القوى السياسية اللبنانية تتسابق على استمالة جمهور تيار المستقبل

تداعيات عدة لغياب تيار المستقبل في مقدمها غياب التمثيل الصحيح في العاصمة والمدن الكبرى شمالاً وجنوباً وبقاعاً.

بيروت - تتسابق القوى السياسية اللبنانية على استمالة جمهور تيار المستقبل والتأثير على خياراته الإنتخابية، بعد إعلانه عدم المشاركة في الاستحقاق البلدي الذي سيشكل ملامح الانتخابات البرلمانية القادمة من خلال صورة المجالس البلدية.

ولطالما كانت صيدا وبيروت وطرابلس وعكّار وجهة التنافس السياسي، ومع غياب تيار المستقبل نتجت تداعيات عدة، في مقدمها غياب التمثيل الصحيح في العاصمة والمدن الكبرى شمالاً وجنوباً وبقاعاً، حيث يغيب المناخ التوافقي.

ووصل الجدل حول انتخابات بلدية بيروت إلى ذروته بعد إعلان رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري مقاطعته للاستحقاق تأييدًا وترشيحًا، وانتقاده القانون الذي يفرغ المجلس البلدي من صلاحيّاته، وهو ما أثار قلقا لدى كثيرين، باعتبار أنّ تيار المستقبل لطالما كان منذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هو "الضامن" لصيغة المناصفة في بلدية بيروت، بغياب أيّ نصّ قانونيّ يضمن الوصول إلى مجلس بلدي يتمثّل فيه الجميع.

 وعلى إثره، احتدمت النقاشات في مجلس النواب، وفي الأوساط السياسية حول وجوب تعديل القانون بما يفرض هذه المناصفة، إما على طريقة اعتماد "اللوائح المقفلة" في بلدية بيروت، بحيث تنجح اللائحة كاملة، كما هي، وإما على طريقة وضع "معايير طائفية" تشبه تلك المعتمدة في الانتخابات النيابية، وسط دعوات من قبل بعض النواب لتأجيل الانتخابات في بيروت، ريثما يتمّ إقرار التعديلات المطلوبة "بهدوء ورويّة".

لكن رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام أكد إجراء الانتخابات البلدية في مواعيدها. وقال سلام في تغريدة على حسابه في إكس مساء الخميس، بالنسبة للانتخابات البلدية، أؤكد أن موقف الحكومة ثابت في إجرائها في مواعيدها، والحرص على نزاهتها وشفافيتها".

وستجري الانتخابات البلدية والاختيارية في مايو/أيار المقبل، على أن تبدأ في محافظة جبل لبنان بتاريخ 4 مايو/أيار المقبل، وتجري في محافظة لبنان الشمالي ومحافظة عكار بتاريخ 11 مايو/أيار.
وفي محافظة بيروت، ومحافظة البقاع ومحافظة بعلبك - الهرمل بتاريخ 18 مايو/أيار، وفي محافظة لبنان الجنوبي ومحافظة النبطية بتاريخ 24 من الشهر نفسه.

وكشفت مصادر في بيروت أن المدينة تتجه الى معركة انتخابية مع وجود 3 لوائح، الاولى يدعمها رئيس الحكومة نواف سلام، بالإضافة الى شخصيات سنية ضعيفة التمثيل نسبيا كالنائب فؤاد مخزومي، وتشارك فيها "القوات اللبنانية" و"الثنائي الشيعي" .

وأضافت أن هذه اللائحة اصيبت بانتكاسة، في ظل قلق مسيحي وسني من ممارسات "القوات"، والتي عادة ما كانت تحصل على مقعدين في أحسن الاحوال. وها هي اليوم تطالب بكل المقاعد المسيحية في بيروت وتستبعد "التيار الوطني الحر"، كما ترفض "القوات" مشاركة حزبيين من حزب الله، وهو ما ادى الى اشكال مع "الثنائي الشيعي"، الذي يرفض تدخل اي طرف في مرشحيه، وهو ما يهدد هذا الائتلاف.

واللائحة الثانية ستكون لـ"المستقبل" وعائلات بيروتية، إذ أن التيار لا يزال يدعم بشكل غير معلن لائحة مستقلين مطعمة بعائلات بيروتية، ولكن ليس بصفة رسمية أو بتكليف من الحريري.  واللائحة الثالثة ستكون لمجموعات مدنية و"تغييرية".

ولفتت المصادر الى ان الامور لا تزال ضبابية، وهناك الكثير من المرشحين داخل العائلة الواحدة والحزب الواحد، وهو ما سيعقد المشهد الانتخابي، وسيكون هناك خروقات كبيرة للوائح!   

وتحدثت تقارير محلية بأن حالة من الإرباك بدأت تتسلل إلى مفاصل القوى السياسية كافة، وخصوصاً في مدينة بيروت، على خلفية قرار تيار المستقبل الامتناع عن خوض الانتخابات البلدية.

وهذا الإرباك طال حتى القوى الحليفة لحزب الله كما المعارضة له، والقوى التي كانت متحالفة سابقاً مع "المستقبل" كما خصومه.

وأبرز التحديات التي تواجه هذه القوى هي فقدان القدرة على ضبط الناخبين وتوجيه المزاج الشعبي، في ظل غياب الطرف السني الأساسي عن المعركة.

ولا يملك حزب الله وحلفاؤه حتى اللحظة تصوراً واضحاً لكيفية التعاطي مع هذا الغياب، فيما تبدو القوى المسيحية، من "التيار الوطني الحر" إلى "القوات اللبنانية"، و"الكتائب اللبنانية" أمام معادلة مربكة بين الحضور الرمزي والفاعلية الانتخابية.

أما المجموعات التغييرية، فتواجه بدورها أزمة في قراءة المشهد، إذ أن غياب المستقبل لا يعني بالضرورة فتح المجال أمامها، بل قد يعقّد التوازنات، ويضعها أمام استحقاق صعب لتقديم لوائح جدية ومقنعة في معركة غير مألوفة.

ويجزم النائب السابق محمد الحجار، بأن ما من مُعطى أو تطور جديد على المستوى الإنتخابي، مشيراً إلى أن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ولأسباب شرحها في بيان إعلان عزوف التيار عن المشاركة بالإنتخابات البلدية في بيروت وبعض المدن والبلدات، قد ذكر بشكل مباشر موقفه من هذا الإستحقاق بكل أبعاده، خصوصاً بالنسبة للعاصمة وما يتعلق بها من عدم قدرة في الظروف الحالية على تحقيق الإنجازات المتوخاة.

وعن الأسباب التي دفعت نحو هذا العجز عن الإنجاز، فيعيدها الحجار، إلى "تنازع الصلاحيات من جهة ولرفع المتاريس في المجلس البلدي غداة كل استحقاق بلدي تُعلن فيه النتائج من جهةٍ أخرى".

ويكشف الحجار أن "تيار المستقبل لا يريد تحمّل تبعات هذا الواقع، رغم أنه كان دائماً يتمّ تحميله زوراً، مسؤولياته من القريب ومن البعيد".

أمّا بالنسبة للحديث عن الأطراف التي تتنافسٍ على الساحة في بيروت أو في مناطق أخرى، فيرى الحجار أن هذه المنافسة "من حقها والتنافس على الأصوات شغلتها"، لكنه يرفض أي تنافس على "تركة" تيار المستقبل"، مؤكداً أن "التركة تُقال عن الميت ونحن لم نمت".