الغنوشي 'يطمئن' الممتنعين عن التحالف مع النهضة بالتخلي عن القروي

النهضة تبعث برسائل للتيار الديمقراطي وحركة الشعب للمشاركة في الحكومة حتى تضعهما في واجهة فشلها في تسيير الحكومة القادمة، تماما مثلما فعلت خلال تحالفها مع "نداء تونس" في السابق.

تونس - قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إنه تراجع عن إشراك حزب "قلب تونس" الذي دعمه تصويت نوابه للفوز برئاسة البرلمان الأسبوع الماضي، في الحكومة التونسية الجديدة بعد انتقادات حادة طالت الحزب الإسلامي ورئيسه بسبب التوافق المفاجئ مع حزب طالما أكدوا عدم التحالف معه.

وأوضح الغنوشي اليوم الاثنين، للصحفيين من البرلمان أن "تقديراته تشير إلى أن حزب "قلب تونس" غير مشمول بالمشاركة في الحكومة".

وأثار تحالف حزب النهضة الإسلامي مع "قلب تونس" الليبرالي المنافس حفيظة التونسيين الذين ردد مسئولو الحزبين على مسامعهم طيلة فترة الانتخابات وعودا بعدم التحالف معا.

والأربعاء الماضي، دعم حزب "قلب تونس" الذي أسسه قطب الإعلام نبيل القروي، راشد الغنوشي للفوز برئاسة البرلمان بعد أن انسحب النائب رضا شرف الدين لصالحه، في إشارة واضحة إلى أن الحزبين قد ينحيان جانبا خلافاتهما السابقة ويشكلان معا حكومة ائتلافية.

وخلال حملة الانتخابات البرلمانية التي جرت في 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعهّدت النهضة لناخبيها بأنها لن تتحالف مع "قلب تونس" بسبب شبهات الفساد التي تلاحق القروي.

ويتهم حزب "قلب تونس" الذي أكد عدم تحالفه مع النهضة هو الآخر، الحزب الإسلامي بإدارة جهاز سري وإشاعة العنف والتشدد والتحكم في مفاصل الدولة.

وتواجه النهضة حاليا صعوبة في تشكيل الحكومة واستمالة الأحزاب ونوابهم في البرلمان حتى تتمكن من جمع أصوات تمكنها فعليا من الحكم وتمرير القوانين بسبب فوزها الهزيل في الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث لم يتجاوز عدد مقاعد نوابها الربع داخل البرلمان.

وانطلقت مشاورات النهضة غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية من دون أن تخرج كلها إلى العلن. لكن الحركة وجدت نفسها في مأزق أمام رفض العديد من الأحزاب مشاركتها الحكم نظرا لفشلها السابق في تسيير البلاد وتقديم برنامج اقتصادي ناجح يطالب به التونسيون منذ 2011.

واضطرت النهضة إلى قبول دعم "قلب تونس" والتحالف معه بعد استعصاء حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب عليها.

وقال الغنوشي بعد فوزه برئاسة البرلمان إن النهضة منفتحة على كل الأحزاب وهي متمسكة بمسألة اختيار رئيس للحكومة من داخلها، مضيفا أن "الغبي من لا يتغير"، في إشارة واضحة للتغيير الذي طرأ في موقف رئيس الحركة الإسلامية من التحالف مع ما وصفهم قبل الانتخابات بـ"الفاسدين".

راشد الغنوشي بعد فوزه برئاسة البرلمان: الغبي من لا يتغير

وتحرص النهضة التي لا تزال تواجه انقسامات ومشاكل داخلية داخل قياداتها، على عدم خذلان قواعدها الانتخابية التي أقدمت على تأييدها على أساس خطاب انتخابي يقوم على القطع مع الماضي، خصوصا أن الحزب الإسلامي يعد لمؤتمره العام الذي سيعقد في 2020 ويخشى كثيرا انشقاقات خطيرة قد تعصف به.

وقال الغنوشي "نقدر أن حزب قلب تونس ليس مشمولا بالمشاركة في مشاورات تشكيل الحكومة، وفاء من حزبنا للوعود التي قدمها سابقا".

وأكدت يمينة الزغلامي النائبة وعضو المكتب التنفيذي للنهضة  الأسبوع الماضي، أن وعود قيادات حركة النهضة ومنها تلك التي أطلقها الغنوشي بخصوص قلب تونس مجرد "خطاب انتخابي".

ويرى مراقبون في تراجع النهضة عن "تحالف المصالح" مع "قلب تونس" مناورة جديدة تخفي اتفاقا جديدا يجري في الكواليس يمكنها من خلاله الضغط على الأحزاب الممتنعة عن المشاركة في الحكومة المقبلة بعد حصولها على رئاسة البرلمان ولو رمزيا.

وتبدو مناورة الغنوشي رسالة موجهة خصوصا لحزب التيار الديمقراطي (22 مقعدا) وحركة الشعب ( 16 مقعدا) اللذان رفضا المشاركة في الحكومة قبل الموافقة على استلامهما وزارات سيادية منها وزارة الداخلية والعدل، وهو مطلب يبدو من المستحيل قبوله من قبل النهضة، نظرا لمخاوفها من قضية جهازها السري وسعيها منذ سنوات لإخفاء الملفات المتعلق به.

