القطار المغربي السريع... المرتبط بالتنمية

اليوم يضع المغرب نفسه بوابة متقدمة للتنمية في أفريقيا والتواصل مع أوروبا.

يرمز القطار السريع الذي بات يربط بين الدار البيضاء وطنجة الى المغرب في عهد محمّد السادس. يرمز عمليا الى السرعة التي تسير فيها عملية التنمية والنهوض بالمملكة. يوفّر القطار الذي سمّي "البراق" دليلا آخر على ان قطار التنمية في المغرب لا يتوقف. الفارق الوحيد انّ سرعة هذا القطار زادت الآن وستزداد اكثر مستقبلا.

لم يتوقف قطار التنمية في المغرب يوما منذ عشرين عاما. هناك عملية ربط بين كل المدن والمناطق المغربية ببعضها البعض من اجل ان يكون هناك تكامل في ما بينها في سياق النهوض بالاقتصاد على مستوى المملكة كلّها. لا فارق في المغرب بين منطقة واخرى. هناك توسيع لعملية التنمية وتطوير لها كي تصل الى ابعد منطقة مغربية والى الأقاليم الصحراوية في طبيعة الحال. هناك بكل بساطة من يستوعب ما يشهده المغرب منذ سنوات وهناك العاجز عن استيعاب الواقع لاسباب مرتبطة اوّلا وأخيرا بعقد مستحكمة بعقول أولئك الذين يرفضون الاعتراف بالواقع والحقيقة. الواقع والحقيقة هو لغة الأرقام التي تتحدث بنفسها عن ارتفاع مستوى المعيشة في المغرب وعن توسّع الطبقة المتوسطة التي باتت تحتل مساحة كبيرة على خريطة المملكة.

لم يكن ذلك ممكنا من دون تفكير في المستقبل واستشفاف له. ففي كلّ خطاب يلقيه محمّد السادس وكلّ عمل يقوم به يوجد تركيز على نقاط معيّنة. لكن المحور الدائم لاي خطاب يوجهه الملك الى المواطنين هو الانسان المغربي. يبقى الانسان الثروة الحقيقية للمغرب حيث مؤسسات راسخة لدولة قديمة تعمل على تطوير نفسها بشكل دائم من خلال الاستثمار في الانسان من دون عقد من ايّ نوع كان.

يتحوّل المغرب شيئا فشيئا الى بوابة أوروبا الى افريقيا وبوابة افريقيا الى أوروبا في الوقت ذاته. ليس بعيدا اليوم الذي سيكون فيه ربط مباشر عبر القطار بين المغرب واسبانيا لتأكيد عمق العلاقة المغربية – الاوروبية.

بعدما صار الربط بين فرنسا وبريطانيا عبر القطار السريع ونفق تحت بحر المانش حقيقة في مثل هذه الايّام من العام 1994، لم يعد مستبعدا اقامة نفق تحت البحر المتوسط بين المغرب واسبانيا في يوم من الايّام. من كان يتصوّر في الماضي ان نفقا سيبنى تحت المانش وان الرحلة من لندن الى باريس لن تستغرق اكثر من ساعتين ونصف ساعة؟

استقل الملك محمّد السادس والرئيس ايمانويل ماكرون الرحلة الاولى لقطار "البراق" الذي عملت على إنجازه مجموعة من الشركات الفرنسية بالتعاون مع المؤسسات المغربية المختصة. يعطي القطار السريع بين الدار البيضاء وطنجة، المدينة ذات المستقبل الواعد بفضل بنيتها التحتية ومينائها الجديد الذي سمّي "طنجة ميد"، فكرة عن مستقبل العلاقة المختلفة بين أوروبا ودول شمال افريقيا. لا يوجد الآن بلد غير المغرب قادر على خلق علاقة مختلفة بين الجانبين بدل التباعد بينهما.

في أساس هذه العلاقة ما يستطيع المغرب توفيره من ضمانات لاوروبا في مجالي مكافحة الإرهاب والحدّ من الهجرة غير الشرعية وما تستطيع أوروبا توفيره للمغرب في مجال الاستثمارات. كلّ ما في الامر ان المغرب استطاع إيجاد مصالح مشتركة بينه وبين أوروبا. على سبيل المثال وليس الحصر، يوفّر المغرب بنية تحتية تستطيع الشركات الاوروبية الكبيرة استخدامها لاقامة مصانع في المغرب. هذه فرصة لا تعوّض للشركات الاوروبية التي تبحث عن يد عاملة رخيصة وتمتلك مهارات في الوقت ذاته. ما تنتجه المصانع الاوروبية في المغرب بواسطة اليد العاملة العاملة المغربية لا يوفّر فرص عمل في المغرب فقط. هناك ما هو اكثر من ذلك بكثير. هناك اعادة تصدير للصناعات الاوروبية التي تنتج في المغرب في اتجاه أوروبا نفسها وفي اتجاه افريقيا.

