الفساد يستشري في حكومة السراج ومؤسسة النفط تستغيث

مؤسسة النفط الليبية تحذر من تراجع إنتاجها خلال الأشهر المقبلة بسبب تخفيض حكومة الوفاق لميزانيتها دون إعلامها.
ملفات فساد خطيرة في عدد من السفارات الليبية في الخارج
حكومة السراج تستخدم أموال المؤسسات الاقتصادية لإضعاف خصومها
ثاني تخفيض في الميزانية المعتمدة لمؤسسة النفط
تأخير التقرير السنوي لديوان المحاسبة يزيد الشكوك حول ملفات الفساد

طرابلس - حذّرت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا من انخفاض حادّ في إنتاج النفط في البلاد، خلال الأشهر التسعة المقبلة، في حال عدم تسلم مخصصاتها المالية من حكومة الوفاق التي تحاصرها شبهات الفساد خطيرة.
وقالت المؤسسة، في بيان لها الأربعاء، إن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لم يسلمها المخصصات المالية الخاصة بالتشغيل والعمل في الآجال المحددة.
وأوضحت أن المجلس الرئاسي (حكومة الوفاق) قام للمرة الثانية بتخفيض الميزانية المعتمدة للمؤسسة وشركاتها بمبلغ 250 مليون دولار، مضيفة أن حكومة فايز السراج فعلت ذلك "من دون علم المؤسسة".

ونوهت مؤسسة النفط بأنها حققت إيرادات، خلال أغسطس/آب الماضي، بلغت ملياري دولار بانخفاض قدره 117 مليون دولار أميركي مقارنة بيوليو/تموز، لكنها عاجزة عن زيادة الانتاج.
وقال رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، في البيان نفسه، إن المؤسسة يمكن أن تزيد الإنتاج بشكل كبير، لكن "لن يكون ذلك ممكنا إلاّ عند توفير الميزانيات" التشغيلية للمؤسسة.
وحذر من أنه في حال عدم تسلم المخصصات المالية وتوفير الميزانية اللازمة فإن إنتاج النفط الليبي سينخفض بمئات الآلاف من البراميل يوميًا، مما سيؤثر سلبا على الدخل القومي.
ولم يصدر أي تعليق فوري من جانب حكومة الوفاق، التي تحاصر مسؤولين في الوزارات التابعين لها في طرابلس شبهات فساد كبيرة في بلد يعد ثالث أكبر منتج للنفط في أفريقيا.

وتقود المؤسسة الوطنية للنفط منذ عقود، صناعة الخام في ليبيا، وتقوم بتزويد مختلف المحافظات بحاجتها من البترول ومشتقاته، وتقود قطاع تصدير الخام عبر الحدود.

وتخضع المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي المتمركزين في طرابلس لسلطة الوفاق.

ومنذ بداية هجوم الجيش الوطني الليبي على طرابلس، تواجه حكومة الوفاق مصاعب مالية بسبب تركيزها على تمويل معركتها ضد قوات الجيش والتصدي لإحكام قبضته على العاصمة، وسط انتقادات لتجاهلها معاناة الليبيين من نقص السيولة وقلة السلع الغذائية وتأخر في الرواتب.

والتجأت حكومة الوفاق إلى تمويل القوات العسكرية التابعة لها في طرابلس وميليشيات تقودها جماعات إسلامية متشددة، لمواجهة هجوم الجيش الوطني الليبي على تخوم طرابلس، حيث أنهكت تلك التمويلات العسكرية ميزانية الدولة معتمدة على رضوخ المصرف المركزي لأوامرها.

وزير الصحة السابقة في الحكومة الانتقالية تشكف عن وجود شبهات فساد مالي كبير في سفارات ليبيا التي تعمل تحت إشراف حكومة السراج

وخصص السراج أموال الشعب الليبي لعرقلة سيطرة الجيش على العاصمة من خلال إغراء الميليشيات بالأموال حتى تستمر في القتال إلى صفه. وأصدر عقب أيام من إطلاق الجيش لمعركة تحرير طرابلس قرار بتخصيص مبلغ ملياريْ دينار (حوالي مليار دولار) لمعالجة الظروف الاستثنائية التي تمر بها الدولة ومعالجة آثار الاشتباكات.

كما تعهد بحرمان أعضاء الجيش الليبي من رواتبهم، بعد إطلاق الهجوم على العاصمة.

ويرى المراقبون إن التمويل الخارجي خاصة من تركيا وقطر لحكومة فايز السراج بالسلاح والمال، لم يستطع تغطية عجز ميزانية حكومة السراج في دفع رواتب الموظفين في الوزارات الأخرى في بلد تشكل عائدات بيع النفط فيه أكثر من 94 في المئة من إجمالي مدخول الدولة.

وكان تقرير سابق لدائرة المحاسبات اتهم الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق في طرابلس بتهديد وابتزاز أهم المؤسسات الاقتصادية في العاصمة لإضعاف خصومها.