وبعد تصويت قلب تونس لصالح الغنوشي لرئاسة البرلمان الأربعاء الماضي، بدت تصريحات نواب النهضة وحليفه "إئتلاف الكرامة" ضد حركة الشعب والتيار الديمقراطي لافتة، حيث شنوا هجوما على الحزبين محملين إياهما مسؤولية اضطرارهم للتحالف مع "قلب تونس".

وقال رئيس مجلس شورى النهضة عبدالكريم الهاروني الخميس الماضي، إن المشاورات في الجولة التمهيدية لاختيار رئيس الحكومة مع عدد من الأحزاب، خاصة مع حركة الشعب والتيار الديمقراطي كانت سلبية رغم تقديم الحركة برنامجا محترما".

وكتب محمد عبو رئيس حزب التيار الديمقراطي ردا على الاتهامات في صفحته على فيسبوك "أكرر، لكل أن يتحالف مع من يشاء، ولكن لا يحق لأي كان أن يجعلنا مبررا لاختياراته، سيما بنشر الأخبار الزائفة".

وأضاف "بالنسبة للاتصال بقلب تونس، فهذا خبر موجه لغير المتابعين الجيدين للشأن العام، ويهدف لتبرير موقف يتم الاستعداد له، يمكن تبريره بأي حجج، لا بالكذب. قلت الكذب، ولم أقل الخطأ. الكذب قد ينطلي على البعض أو على الكثير من الناس في بلادنا، ولكنه يجعل صاحبه منبوذا بلا مصداقية وغير مرحب به في أي حوار وفي أي مشروع، ولا يقبل منه رأي".

وكان عبداللطيف العلوي وسيف الدّين مخلوف الناطقان باسم "ائتلاف الكرامة" حليف النهضة، قد حملا مسؤولية تحالف النهضة و"قلب تونس" بشكل مباشر وواضح إلى حركة الشعب والتيار الديمقراطي.

وقال العلوي وهو نائب بالبرلمان إن ''الشعب عرف كيف يصوت، لكن اللي حرثه الشعب ردسه حزب الشعب ومعاه التيار''، في إشارة لامتناعهم عن التصويت للغنوشي في البرلمان.

يذكر أن حزبا التيار والشعب طلبا خلال مفاوضات مع النهضة الأسبوع الماضي بالموافقة على مرشح من خارجها لرئاسة الحكومة حتى تدعم الغنوشي رئيسا للبرلمان، لكن النهضة اشترطت أولا دعم رئيسها قبل الحديث عن رئيس الحكومة، وهو ما لم يقبله الحزبان اللذان خيرا التصويت بورقة بيضاء بدل التصويت للغنوشي الأربعاء الماضي.

ولا تحبذ النهضة معارضة بحجم التيار وحركة الشعب اللذين يتمتعان بثقة ناخبيهما ولا تمتلك ضدهما أي ملفات على عكس "قلب تونس" و"إئتلاف الكرامة" الجديدين على الساحة السياسية، فالحزب الإسلامي يخشى فشلا يكاد يكون واضحا سيقوده وقيادته ومستقبله إلى نهياتهم وهم على أبواب مؤتمر انتخابي.

j;

ويقول مراقبون للشأن التونسي إن النهضة تدفع بالتيار وحركة الشعب حتى تضعهما في واجهة فشلها في تسيير الحكومة القادمة، تماما مثلما فعلت خلال تحالفها مع "لنداء تونس" في السابق، لكن نواب حزب التيار وحركة الشعب يعرفون جيدا تاريخ النهضة مع الرئيس السابق منصف المرزوقي حين كان أغلبهم في حزبه الذي اندثر بسبب مناورات الغنوشي.

ويبدأ اليوم الاثنين الحبيب الجملي الذي رشحته النهضة باعتبارها الفائزة بالأغلبية في الانتخابات التشريعية، مشاوراته الرسمية مع الأحزاب لتشكيل الحكومة الجديدة، فيما لم تتضّح بعد مكونات المعارضة تحت قبة البرلمان وهو ما يسمح ربما بتنازلات جديدة من بعض الأطراف مثلما سعى لذلك الغنوشي بتصريحه اليوم.

من جهته أكد حاتم المليكي نائب "قلب تونس" ردا على الغنوشي، أن حزبه "سيتعامل مع رئيس الحكومة المكلف الحبيب جملي في حال وجّهت لهم الدعوة للتشاور، ثم سيحسمون موقفهم من تشكيل الحكومة في وقت لاحق".
وقال المليكي في تصريح لإذاعة محلية "فل يعتقد ما يشاء"، في إشارة لرئيس البرلمان الجديد.

والجمعة كلّف الرئيس التونسي قيس سعيّد الجملي بتشكيل الحكومة إثر اقتراحه من قِبل النهضة.

وقال الجملي الذي يقدم نفسه كشخصية مستقلة عن الأحزاب في وقت سابق إن المشاورات "ستشمل كل الأحزاب الممثلة في البرلمان والمنظمات الوطنية وشخصيات وطنية وسياسيين من ذوي الخبرة والمجتمع المدني".

ولدى رئيس الحكومة المكلف مهلة شهر تمدد لمرة واحدة للتوصل إلى تشكيل حكومة، ويتوجب عليه التشاور مع رئيس الدولة عند اختيار وزيري الخارجية والدفاع كما ينص على ذلك الدستور.

وفي حال فشله في تشكيل حكومة خلال شهرين، يكلف الرئيس شخصية أخرى بالمهمة. وفي حال الفشل مرة أخرى، يدعو الرئيس لانتخابات جديدة.