القدرة على الترهيب رشحت الصدر لحماية نفوذ إيران في العراق

الصدر يفضل الوزراء المستقلين لأنهم ضعاف وبإمكانه استغلالهم لمصلحته وقد طالب بأن تكون له سيطرة على وزارتين في حكومة محمد توفيق علاوي الذي سبق وأن أعلن تولي مرشحين مستقلين وزارات.

بغداد - عندما لاح في الأفق احتمال تراخي قبضة الأحزاب والفصائل الشيعية المدعومة من إيران على السلطة في العراق في أعقاب مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، لجأت طهران إلى منافس لا يمكن التكهن بتحركاته لمنع خسارة هيمنتها على مفاصل الدولة بالتزامن مع الاحتجاجات التي عمت معظم المدن العراقية.

ودفعت الضربة الأميركية التي قتل فيها سليماني وقائد الفصائل العراقية المسلحة أبو مهدي المهندس في الثالث من يناير/كانون الثاني الماضي ببغداد، طهران للبحث عن منافس لإعادة بسط سيطرتها فرحبت برجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر الذي كان يأتمر بأمره ملايين العراقيين واستقبلته مع قادة المليشيات العراقية الموالية لها لعقد اجتماعات بمدينة قم.

ويقول مسؤولون عراقيون كبار وبعض العالمين ببواطن الأمور في الفصائل إن هذه الجماعات وعدت الصدر بصلاحيات أكبر في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وبدور موسع في القيادة الروحية للفصائل الشيعية المسلحة.

في المقابل قالت المصادر إن الصدر سيستعين بأتباعه في إضعاف المعارضة المناوئة للحكومة ولإيران والتي تفجرت في الشوارع العراقية ويعيد توجيه الاحتجاجات للتركيز على المطالبة بانسحاب القوات الأميركية من العراق.

والهدف من هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية إيران وحزب الله اللبناني هو صيانة النفوذ الشيعي في العراق بالتوفيق بين الفصائل والجماعات المدعومة من إيران والتيار الصدري المنافس.

وكان مقتل سليمان والمهندس قد أوقع الفصائل في حالة من البلبلة. كما فقد الصدر أيضا بعضا من توازنه. فقد قاد احتجاجات مناوئة للحكومة في السنوات السابقة لكنه لم يسيطر على الجولة الأخيرة من الغضب الذي تفجر في مظاهرات تلقائية بلا قيادة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول وكان موجها للنخبة السياسية.

ويقول مسؤولون ونواب إن الصدر، المعروف باقتناص الفرص والذي سبق أن حارب الولايات المتحدة وندد بالتدخل الإيراني وأيد احتجاجات ثم تخلى عنها، أصبح بهذه الصفقة في وضع يهييء له فيما يبدو نفوذا كبيرا في حكومة جديدة تنتظر منحها الثقة هذا الأسبوع في البرلمان.

وكانت حكومة السابقة برئاسة عادل عبدالمهدي قد استقالت تحت ضغط الاحتجاجات في العام الماضي.

وبعد مقتل سليماني أصدر مسؤولون من إيران وحزب الله تعليمات لقادة الفصائل الموالية لإيران لصرف النظر عن خلافاتها مع الصدر. وكان الجانبان قد اشتبكا في البرلمان واختلفا على مناصب حكومية في العام الماضي في صراع على السلطة في الصفوف الشيعية.

والتقى الطرفان في قم مقر الصدر الجديد في إطار مواصلة دراساته الدينية.

الفصائل العراقية المدعومة من إيران تدرس منح دور أكبر لقائد سرايا السلام التابعة للصدر في تنسيق استراتيجيتها العسكرية

وقال أحد مساعدي الصدر ممن سافروا إلى قم لوكالة رويترز طالبا إخفاء هويته إن "إيران رأت في الصدر الحل الوحيد لمنع انهيار النفوذ الشيعي تحت وطأة الاحتجاجات وإضعاف الفصائل التي تدعمها".

وأضاف "الصدر يملك القاعدة الشعبية التي يمكن له من خلالها أن يسيطر على الشارع. وأرادوا استغلال ذلك".

وأكدت عدة مصادر شبه عسكرية مطلعه على ما دار في الاجتماعات أن الجانب الإيراني طلب من الصدر الذي ينتمي لعائلة صاحبة نفوذ من رجال الدين الشيعة لها تاريخ في قيادة التمرد على الحكومة في عهد صدام حسين، استخدام أتباعه في السيطرة على المظاهرات.

وفي المقابل طالب الصدر بحرية اختيار الحكومة المقبلة والقدرة على الاعتراض على تفضيلات الأطراف المدعومة من إيران. وقال معاون الصدر "إيران لم تعارض ذلك".

