الكرملين ينأى بنفسه عن حادث مقتل قائد فاغنر

بعد أقل من 48 ساعة على خروج بريغوجين من المعادلة، الرئيس الروسي يصدر مرسوما يلزم عناصر المجموعات غير النظامية مثل فاغنر أداء قسم اليمين، في ما يبدو أنه مسعى لإعادة ضبط نشاط المجموعات شبه العسكرية.

موسكو - نأى الكرملين اليوم الجمعة بنفسه عن حادثة مقتل يفغيني بريغوجين قائد مجموعة فاغنر شبه العسكرية في أول ردّ رسمي على تحليلات وتكهنات كانت قد أشارت إلى عملية اغتيال من تدبير القيادة الروسية كانتقام من بريغوجين الذي قاد قبل نحو شهرين تمردا على القوات الروسية وباشر عملية زحف إلى العاصمة موسكو قبل أن يتم احتواء الأزمة في غمرة الحرب على أوكرانيا.  

ونفى نفيا قاطعا ضلوعه في حادث تحطم طائرة قالت موسكو إنه أودى بحياة 10 اشخاص بينهم زعيم فاغنر ونائبه وآخرين اضافة إلى طاقم الطائرة.

ومنذ تحطم الطائرة قرب العاصمة الروسية الأربعاء وتأكيد السلطات مقتل عشرة أشخاص كانوا على متنها بينهم بريغوجين، سرت تكهّنات وتحليلات بأن زعيم المجموعة الذي كان مقربا من الرئيس فلاديمير بوتين حتى تمرده المسلح في يونيو/حزيران، قد يكون ضحية عملية اغتيال دبّرها الكرملين ثأرا على تحديه لسلطة بوتين.

وبعد أقل من 48 ساعة على خروج بريغوجين من المعادلة، أصدر الرئيس الروسي مرسوما يلزم عناصر المجموعات غير النظامية مثل فاغنر بأداء قسم اليمين، في ما يبدو أنه مسعى لإعادة ضبط الأمور ولتأطير نشاط تلك المجموعات شبه العسكرية التي تعتبر ذراع روسيا في مناطق خارجية بينها سوريا وافريقيا.

وبات لزاما على هؤلاء التعهد بـ"الإخلاص" و"الوفاء" لروسيا، و"الامتثال الصارم لأوامر القادة والمسؤولين (الأعلى رتبة)"، وفق نصّ المرسوم المنشور على موقع الحكومة الروسية.

ويتعهد العناصر كذلك بـ"احترام الدستور الروسي بشكل مقدس"، و"الدفاع بشجاعة عن الاستقلال والانتظام الدستوري" للبلاد، وتنفيذ المهام الموكلة إليهم.

ويشمل المرسوم الأشخاص المدرجين كمقاتلين متطوعين والذين "يسهمون في تنفيذ المهام الموكلة إلى القوات المسلحة الروسية" و"هيئات وتشكيلات عسكرية" أخرى، بما يشمل قوات الدفاع التي تمّ تشكيلها خلال حرب أوكرانيا.

وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين خلال مؤتمر صحافي الجمعة "هناك الكثير من التكهنات حول تحطم الطائرة والوفاة المأساوية للركاب، بما في ذلك يفغيني بريغوجين... كل هذا كذب محض"، مضيفا "نعلم جيدا في أي اتجاه يتم التكهن في الغرب"، مشددا على أن التحقيق مستمر في الحادثة.

وسبق أن تعرّض عدد من معارضي الكرملين أو المنشقين عن النظام في موسكو، لعمليات اغتيال أو محاولات قتل حتى داخل روسيا وخارجها. ونفى الكرملين على الدوام أي دور له فيها.

وأتت تصريحات بيسكوف غداة كسر بوتين صمته بشأن الحادث وتأكيده أن بريغوجين كان من بين "الضحايا"، وتعزيته أسر من قضوا في "المأساة". وقال "عرفت بريغوجين لفترة طويلة جدا، منذ مطلع التسعينات. لقد كان رجلا مصيره حافل ومعقّد وارتكب أخطاء جسيمة في حياته، لكنه حقّق النتائج المرجوة".

وكان الرئيس الروسي قد وصف بريغوجين بأنه "خائن" في خطاب وجهه إلى الروس خلال تمرد فاغنر يومي 23 و24 يونيو/حزيران، لكنه قال الخميس إن أعضاء فاغنر الذين قضوا معه قدموا "مساهمة كبيرة" في الهجوم الروسي في أوكرانيا.

