الكاظمي يقطع زيارته لمصر لمواجهة تصعيد الصدريين

مناصرو التيار الصدري يباشرون اعتصاما أمام مجلس القضاء الأعلى في بغداد.
الرئيس العراقي يعتبر تعطيل المؤسسة القضائية أمرا خطيرا يهدد العراق
وزير الصدر ينتقد قرار القضاء العراقي بتعليق العمل

بغداد - بعد البرلمان، وسّع مناصرو التيار الصدري اعتصامهم الثلاثاء إلى أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في المنطقة الخضراء في بغداد، في خطوة تصعيدية في الأزمة السياسية المتواصلة منذ أكثر من 10 أشهر، مما دعا إلى أن يقطع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زيارته لمصر والعودة لمواجهة الموقف.

وذكر بيان رسمي أن الكاظمي "عاد إلى بغداد" بهدف "المتابعة المباشرة لأداء واجبات القوات الأمنية في حماية مؤسسات القضاء والدولة"، داعياً إلى "اجتماع فوري لقيادات القوى السياسية من أجل تفعيل إجراءات الحوار الوطني، ونزع فتيل الأزمة".

وعلى أثر هذا الاعتصام، أعلن مجلس القضاء الأعلى في بيان تعليق عمله وعمل المحكمة الاتحادية العليا والمحاكم التابعة له.

ويعيش العراق منذ الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/أكتوبر 2021، في شلل سياسي تام مع العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، في ظل خلافات سياسية متواصلة.

وارتفع مستوى التصعيد بين التيار الصدري وخصومه في الإطار التنسيقي، في 30 تموز/يوليو عندما اقتحم مناصرو الصدر مبنى البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء المحصنة في وسط بغداد، مطالبين بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.

ويريد خصوم الصدر في الإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة للحشد الشعبي، من جهتهم تشكيل حكومة قبل الذهاب إلى انتخابات مبكرة. ويقيم مناصرو الإطار التنسيقي أيضاً اعتصاماً أمام المنطقة الخضراء التي تضمّ مؤسسات حكومية ومقرات دبلوماسية غربية منذ 12 آب/أغسطس.

وفي 10 آب/أغسطس، طالب مقتدى الصدر القضاء بحلّ البرلمان لكن القضاء اعتبر أنه لا يملك هذه الصلاحية.

والثلاثاء، توجّه المئات من مناصري التيار الصدري إلى أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى، معلنين البدء باعتصام "حتى تحقيق" لائحة مطالب أبرزها "حلّ البرلمان"، وفق بيان لإعلام التيار الصدري.

ونصب المعتصمون، الذين ارتدى غالبيتهم الأسود بمناسبة شهر محرّم، الخيم أمام مبنى أعلى سلطة قضائية في البلاد، كما شاهد مراسل فرانس برس، فيما كان آخرون لا يزالون يقومون بتحضير خيمهم، وسط انتشار أمني كثيف. ورفع البعض الأعلام العراقية وآخرون صور مقتدى الصدر. بالإضافة إلى ذلك، وصلت شاحنات محمّلة بقدور طعام كبيرة إلى المكان.

قال أبو كرار العلياوي، أحد المعتصمين، متحدثا عند مجلس القضاء الأعلى "مطالبنا القضاء على الفساد"، مضيفاً " نعتقد أن القضاء مهدد بالخوف ...أو أنه مرتشٍ". وتابع "نقف هنا لتحقيق مطالبنا، وهي مطالب الشعب العراقي، وهي الإصلاح والقضاء على الفساد".

الضغط على القضاء

وفي أعقاب الاعتصام، أصدر مجلس القضاء الأعلى بياناً أعلن فيه عقد اجتماع "على اثر الاعتصام المفتوح لمتظاهري التيار الصدري امام مجلس القضاء الاعلى للمطالبة بحل مجلس النواب عبر الضغط على المحكمة الاتحادية العليا لاصدار القرار بالأمر الولائي بحل مجلس النواب وارسال رسائل تهديد عبر الهاتف للضغط على المحكمة".

وقرّر وفق البيان "تعليق عمل مجلس القضاء الأعلى والمحاكم التابعة له والمحكمة الاتحادية العليا"، وذلك "احتجاجاً على هذه التصرفات غير الدستورية والمخالفة للقانون".

