الغليان في البصرة يعكس غضبا متناميا من حكومة بغداد

رئيس مجلس عشائر البصرة لا يجد أي عذر للسياسيين على الرغم من شلل البرلمان بسبب الانقسامات السياسية ووعود السلطة والدعوات إلى الحوار التي لم تؤد إلى نتيجة، معتبرا أن قادة البلاد "فقدوا السيطرة على الشارع لأنهم فقدوا ثقته".

مفوضية حقوق الإنسان تدعو إلى إعلان البصرة محافظة منكوبة
الحكومة العراقية تواجه ظروفا صعبة في محافظات أخرى
الحكومة المركزية تلقي بالمسؤولية عن سوء الخدمات على الحكومة المحلية
دعوات التهدئة لم تفلح في احتواء الغضب الشعبي

البصرة (العراق) - تعكس المواجهات التي قتل خلالها ستة أشخاص في البصرة الشعور بالإهمال الذي يعتري سكان المحافظة الجنوبية والاستياء الناجم عن عدم محاسبة الفاسدين الذين يحول جشعهم دون حصول المواطنين على أبسط الخدمات.

وتجدد التوتر الأربعاء، إذ أطلقت قوات الأمن النار في محاولة لتفريق تظاهرة جديدة بعد أن احتشد بضعة آلاف من المتظاهرين عصرا أمام مقر المحافظة في وسط المدينة بمواجهة قوات الأمن التي استخدمت الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، بينما رد المتظاهرون بإلقاء زجاجات حارقة.

ولم تفلح دعوة الأمم المتحدة صباحا للهدوء ولا إعلان السلطات المركزية في بغداد عن إجراءات لإنهاء الأزمة في هذه المنطقة النفطية وتهدئة غضب اجتماعي اندلع قبل شهرين.

ولا يجد رئيس مجلس عشائر البصرة الشيخ رعد الفريجي أي عذر للسياسيين، على الرغم من شلل البرلمان بسبب الانقسامات السياسية ووعود السلطة والدعوات إلى الحوار التي لم تؤد إلى نتيجة.

ويعتقد الفريجي أن قادة البلاد "فقدوا السيطرة على الشارع لأنهم فقدوا ثقته"، في إشارة إلى المقاطعة الواسعة في محافظة البصرة للانتخابات التشريعية التي جرت في مايو/أيار.

ووعدت الحكومة لدى اندلاع الاحتجاجات مطلع يوليو/تموز بخطة طارئة واستثمار مليارات الدولارات لتحسين الأوضاع في محافظة البصرة ومناطق أخرى في جنوب البلاد.

وزار رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يسعى للاحتفاظ بمنصبه من خلال مشاركته في ائتلاف مع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، محافظة البصرة لمتابعة معالجة الأزمة.

لكن الأوضاع تزداد سوءا يوما بعد يوم، وفقا لعدد من السكان. ويقول هؤلاء إنه بسبب تلوث المياه وملوحتها، دخل أكثر من 20 ألف شخص المستشفيات لتلقي العلاج.

ويقول عضو مفوضية حقوق الإنسان الحكومية فيصل عبدالله، إن "محافظة البصرة أصبحت لا تطاق والناس يعتبرون أن استجابة الحكومة ليست بمستوى الأزمة".

وتدعو المفوضية إلى إعلان البصرة محافظة "منكوبة"، فيما تواجه الحكومة ظروفا صعبة في محافظات أخرى.

وتقول الحكومة المركزية إنها تبذل جهودا لتأمين الموارد المالية، في حين تضاعفت عائدات النفط خلال عام واحد.

وأكثر ما يثير غضب سكان البصرة حاليا، هو قيام الحكومة المركزية بإلقاء الكرة في ملعب الحكومة المحلية التي ترد بالأمر ذاته.

ويقول مهدي وهو ستيني من سكان البصرة، بأسى "لا يهمني من المسؤول. أريد الخدمات الأساسية".

ويرى الشيخ الفريجي أن "الحديث عن أزمة اقتصادية مزحة، فالصناديق هي الفريسة بالنسبة للصوص".

وتابع "أتحدى أي شخص أن يقول أن هناك مشروعا كاملا لخدمة الشعب. أين ذهبت الاستثمارات بالملايين"، فيما يحل العراق في المرتبة 12 بين أكثر دول العالم فسادا.

وأضاف الفريجي "الشارع يغلي، لكن عندما تتظاهر تقابل بالعنف، وعندما تشتكي تكون الحكومة هي القاضي والخصم معا".

ويحذر الفريجي من أن "التظاهرات لن تعود سلمية في وقت قريب ولن يستطيع أي زعيم عشائري إيقافها".

وتجاور محافظة البصرة إيران والكويت وهي منطقة تشهد عمليات تهريب وصراعات عشائرية متكررة تستخدم فيها أسلحة ثقيلة في غالب الأحيان، ما يجعلها قنبلة موقوتة.

ويقول المحلل السياسي واثق الهاشمي، إن "ما يحدث في البصرة سببه سوء الأداء السياسي في التصدي للأزمات التي تعيشها البصرة ومناطق أخرى في العراق".

وأضاف أن السياسيين في بغداد تشغلهم المناصب بـ"سبب الأنانية وعدم الانتماء للوطن وعدم الإحساس بالمسؤولية والولاء للخارج".

ويحذر من أن "ما يحدث في البصرة كارثة كبرى قد تمتد إلى محافظة أخرى".

وساهمت محافظة البصرة ذات الغالبية الشيعية، بشكل كبير في تشكيل قوات الحشد الشعبي عام 2014 لاستعادة محافظات سنّية من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

ويطالب سكانها الذين يصفون المحافظة بـ"البقرة الحلوب" للعراق، في إشارة إلى ثروتها النفطية، بالحصول على حقوقهم مقابل كل ما أعطته المحافظة لبقية أنحاء البلاد.

ويمثل قطاع النفط المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية في العراق ويشكل 89 بالمئة من موازنته، لكنه لا يؤمن سوى 1 بالمئة من الوظائف، لأن الشركات الأجنبية تستخدم في الغالب عمالة أجنبية.

وفي البصرة، لم تنفذ مشاريع لتطوير شبكات الكهرباء والمياه المتهالكة والتي لم تعد كافية لمواجهة تزايد السكان في ظل هجرة كبيرة من الريف إلى المدن والمناطق المحيطة بها، بسبب الأزمة في قطاع الزراعة الذي يعاني من الجفاف وتلوث المياه.

وتقول أم سيف إنها خسرت ملايين الدنانير بسبب المياه الملوثة والمالحة.

وكانت تتوقع في مرحلة ما الحصول على تعويض من الحكومة أو "على الأقل تأجيل استرداد المبالغ التي تدين بها إلى المصارف العامة"، لكن في رأيها، فإن "البصرة دائما هكذا، المحافظات الأخرى تحصل على تعويض ونحن لا شيء أبدا"، مشيرة إلى "لجان تشكلت وتعهدات من بغداد لكننا لم نلمس شيئا أبدا".