بوتين: عرفت بريغوجين لفترة طويلة جدا كان مصيره معقّد وارتكب أخطاء جسيمة في حياته
بوتين: عرفت بريغوجين لفترة طويلة جدا كان مصيره معقّد وارتكب أخطاء جسيمة في حياته

ورأى مراقبون في تمرد فاغنر أكبر تهديد لحكم بوتين الممتد منذ عقدين، لكن الحركة التي قادها بريغوجين انتهت سريعا بعد وساطة قام بها رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشنكو، الحليف الوثيق للرئيس الروسي، قضت بانتقاله مع عناصره إلى مينسك في مقابل وقف الملاحقات بحقهم في روسيا.

واستبعد الرئيس البيلاروسي أن يكون بوتين ضالعا في مقتل بريغوجين. وقال الجمعة إن نظيره الروسي "شخص يحسب الأمور بتأنٍّ، هادئ جدا وحتى بطيء لدى اتخاذ القرار بشأن مسائل أخرى أقل تعقيدا. لذا لا يمكنني أن أتخيل أن بوتين قام بذلك، أن بوتين يتحمّل المسؤولية"، وذلك وفق ما نقلت وكالة "بلتا" الرسمية.

وعلى رغم اتفاق إنهاء التمرد، بقي بريغوجين يتردد إلى روسيا. وأكد الكرملين في وقت سابق أن بوتين استقبله وقادة فاغنر في 29 يونيو/حزيران. وفي الشهر التالي، حضر بريغوجين على هامش قمة في سان بطرسبرغ بين روسيا ودول إفريقية حيث تنشط مجموعة فاغنر بشكل مكثّف. ونفى بيسكوف الجمعة حصول أي لقاء جديد مؤخرا بين بوتين وبريغوجين.

وكانت هيئة الطيران الجوي الروسية (روسافياتسيا) أكدت أن بريغوجين كان على متن الطائرة الخاصة التي تحطمت شمال العاصمة. وأعلنت السلطات أن الركاب العشرة على متنها، وبينهم ثلاثة من أفراد الطاقم، لقوا حتفهم. ويعمل خبراء في الطب الجنائي على التعرف إلى الجثث.

ومن بين من وردت أسماؤهم، دميتري أوتكين مساعد بريغوجين وقائد عمليات فاغنر والعنصر السابق في القوات الخاصة للاستخبارات العسكرية الروسية.

ولم يكشف المحققون الفرضيات التي يعملون عليها أو الأسباب المحتملة للحادث، والتي قد تشمل زرع قنبلة على متن الطائرة أو إصابتها بصاروخ أرض-جو أو ارتكاب ربانها خطأ.

وقال بوتين الخميس "سنرى ما سيقوله المحققون في المستقبل القريب. الفحوص جارية، فحوص فنية وجينية"، لافتا إلى أن التحقيق "سيستغرق بعض الوقت"، مضيفا "سيتم المضي به حتى النهاية والتوصل إلى نتيجة. لا شك في ذلك".

وفي مقابل النفي الروسي، ألمحت كييف والعديد من العواصم الغربية، لاسيما واشنطن وبرلين وباريس، إلى شبهات بأن مقتل بريغوجين كان نتيجة عملية اغتيال اتخذ الكرملين القرار بشأنها.

لكن المتحدث باسم البنتاغون أكد الخميس أن الجيش الأميركي لا يمتلك "معلومات تؤشّر إلى ارتباط صاروخ أرض-جو" بالحادث، مشيرا إلى أنّ التكهّنات بتحطّم الطائرة بسبب ذلك "غير دقيقة".

وفي حين انسحب عناصر فاغنر من الجبهات في أوكرانيا بعد التمرد، لا تزال المجموعة تنشط في دول إفريقية تشهد نزاعات مسلحة خصوصا مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقبل يومين من تحطم الطائرة، ظهر بريغوجين في شريط مصوّر قائلا إنه موجود مع مقاتليه في إفريقيا حيث يعمل للحفاظ على "عظمة روسيا".ويواجه عناصر فاغنر اتهامات بانتهاكات وعمليات إعدام ميدانية وتعذيب في مختلف مناطق نشاطهم.

وأكد الكرملين الجمعة أن لا علم له بما سيكون عليه مصير المجموعة. وقال بيسكوف للصحافيين "في ما يتعلّق بمستقبلها، لا يمكنني أن أقول لكم شيئا الآن، لا أدري".