واعتبر مجلس القضاء في بيان صدر في 14 آب/أغسطس أن "مهام مجلس القضاء...بمجملها تتعلق بادارة القضاء فقط وليس من بينها اي صلاحية تجيز للقضاء التدخل بامور السلطتين التشريعية أو التنفيذية تطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية" الوارد في الدستور.

وينصّ الدستور العراقي في المادة 64 منه على أن حلّ مجلس النواب يتمّ "بالأغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية".

وحذّر رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في بيان الثلاثاء من "الأزمة الخانقة" التي "تتجه نحو غياب الشرعية وقد تؤدي إلى عدم اعتراف دولي بكامل العملية السياسية"، معتبراً أن ما آلت إليه الأمور "تراجع أكثر مما كان" قبل إجراء الانتخابات المبكرة حيث أن "مجلس النواب معطل والقضاء معطل والحكومة حكومة تسيير أعمال".

من جهته وصف الرئيس العراقي برهم صالح في بيان صحفي الثلاثاء تعطيل المؤسسة القضائية بأنه "أمر خطير" يتهدد العراق، مؤكدا على ضرورة حماية المؤسسة القضائية وهيبتها واستقلالها.

وقال إن "تطورات الأحداث في البلد تستدعي من الجميع التزام التهدئة وتغليب لغة الحوار  وضمان عدم انزلاقها نحو متاهات مجهولة وخطيرة يكون الجميع خاسرا فيها وتفتح الباب أمام المُتربصين لاستغلال كل ثغرة ومشكلة داخل بلدنا".

وتابع "التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حق مكفول دستوريا ولكن تعطيل عمل المؤسسة القضائية أمر خطير يهدد البلد"، داعيا إلى التعامل مع المطالب وفق الأطر القانونية والدستورية.

كما دعا إلى "توحيد الصف والحفاظ على المسار الديمقراطي السلمي الذي ضحى من أجله شعبنا، ولا ينبغي التفريط بها بأي ثمن والعمل على تجنّب أي تصعيد قد يمس السلم والأمن المجتمعي"، مشيرا إلى أن العراق يمر بظرف دقيق.

لكن التيار الصدر ندد بتعليق القضاء العراقي والمحاكم العمل. وقال ما بات يعرف بوزير الصدر محمد صالح العراقي "من المعيب أن يعلّق القضاء والمحاكم العمل من أجل إنهاء ثورة إصلاحية ولا تعلّق أعمالها من أجل استنكار فساد  مستشاري".

وأضاف في بيان نشره على حسابه بتوتير "ما إن تشتدّ حدّة الاحتجاجات ضدّ الفاسدين  فانهم يسارعون مستنجدين بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لكنه ومنذ يومين قرر عدم التدخل مطلقا".

وتابع "ولاستمرار ثورة عاشوراء على عفويتها فإن سماحته (الصدر) قد يأمر مستقبلا بتعليق عمل اللجنة المشرفة على الاحتجاجات مقابل تعليق القضاء والمحاكم عملها".

ولم تفضِ محاولات الحوار بين الطرفين إلى نتيجة بعد. وعقد قادة الكتل السياسية العراقية في قصر الحكومة في بغداد الأسبوع الماضي اجتماعاً، قاطعه التيار الصدري، وكان دعا إليه الكاظمي في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة.

وشارك قياديون في الإطار التنسيقي، لاسيما رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ورئيس كتلة الفتح هادي العامري، في هذا الحوار الذي حضره بالإضافة إلى الكاظمي، رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، ومبعوثة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت.

وكرّر التيار الصدري أكثر من مرّة رفضه للحوار. وقال الصدر في تغريدة قبل يومين إنه قدّم "مقترحاً للأمم المتحدة لجلسة حوار علنية...فلم نرَ جواباً ملموساً".

وأضاف "لا يتوقعوا منّا حواراً سرياً جديداً بعد ذلك"، مضيفاً "لقد تنازلت كثيراً من أجل الشعب والسلم الأهلي. وننتظر ماذا في جعبتهم من إصلاح ما فسد لإنقاذ العراق".