ليس سرّا ان فرنسا ليست جمعية خيرية. عندما تساعد في بناء القطار السريع في المغرب، فهي لا تروج لنفسها في هذا البلد فحسب، بل تعمل أيضا على الترويج لصناعاتها في افريقيا كلّها التي تشهد في هذه الايّام منافسة على أسواقها بين الصين والولايات المتحدة.

تكمن اهمّية المغرب في انه استطاع ان يجد موقعا مميّزا له في افريقيا. كشف خيار الملك محمّد السادس بالعودة الى الاتحاد الافريقي تفكيرا استراتيجيا بعيد المدى. ينطلق هذا التفكير من عوامل عدة يستطيع المغرب تطويعها كي تلعب دورا مساعدا له. من بين هذه العوامل، الموقع الاستراتيجي للمغرب فضلا، في طبيعة الحال، حال الاستقرار التي تسود في المملكة والتي تميزها عن كلّ جيرانها وعن تلك الدول القريبة منها، خصوصا الجزائر وليبيا وتونس. الاهمّ من ذلك كلّه ان المغرب عرف كيف يطور الانسان فيه. صحيح انّه لم يحقق بعد الهدف النهائي المطلوب، لكن الصحيح أيضا ان العاهل المغربي لا يترك مناسبة الّا ويؤكد فيها اهمّية البرامج التربوية المتطورة مع تركيز خاص على اتقان اللغات الأجنبية والترويج لثقافة التسامح والاعتدال.

لم يحقق المغرب النجاحات التي حققها من دون إيجاد المناخ الملائم لتطوير المواطن. كان ذلك عبر نشر ثقافة التسامح والاعتراف بالآخر بعيدا عن أي نوع من أنواع التطرّف الديني. فوق ذلك، لا يترك محمّد السادس فرصة تمرّ الّا ويؤكد دور امير المؤمنين المسؤول عن كل انسان موجود على الارض المغربية.

لعبت شبكة المواصلات، خصوصا شبكة السكة الحديد، دورا في غاية الاهمّية في توحيد الولايات المتحدة ونجاحها كدولة صناعية عظمى يوجد تكامل بين الولايات الخمسين التي تتألف منها. ما يشهده المغرب منذ سنوات عدّة بدءا بإقامة شبكة طرقات حديثة، إضافة الى تطوير السكة الحديد فيه، يشكل مساهمة في إنجاح تجربة مميزة على الصعيد الافريقي. كلمة السرّ باتت معروفة، فالى جانب الاستثمار في الثروة التي اسمها الانسان، هناك هاجس التنمية الذي لا يفارق محمّد السادس. جعل هذا الهاجس ملك المغرب يقدم على خطوات طليعية باكرا جدا منذ صعوده الى العرش في العام 1999. توجت تلك الخطوات الطليعية بالإصلاحات السياسية التي امنت للمغرب استقرارا سياسيا وامنيا يحسد عليه، خصوصا بعد إقرار الدستور الجديد في استفتاء شعبي اجري في العام 2011 تلته انتخابات نيابية.

انطلق القطار السريع في المغرب. جاءت الانطلاقة لتتوّج جهودا تستهدف صنع الفارق بين المغرب والمنطقة المحيطة به. الأكيد ان المغرب لا يحبذ استمرار وجود هذا الفارق بينه وبين الآخرين. الأكيد أيضا انّه يسعى الي تكامل وتعاون بين دول الاقليم، لا لشيء سوى لان مثل هذا التكامل والتعاون الذي يحلّ مكان المنافسة يخدم الاستقرار الإقليمي. يبقى هذا الاستقرار هدفا من الأهداف التي يسعى اليها محمّد السادس كي يصبح شمال افريقيا كلّه فضاء للقطار الذي تتجاوز سرعته 300 كيلومتر في الساعة بدل ان تقتصر مهمّة هذه القطار على الربط بين الدار البيضاء وطنجة.