"القبر رقم 779" نحو مقاربة الأيديولوجيا

منير الحايك يعمل على تقديم وعيٍ للحظة تاريخية عاشها أبناء وطنه عبر إطار اجتماعي عام، يبدأ مع ستينيات القرن العشرين ويستمر إلى العصر الحاضر.
تقف أمام إنسانٍ يشبهك! إنسان قد يكون أنت
راوي الرواية يبدو جزءاً من الأحجية ومن الحلّ

بيروت ـ "القبر رقم 779" العمل الروائي الثالث للكاتب اللبناني منير الحايك يخطو فيه نحو مقاربة الأيديولوجيا في الرواية والعمل على تقديم وعيٍ للحظة تاريخية عاشها أبناء وطنه عبر إطار اجتماعي عام، يبدأ مع ستينيات القرن العشرين ويستمر إلى العصر الحاضر، يعيد الروائي تشكيلها في سياق نصه الإبداعي، بشخصيات حقيقية وأخرى متخيلة، ليحاكي بها قصة الإنسان اللبناني بتفاصيلها اليومية، والعائلية، والحزبية، فاستطاع أن يرسم بحروفه متاهات أجيال؛ أجيال قبل الحرب وأجيال أثناء الحرب وأجيال ما بعد الحرب؛ لتجد نفسك – عزيزي القارئ – سواء جرّدتها من الأيديولوجيا أم لم تجرّدها؛ تقف أمام إنسانٍ يشبهك! إنسان قد يكون أنت.
وفي "القبر رقم 779" يبدو راوي الرواية جزءاً من الأحجية ومن الحلّ، لم يكن رجلاً حزبياً، بقدر ما كان رجلاً منتمياً يفصح عن عقيدته القومية بزهو، ثم يضفي المشروعية على وجهة نظره وصوته؛ وبالتالي يحضر راوي الرواية، في النص، ككاتب لا ينفصل عن مجتمعه، وعن الحراك السياسي، لبلده؛ ليروي سيرة والده أبا خليل المصري المريض بالسرطان والذي جعله شريكه دون أخوته في موضوع اللوحة سرّه "لوحة الحرب والسلام" التي خبّآها معاً في (قبر)!
والده؛ ذلك البطل القوميّ بين محيط مسيحيّ متعصبّ، الذي نشّأ أولاده على المحبّة وتقبّل الآخر والانتماء إلى الوطن والأمة؛ ولكنّه يعتقل بعد فشل انقلاب القوميين، وتهمته قوميّ سوريّ، هذه الصفة كانت كفيلة بأن تُدخل صاحبها السجن في ستينيات القرن العشرين.  

لوحة الحرب والسلام
تملّكني الغيظ من السرقات التي قاموا بها لآثارنا

وهكذا يعيد الكاتب/الراوي ذكرى انقلاب القوميين إلى الأذهان، ويفتح نقاشات حول تلك المرحلة، ويسأل: لو أنّهم نجحوا في انقلابهم، واستلموا الحكم هل كنّا سنخوض، بعد أربعة عشر عاماً، حربًا أهليّة طائفية قتلت ويتّمت ودمّرت، النفوس قبل الحجر!
من أجواء الرواية نقرأ:
هل فعلاً سأجد شيئًا قيّمًا كلوحة "الحرب والسلم" التي قرأت عنها وعن المقبرة الملكية وعن القبر رقم 779 حيث وجدوها، ولكن أين كانت، من وجدها، لماذا سرقها! أسئلة كثيرة حرمتني النوم بالأمس وحرمتني التركيز اليوم، (...) فأن تقرأ عن الآثار في العراق وعن حضارة السومريين في بلاد ما بين النهرين أمر معقّد وواسع، وأنا لم أكن مطّلعًا بشكلٍ وافٍ على تلك الاكتشافات، كلّ ما أعرفه هو عشتار وحمورابي وجلجامش، وقد قرأت مرّة بشكل مفصّل عن بوّابة عشتار التي نُقلت وركّبت من جديد في أحد متاحف برلين، يومها تملّكني الغيظ من السرقات التي قاموا بها لآثارنا.
صدرت الرواية عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت، وجاءت في 128 صفحة.