القاهرة تحتفي بالذكرى الـ 150 لميلاد المهاتما غاندي

احتفاء القاهرة تحول إلى حدث فريد، بالكشف عن مجموعة من الصور النادرة التي تُعرض للمرة الأولى.
الزعيم الروحي الهندي غاندي نذر حياته لمحاولة بلوغ الحقيقة
سيتجاهلونك ثم يحاربونك ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يتراجعون، وفي النهاية ستنتصر

بقلم: شريف الشافعي

تأبى الأرواح العظيمة الانفلات من يد التاريخ، فهي صديقة أبدية للبشر، من أجلهم عملت، وفي خلاياهم وأنسجتهم سكنت كطاقة محركة للحياة، ومثلما نذر الزعيم الروحي الهندي غاندي حياته لمحاولة بلوغ الحقيقة، فإن الاحتفال بذكرى ميلاده في القاهرة جاء تأكيدا لأحد وجوه هذه الحقيقة، وهو وجه الخلود، فالمهاتما أو "الروح العظيمة" مثلما لقبه الشاعر الأبرز طاغور، باق في وجدان شعبه، بأفكاره ومبادئه، وأخباره وصوره وتفاصيل حياته التي لا تزال تشغل مناصريه ومحبيه في كل مكان.
لذلك فالاحتفال بالسياسي البارز والزعيم الروحي غاندي ليس حكرا على الهند، فهو مُلهِم حركات الاستقلال في الكثير من دول العالم، وصاحب القيم المثالية والنضال الطويل ضدّ الاستعمار والاستبداد والعنصرية، بالأساليب السلمية.
واعتبرت الأمم المتحدة يوم ميلاده في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول يوما عالميا للتسامح، وتتشارك دول العالم في الاحتفاء بغاندي لنشر رسائل السلام والمحبة ونبذ العنف.
واحتضنت القاهرة احتفالية كبرى، وجرى إطلاقها في مركز "الهناجر للفنون" بدار الأوبرا، بالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ومركز مولانا أزاد الثقافي الهندي بالقاهرة.

وانطوت الاحتفالية على فعاليات عدة، منها محاضرات وندوات وأفلام تسجيلية، لاستعراض جوانب مختلفة من حياة غاندي، كزعيم وقائد بارز، وأيضا كإنسان عادي يشارك  المزارعين والفقراء حياتهم البسيطة، بلباسه التقليدي المحلي، وإقامته الدائمة في الكوخ الريفي.
وتمثّل الحدث الأهم في الاحتفالية الهندية المصرية، في معرض فوتوغرافي لمجموعة نادرة من الصور للمهاتما في مراحل حياته، وهذه الصور التي يُعرض بعضها للمرة الأولى تعكس مشاهد مختلفة من لقاءاته الجماهيرية والخاصة بالشعب، وجولاته في الهند، فضلا عن صور تجمعه بالزعيم السياسي نهرو، والشاعر طاغور، وصور أخرى تجسد مناسبات متعددة.
وجاء المعرض، المنعقد في الفترة الممتدة بين 6 و10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بعنوان "غاندي بعيون كانو"، حيث تُنسب هذه الصور في المقام الأول إلى كانو غاندي حفيد المهاتما غاندي، وهو مصور فوتوغرافي بارز، فيما اضطلعت مؤسسات هندية بتجميع صور أخرى، وتولت مؤسسة "نازار" في نيودلهي التنسيق مع المجلس الهندي للعلاقات الثقافية من أجل إتاحة هذه الصور الفوتوغرافية الأصلية النادرة للعرض في القاهرة.
وحظي معرض صور غاندي بحضور لافت من الجالية الهندية بمصر، فضلا عن جمهور المهتمين بالتصوير، والشغوفين بالتعرف على جوانب من سيرة غاندي الحافلة بالعناوين والتفاصيل، وجاءت اللقطات بمثابة شريط تسجيلي بصري أمين لمحطات رحلة غاندي، بالإضافة إلى طقوسه وممارساته اليومية الاعتيادية.

وخلال حياة امتلأت بالناس، خصوصا البسطاء، انتصر غاندي للحرية والحق والصدق والسلام، وبنى مبادئه على أن القوة النابعة من المحبة هي القوة الدائمة والمؤثرة أكثر ممّا قد يولده الخوف من العقاب، وآمن بأن المعركة الأخطر هي مواجهة الإنسان لمخاوفه وهواجسه وللشياطين التي تحاول أن تسكنه.
وفي معرض الصور، تتجلى الحياة العميقة الهادئة لغاندي في كوخه الريفي الذي كان يقيم فيه ويستقبل فيه ضيوفه ويجري اتصالاته من داخله، ولقاءاته مع أفراد الشعب، وجولاته وتنقلاته بالقطار ووسائل المواصلات الجماعية في المناطق المختلفة، واجتماعاته الجماهيرية العامة، ونشاطاته التي يشارك فيها أبناء وطنه مثل الزراعة والنسيج، لترسيخ قيمة ومعنى الاقتصاد الوطني المستقل.
وتصور لقطات المعرض النادرة كذلك لقاءات غاندي مع الزعيم السياسي نهرو، والشاعر الهندي الأبرز طاغور، كما تظهر جولات غاندي في المناطق الحدودية الشمالية الغربية بصحبة رموز المجتمع الهندي ورجالات النضال والكفاح في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. يبدو معرض صور غاندي، حالة طقسية تبعث السكينة والطمأنينة والسلام النفسي، ونافذة للإطلال على مجتمع يتمسك بنقائه وجذوره واكتفائه الذاتي مؤمنا بقدرته على الخلاص، انطلاقا من مقولة غاندي "سيتجاهلونك ثم يحاربونك ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يتراجعون، وفي النهاية ستنتصر".