الغنوشي يبدأ بتفكيك حكومة الرئيس لمعاقبة المعارضين

حركة النهضة الإسلامية تسعى لاستبعاد حركة الشعب وتحيا تونس من حكومة الفخفاخ بعد أن صوتا على لائحة تمنع التدخل الأجنبي في ليبيا مقابل استبدالهما بحزب قلب تونس الذي يترأسه حليفها قطب الإعلام نبيل القروي.

تونس - بدأت حركة النهضة الإسلامية العد التنازلي لإسقاط حكومة إلياس الفخفاخ في تونس إذا لم تلتزم بشروطها لتعديل الائتلاف الحاكم واستبعاد بعض الوزراء وذلك بعد أقل من 100 يوم على انطلاق أعمالها.

وقال رئيس الحركة الإخوانية راشد الغنوشي في لقاء أجرته معه قناة "نسمة" الخاصة والتي يمتلكها رئيس قلب تونس نبيل القروي، إنّه من المنتظر أن تحدث "تغييرات وتطوّرات داخل الحكومة في تونس"، دون أن يوضح تفاصيل تلك التغييرات التي أتت على شكل تحذيرات لرئيس الحكومة.
وأوضح الغنوشي أنه "لا يمكن أن يستمر الوضع الحكومي على الصيغة الحالية".
وأضاف "نطالب بتعديلات داخل الحكم لخلق توازن بين الحكومة والبرلمان وتناغم بين الأحزاب المشاركة فيها".
ولفت الغنوشي إلى "رفض حركة النهضة التوقيع على وثيقة التضامن الحكومي"، مؤكدا أن من يتحدث عن ذلك "يسخر من وعي التونسيين".
وشدّد الغنوشي الذي وجد نفسه محاصرا بالانتقادات الشعبية والسياسية خلال المدة الأخيرة في تونس، على "ضرورة التوصل إلى اتفاق مشترك للقيام بتغييرات في الحكومة تجعل هناك توافقا بين البرلمان والحكومة وبين الأحزاب المشاركة فيها"، دون أن يحدد موعد تلك التغييرات التي تحدث سابقا أنها ستحصل بالبلاد.
والجمعة، أعلنت الحكومة التونسية تأجيل التوقيع على "وثيقة التضامن والاستقرار الحكومي" الذي كان مقرّرا في نفس اليوم، إلى موعد لاحق، لم تحدده، دون ذكر أسباب.
وتهدف الوثيقة، التي عرضها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، على أحزاب الائتلاف الحاكم منتصف مايو/أيار الماضي، إلى وضع حد للتجاذبات السياسية في تونس، وتنقية مناخ العمل بين الأحزاب والبرلمان ونبذ الصراعات.
وكانت النهضة اشترطت على الفخفاخ توسيع الحزام السياسي والبرلماني، والتنصيص على التضامن البرلماني إلى جانب التضامن الحكومي، قبل التوقيع على الوثيقة.

ويهدف الغنوشي كما كان متوقعا منذ المصادقة على حكومة الفخفاخ في فيفري الماضي، إلى اشراك حليفه حزب "قلب تونس" في الحكومة وهو الشرط الذي تخلى عنه سابقا بسبب الضغوطات.

وكانت النهضة قد لوحت بعدم منح الثقة لحكومة الفخفاخ ما لم تشمل "قلب تونس" قبل أن تتراجع تحت تهديد الرئيس التونسي قيس سعيد باللجوء لحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

وقال الغنوشي آنذاك إن "حكومة الفخفاخ لن تمر ولن تنال ثقة البرلمان في حال تم إقصاء "قلب تونس" من تشكيلتها" معلنا تمسكه بخيار "حكومة وحدة وطنية".

وكلف الرئيس قيس سعيد الفخفاخ بتشكيل الحكومة في يناير الماضي، بعد ان فشلت النهضة في تمرير حكومتها أمام البرلمان لعدم قدرتها على تجميع أصوات لدعمها.