وقال مصدران بالفصائل إن الصدر طالب بأن تكون له سيطرة على وزارتين في حكومة رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي الذي طلب من البرلمان اعتماد حكومته هذا الأسبوع.

كما قال المصدران إن الفصائل المسلحة وافقت على إمكانية أن يكون للصدر دور رمزي موسع في قيادتها في معارضة الولايات المتحدة.

وقال نصر الشمري المتحدث باسم حركة النجباء المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي والخاضعة لعقوبات أميركية "فصائل المقاومة وافقت على أن يكون الصدر الصوت الرئيسي في المقاومة. وستؤيد الفصائل في المقابل ما يتخذه من قرارات".

وقال الشمري ومصدران آخران بالفصائل إن الفصائل ستدرس منح دور أكبر لأبو دعاء العيساوي قائد سرايا السلام التابعة للصدر في تنسيق استراتيجيتها العسكرية.

وتسعى الفصائل لإيجاد من يحل محل المهندس ومن المتوقع أن يكون من قادة كتائب حزب الله الفصيل الذي كان المهندس يقوده.

رفض
حيل الصدر لم تعد تنطلي على الشارع العراقي

ويقول مسؤولون حكوميون ونواب إن الصدر سيكون له نفوذ كبير في تشكيل الحكومة المقترح من جانب علاوي. وكان رئيس الوزراء قال إن مرشحين مستقلين سيتولون الوزارات.

وقال مسؤول حكومي "إذا تمت الموافقة على هذه الحكومة فسيكون ذلك في صالح الصدر. فهو يفضل المستقلين لأنهم ضعاف وبإمكانه استغلالهم لمصلحته. فلديه فصيل (مسلح) ويملك القدرة على ترهيب الناس".

ويعارض ساسة من الأكراد والسنة التشكيل الذي يدفع به الصدر خشية فقدان السيطرة على بعض الحقائب الوزارية.

وربما يحقق الصدر مكاسب سياسية في الأجل القريب. غير أن الاتفاق مع الفصائل المدعومة من إيران أثار استياء كثيرين من أنصاره الذين دفع بهم في الفترة الأخيرة في مواجهات مع المتظاهرين العراقيين الذي اتهموه بـ"الخيانة".

وقال أحد المحتجين ويدعى مهدي عبدالزهرة وهو يراقب رجال الشرطة يطلقون النار على أصدقائه في بغداد "سرقوا ثورتنا. الفصائل وسرايا السلام".

وانصرف أنصار الصدر المعروفين بأصحاب "القبعات الزرقاء" الذين سبق أن شاركوا في احتجاجات بل وحماية المتظاهرين في بعض الأحيان من عنف قوات الأمن والفصائل، عن خيام المحتجين بناء على تعليماته بل واعتدوا عليهم لاحقا.

وكان الصدر قد هدد بالدعوة إلى "مليونية" جديدة للضغط على البرلمان للموافقة على الحكومة الجديدة في خطوة أخرى قد تغطي على المظاهرات الأصلية التي طالبت بسقوط النخبة الحاكمة في العراق بأسرها.

وأصدر الصدر سلسلة من البيانات المتضاربة في أوائل فبراير/شباط. فقد دعت البيانات إلى احتجاج كبير للمطالبة بانسحاب القوات الأميركية ثم طالبت أنصاره بالتخلي عن الاحتجاجات المناهضة للحكومة ثم العودة للمشاركة فيها وتطهيرها من المشروبات الكحولية وغيرها من مظاهر الرذيلة.

وسيطر الأنصار على بعض مواقع الاحتجاج واشتبكوا مع المتظاهرين وقتلوا بعض الأفراد.

وقال الشيخ شياع البهادلي وهو من القيادات العشائرية في مدينة الصدر ببغداد "رفضنا دعوة الصدر الأولى للانسحاب من الاحتجاجات وغضبنا منه".

والسبت، دعا الصدر إلى مظاهرة "مليونية" إذا "انعقدت جلسة البرلمان الخاصة بمنح الثقة لحكومة علاوي خلال هذا الأسبوع، أو إذا انعقدت ولم يتم التصويت على كابينة عراقية نزيهة، أو إذا كانت الكابينة ليست مع تطلعات المرجعية الدينية الشيعية والشعب".
لكنه تراجع اليوم الثلاثاء مرجعا ذلك لخشية انتشار فيروس كورونا.
وقال الصدر في بيان مقتضب "دعوت لمظاهرات مليونية واعتصامات ضد المحاصصة، واليوم أنهاكم عنها من أجل صحتكم وحياتكم فهي أهم عندي من أي شيء".