القضاء الفرنسي يرفض طلبات بعودة جهاديات وأطفالهن من سوريا

القضاء الفرنسي يعلن عدم إمكانية الموافقة على طلبات بعودة أسر جهاديين محتجزين في سوريا دون الرجوع إلى مفاوضات الدولة مع السلطات الأجنبية المعنية.

باريس - رفضت أكبر محكمة إدارية في فرنسا اليوم الثلاثاء طلب فرنسيات في سوريا إعادتهن إلى البلاد قائلة إن قاضيا لم يستطع الحكم في الأمر لأنه ينطوي على مفاوضات مع سلطات أجنبية.

وقالت المحكمة في بيان "يرفض مجلس الدولة طلبات قدمتها مواطنات فرنسيات يعشن في سوريا حاليا مع أطفالهن للعودة".

وقالت صحيفة "لوفيغارو" إن قاضي مجلس الدولة استمع الجمعة لأربعة طلبات، ثلاثة منها تقدمت بها نساء فرنسيات ينتمين إلى تنظيم داعش واحتُجزن في معسكر في سوريا مع أطفالهن الثمانية.

وقالت الصحيفة إن الطلب الأخير تقدم به عم لقاصرين متواجدين في معسكر تحت سيطرة القوات الكردية في سوريا مع أمهاتهن الفرنسيات، ويتراوح أعمار الأطفال بين سنتين وأربع سنوات.

وتطالب قوات سوريا الديموقراطية التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة آلاف الجهاديين الذين يحتجزونهم خصوصا الأجانب منهم والبالغ عددهم 6 آلاف مقاتل مع 15 ألفا من أفراد عائلاتهم. غير أن المجتمع الدولي يتعامل بفتور مع هذه الفكرة إذ لا تشكل الإدارة الذاتية دولة ذات سيادة.

ذكرت مصادر فرنسية مطلع الشهر الجاري أن باريس أعدت منذ وقت قصير لائحة بأسماء 250 رجلا وامرأة وطفلا، محتجزين في مناطق الأكراد في سوريا، بغية إعادتهم، قبل أن تتخلى عن الفكرة خشية رد فعل الرأي العام المتردد بشأن عودة "الجهاديين" إلى دولهم.

واستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة الماضي وفدا من الأكراد السوريين وأكد له دعم باريس لمكافحة التنظيم الجهادي.

وأوضحت الرئاسة الفرنسية في بيان أن ماكرون أكد لهؤلاء الممثلين عن قوات سوريا الديموقراطية "استمرار الدعم الفعلي لفرنسا في مكافحة داعش الذي ما زال يشكل تهديدا للأمن الجماعي، وخصوصا في إدارة المقاتلين الإرهابيين الذين أسروا، وعائلاتهم".

وخلال اللقاء، أشار الرئيس الفرنسي إلى أن باريس ستقدم دعما ماليا "لتلبية الحاجات الإنسانية والدفع باتجاه الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للسكان المدنيين في سوريا".

وبحسب أعضاء في الوفد، تعهد إيمانويل ماكرون إبقاء جنود فرنسيين إلى جانب قوات سوريا الديموقراطية وتقديم دعم مالي لإعادة الإعمار وتعزيز الخدمات العامة في مناطق الإدارة الذاتية الكردية في سوريا.

وفي فبراير الماضي قال الرئيس الفرنسي إن محاكمة مقاتلي داعش الفرنسيين الذين تم أسرهم في العراق وسوريا يجب أن تتم في الدول التي يواجهون فيها اتهامات.

وأعلنت باريس نهاية العام الماضي عن استعدادها لإعادة 150 من أبناء جهاديين فرنسيين محتجزين لدى الأكراد إلى البلاد بشرط أن توافق أمهاتهم على الانفصال عنهم.

وفي الأول من نيسان/أبريل، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان عن مساعدة إنسانية بقيمة مليون يورو للنازحين في المخيمات في شمال شرق سوريا خصوصا مخيم الهول الذي يتكدس فيه الآلاف من زوجات وأطفال مقاتلين أجانب في تنظيم الدولة الإسلامية.

وأعلنت قوات سوريا الديموقراطية في 23 آذار/مارس إسقاط "الخلافة" التي أعلنها التنظيم سنة 2014 على الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا. ومذاك، تواصل هذه القوات التي تسيطر على جزء من الأراضي في شمال سوريا تعقب الجهاديين في شرق سوريا.

ومنذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كانون الأول/ديسمبر عزمه سحب القوات الأميركية من سوريا، يلف الغموض مصير عائلات الجهاديين الذين تم إرسال معظمهم إلى مخيم الهول المكتظ بالفعل بنازحين ولاجئين سوريين وعراقيين.

وانضمت مئات النساء، وخصوصا أجنبيات تدفقن من أوروبا وشمال أفريقيا، طواعية إلى التنظيم اقتناعا بالتفسير المتشدد للإسلام وتزوجن من أعضاء بالتنظيم.

وبعد فقدان داعش سيطرته على أغلب أراضيه في العراق وسوريا، تبدي الدول الغربية قلقها من احتمال عودة عائلات المقاتلين الأجانب إليها، خاصة النساء والأطفال منهم، حيث تعتبر عودتهم خطرا محتملا في المستقبل.

ويقول خبراء أن تردد فرنسا ينبع من أن الكثير من الأدلة ضد المقاتلين العائدين قد لا تصمد في المحكمة أو قد تكون حتى بلا قيمة، وأحياناً قد يكون من الصعب إيجادها من الأساس.

وقامت وسائل الإعلام خلال العملية التي قامت بها القوات الكردية للسيطرة على مناطق التنظيم الجهادي، بإجراء العديد من المقابلات مع أوروبيين كثير منهم من النساء، ممن غادروا للالتحاق بالتنظيم والآن يريدون العودة زاعمين أنهم لم يشاركوا في القتال.

وأجرت كل من فرنسا وبلجيكا مقابلات مع رعاياها، الذين أعربوا عن رغبتهم في العودة إلى ديارهم، في حين أجرت وكالة فرانس برس مقابلة مع صانع أحذية ألماني، أصر على أنه لم يشارك في القتال.

وزادت المخاوف حين أبدت بعض النساء اللائي خرجن من الباغوز في الأسابيع الأخيرة تعاطفا قويا مع التنظيم.

ورفعت أسر في بلجيكا وفرنسا وهولندا دعاوى قضائية على الحكومات للتدخل وإعادة أفرادها إلى البلاد. لكن الأولوية والخطوة الأكثر إلحاحا بالنسبة لفرنسا وأغلب البلدان الأوروبية اليوم هي إعادة الأطفال دون أن يمثل ذلك خطورة على أمن الدول.

ويقول الأكراد إنه ليس من مهامهم محاكمة هؤلاء أو الاحتفاظ بهم إلى أجل غير مسمى الأمر الذي خلق مأساة قانونية للأمهات والأطفال.