واستطاعت حكومة الفخفاخ الحصول على ثقة البرلمان أواخر فيفري الماضي بعد أخذ ورد حيث جمع فيها أحزابًا من مختلف الأطياف السياسية لكنهم لازالوا يختلفون حول عدة سياسات اقتصادية.

ومثل النجاح الذي حققته الحكومة خلال أزمة انتشار فيروس كورونا التحدي الأكبر للفخفاخ لمواصلة خطته لإدارة الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بعد أن تعهد بأن تكون أولوياته محاربة الفساد المستشري وإصلاح الخدمات العامة رغم تشكيك بعض الأحزاب في قدرته على ذلك بسبب الصراعات بين الوزراء والأحزاب داخل الحكومة.

ال
النهضة عرقلت الفخفاخ منذ تكليفه من قبل الرئيس بتشكيل الحكومة

وتسعى النهضة حاليا لاستبعاد وزراء ينتمون لأحزاب معارضة يشكلون خطرا عليها إذا استمر وجودهم في حكومة الفخفاخ خصوصا أولائك الذين ينتمون لحزب "تحيا تونس" الذي يترأسه رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد و"حركة الشعب" القومية.

وتتخوف النهضة كثيرا من صعود كتل معارضة لتوجهاتها في البرلمان منها حركة الشعب والتيار الديمقراطي مع تزايد الحديث عن تشكل تحالفات تسعى لمواجهة مخططات الإسلام السياسي وحلفائه لتمرير قوانين مشبوهة ولا تحظى بإجماع وطني.
ويتكوّن الائتلاف الحاكم في تونس من أحزاب النهضة (54 مقعدا من أصل217)، والتيار الديمقراطي (22 مقعدا) وحركة الشعب (14 مقعدا) وتحيا تونس (14 مقعدا).

 وتأتي تصريحات الغنوشي بعد أيام قليلة من تصويت كتلة "حركة الشعب" وكتلة "تحيا تونس" على لائحة تمنع التدخل الأجنبي في ليبيا التي تقدمت بها رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي وأثارت جدلا واسعا في تونس. لكن حركة النهضة رفضتها دعما لحكومة الوفاق التي يسيطر عليها الإخوان في طرابلس وكانت سببا في تدخل تركيا عسكريا في ليبيا.

ويقول مراقبون للشأن التونسي إن محاولة الغنوشي تمرير فكرة تغيير الائتلاف الحكومي "هي محاولة لخرق الكتلة الديمقراطية المتكونة من حزبين هما حركة الشعب والتيار الديمقراطي الذي سبق وأن تمسك بإقصاء قلب تونس والنهضة من حكومة الفخفاخ".

وقال القيادي في حركة الشعب والنائب في البرلمان هيكل المكي إن النهضة تريد معاقبة حركة الشعب عبر تغيير الإتلاف الحكومي بعد أن "افتكت منها المقود والزعامة عند مقاربتها لحكومة الرئيس قيس سعيد"، مشيرا إلى أن ذلك الموقف ترى فيه الحركة الإسلامية "الخطيئة الكبرى".

 وأضاف المكي أن الكتلة الديمقراطية ستبقى متماسكة بجميع مكوناتها السياسية وستزيد صلابة على حد تعبيره.

وأقر المكي بوجود اختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا الدولية بين التيار الديمقراطي وحركة الشعب ولكن ذلك لن يفسد للود قضية، في إشارة إلى محاولة النهضة خلق تصدع بينهما وتفكيك الكتلة المشتركة في البرلمان.

وأوضح أن التيار الديمقراطي وحركة الشعب "حصنا أنفسهما  مسبقا من هذه الاختلافات منذ فترة التأسيس وتم الاتفاق على اعتماد الحرية في التصويت إذا وقع الاختلاف في بعض وجهات النظر".

وأشار المكي إلى أن بقاء حركة الشعب من عدمه في حكومة الفخفاخ ليس بيد النهضة وأن "الانسحاب منها ليس مطروحا أصلا".

