال المقبلة، والتقليل من معاناة الصراعات الطائفية القائمة اليوم".
واختتم التقرير بتأكيده على إن هذه البرامج التعليمية سيكون له الأثر الكبير في كسر دوامة الطائفية، وهي خطوة أولى يجب اختبارها في منطقة مناخ الشرق الأوسط السياسي.