كما كشفت دراسة سابقة للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية أن الميليشيات في طرابلس سيطرت على موارد الدولة ومؤسساتها منذ وصول المجلس الرئاسي (حكومة الوفاق) للسلطة في مارس 2016.

وأضافت الدراسة إنه على الرغم من أن ولاء تلك الميليشيات لحكومة الوفاق، إلا أنها تسيطر بالفعل على الحكومة وقراراتها.

وحسب تقرير خاص بمؤشرات الفساد لعام 2018 كشفت منظمة الشفافية الدولية في يناير الماضي، فإن أن ليبيا، التي تعاني من اضطرابات وانقسامات منذ سقوط معمر القذافي في انتفاضة ضد حكمه في 2011، تأتي ضمن الدول العشر الأكثر فسادا في العالم.

ويزداد الأمر تعقيدا بالنسبة لحكومة الوفاق تزامنا مع تأخر التقرير السنوي لديوان المحاسبة الذي كان من المفترض أن يصدر آخر الثلاثي الأول من كل سنة.

التمويلات العسكرية للميليشيات أولوية لدى حكومة الوفاق
التمويلات العسكرية للميليشيات أولوية بالنسبة لحكومة الوفاق

وقالت مصادر ليبية مطلعة إن هذا التأخير يعود إلى تسجيل مخالفات فادحة وحجم فساد كبير في مؤسسات الدولة تورط فيه وزراء سابقون وحاليون بحكومة الوفاق، محذرين من أن أي محاولة لمنع نشر تفاصيله للرأي العام أو التلاعب بمحتواه للتستر على بعض المسؤولين سيضع مصداقية الديوان على المحك.

وكشفت صحف ووسائل إعلام ليبية عن ورود تجاوزات خطيرة لعدد من السفارات والقنصليات الليبية في الخارج التي تشرف عليها حكومة الوفاق، في تقرير ديوان المحاسبة الذي تأخر صدوره.

كما نشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وثائق ليبية رسمية في الأسابيع الماضية تشير إلى ملفات فساد خطيرة في عدد من السفارات الليبية في الخارج خاصة تلك المتعلقة بملفات علاج الليبيين في الخارج.

وأكدت تدوينات على فيسبوك لوزير الصحة السابقة في الحكومة الانتقالية، فاطمة الحمروش، وجود شبهات فساد مالي كبير في سفارات ليبيا التي تعمل تحت إشراف حكومة السراج.

والجمعة، قالت الحمروش في تدوينة عبر صفحتها على فيسبوك أن السفارة الليبية في لندن صرفت 74 مليون جنيه استرليني خلال مدة أربع سنوات ما بين عامي 2011 و2015 دون تقديم عمل واضح.
وأضافت أن المكتب الصحي بإيرلندا صرف من ثلاثة إلى ثلاثة ونصف مليون دولار خلال نفس الفترة، لصرفت لعلاج نحو 350 مريض، وذلك من الميزانية المخصصة للمكتب والبالغ قيمتها الإجمالية 10 مليون يورو مخصصة للعلاج فقط.
وتابعت الوزيرة الليبية السابقة أن سفارة بلادها استولت على بقية الميزانية الخاصة بالمكتب الصحي بإيرلندا وأقفلت المكتب وأوقفت عمل الموظفين به ومرتباتهم دون سند قانوني، رغم صرف المبالغ كاملة لحساب السفارة وتخصيصها للعلاج ومرتبات الموظفين تحت البندين بوضوح لكل منهما.

والثلاثاء، تطرقت الحمروش أيضا إلى الفساد المستشري في سفارة ليبيا بتركيا خلال وجود السفير الليبي عبدالرزاق مختار بها.
وكتبت متسائلة في تدوينة على فيسبوك "هل تعلم أيضاً أن الخارجية وديوان المحاسبة لديهما كامل العلم وبالمستندات والوثائق والأسماء والأرقام، ولم يتم أي إجراء بالخصوص حتى لحظة كتابة هذه الأسطر، بل أن نفس السفير (عبدالرزاق مختار) لا يزال بالسفارة منذ عام 2011 حتى يومنا هذا؟".

واستغربت الحمروش من عدم محاسبة أي شخص في السفارات الليبية في الخارج عن هذا الفساد رغم توافر كل المستندات والدلائل وعلم الخارجية وديوان المحاسبة بالأمر.

ورغم الأموال الطائلة المسجلة لحساب وزارة الصحة من ميزانيتها تلجأ حكومة الوفاق إلى إرسال ملفات الجرحى للعلاج بالخارج على نفقتها بسبب ضعف الإمكانيات الطبية.

وتنفق ليبيا على علاج المرضى في الخارج، في إطار الدعم المعمول به منذ سنوات طويلة في الدولة، لكن السنوات الست الأخيرة شهدت تراكماً في سداد قيمة العلاج بالخارج، في ظل الأزمة الاقتصادية، والتي تعاني منها الدولة بسبب الصراعات السياسية والمسلحة وتهاوي مواردها النفطية.

ووفقاً لبيانات وزارة المالية فإن عدد العاملين في وزارة الصحة والجهات التابعة لها يبلغ نحو 263 ألف موظف حكومي.