وتبحث النهضة أيضا عبر تغيير تركيبة الحكومة الحالية عن إضعاف رئيسها إلياس الفخفاخ الذي يستمد شرعيته من اختيار الرئيس سعيد.

v

وبرز صراع محموم بين النهضة وسعيد في الفترة الأخيرة بسبب خطط الحركة الإسلامية في السيطرة على البرلمان وعلى الحكومة لتنفيذ أجنداتها الداخلية والخارجية ما جعل كثيرا من قادتها يفقدون توازنهم بل ويدخلون في حملة ممنهجة ضد الرئيس.

وانحاز حزب قلب تونس بقيادة القروي إلى تلك الحملة ضد سعيد حيث شن رئيس كتلة الحزب في البرلمان أسامة الخليفي هجوما على الرئيس الشهر الماضي على إثر مهاجمة الأخير البرلمان واتهمه بفقدان المشروعية أثناء زيارته للمستشفى الميداني في محافظة قبلي جنوب البلاد.

ودخلت حركة النهضة وحلفاؤها وأنصارها في حالة من الهستيريا بعد أن اعتقد الإسلام السياسي وزعيمه في تونس راشد الغنوشي أنهم قادرون على ترويض مؤسسة الرئاسة وتوظيفها لخدمة أجندة الحركة في السيطرة على البلاد، خاصة أن الرئيس بلا خبرة سياسية وحزبية.
لكن سعيد خرج في أكثر من مناسبة في الفترة الأخيرة للتأكيد على أن "الشعب قادر على سحب الوكالة ممّن خان الأمانة والوكالة".

وأقر الغنوشي في تصريحاته لقناة نبيل القروي بوجود مشاكل مع رئيس الدولة معتبر انها "طبيعية في ظل تعدّد السلط، الذي أفرزته تجربة نظام جديد يقوم على الخروج من السلطة المركزية إلى توزيع السلطة". وأوضح أن "رئيس الجمهورية انتقد البرلمان، من داخل الدستور وليس من خارجه، ولا أحد يتوقّع أن يحرّض الرئيس قيس سعيّد على البرلمان أو يدعو إلى حلّه".

وتناصر حركة الشعب توجهات الرئيس قيس سعيد في مواجهة محاولات النهضة تقزيم دوره السياسي بحجة ضعف الصلاحيات كما دعمت منذ البداية حكومة الفخفاخ التي تقدم بها.

وتم استبعاد حزب "قلب تونس" الذي يترأسه قطب الإعلام نبيل القروي من حكومة الفخفاخ إلى جانب كتلة الحزب الدستوري الحر بزعامة عبير موسي بعد تمسك أحزاب بعدم مشاركتهم الحكم.

ويمثل نبيل القروي طوق النجاة للنهضة في البرلمان نظرا لعدم قدرتها السيطرة عليه فقط بالمقاعد التي حصلت عليها، لكنها ترى في كتلة "قلب تونس" الضامن والحليف المناسب لإحكام قبضتها على المجلس عبر تشكيل عدد كاف من الأصوات لتمرير القوانين والتشريعات التي تريدها.

وقلب تونس هو الآخر يعاني تشتتا واضحا في الفترة الأخيرة حيث تقلى ضربة قاصمة في مارس الماضي حين استقال 11 نائبا من كتلته في البرلمان في قرار من شأنه أن يهز كتلة حركة النهضة أيضا حيث كانت تعول على التحالف معه لتحظى بالغالبية أمام الكتل الأخرى.

وتبدو مطالبة النهضة بحكومة وحدة وطنية تهربا واضحا من المسؤولية، حيث يتهمها تونسيون بالتعود على الحكم من وراء الستار منذ عودتها للمشهد السياسي في تونس إثر سقوط نظام بن علي في يناير 2011، وهي الوسيلة المثالية التي سهلت تنصلها من الفشل الذريع الذي مارسته خلال مشاركتها في الحكومات المتعاقبة منذ سنوات.