اللبنانيون عالقون في مرمى النيران

يصر حزب الله على اخذ اللبنانيين إلى مغامرة دمار تلي أخرى.

"عالقون فى مرمى النيران". ربما يكون هذا هو التعبير المناسب لحال المدنيين في جنوب لبنان في ظل كل ما يجري من محاولات الزج بهم في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، لكنها في حقيقة الأمر مواجهة ايرانية اسرائيلية على ملعب لبناني.

شهدت الحدود اللبنانية الاسرائيلية في الساعات الماضية تصعيدا خطيرا وصف بأنه مقدمة لإرهاصات حرب قد تجرف لبنان الى طوفان الأقصى. وفي خضم التوتر الذي يعيشه الجنوب، تزداد حركة النزوح يوماً بعد يوم كما تشير إحصاءات وحدة الكوارث التابعة لاتحاد بلديات قضاء صور. وبينما يعبث حزب الله بالنار ويلعب بمصير لبنان وأمام القدرات المحدودة للبلاد نتيجة وضعها الاقتصادي المنهار، فان اللبنانيين مقبلون على تحمل تكاليف فاتورة الأجندة الايرانية على أرضهم.

في الوقت الذي تشير فيه الأوضاع الميدانية الى أن حركة حماس قد بدأت تفقد السيطرة فعليا على قطاع غزة، تجد ايران نفسها مضطرة الى زج لبنان في لعبة النار لتخلط الأوراق وتفك الخناق على حماس والجهاد الاسلامي، ربما قد تفعل ذلك ظنا منها أنها قد تربك حسابات اسرائيل في قطاع غزة، وبذلك تدفعها الى تمديد الهدنة درءا لمخاطر الاصطدام المباشر مع حزب الله في الشمال وما سيترتب عنها من انهاك لقدرات الجيش وتعديل للخطط العسكرية القائمة في ما تسميه بالسيوف الحديدية.

ينساق حزب الله الى لعبة ايران مكرها وهو يستمع لصيحات اللبنانيين المتكررة ضد الحرب التي دفعت طبولها التي تقرع الى حد الآن اكثر من نصف مليون شخص للنزوح من جنوب لبنان الى مدن أخرى بعيدة على خط النار، وينساق معه اللبنانيون جميعا الى تجربة مريرة أخرى تعيد الى الأذهان ما حصل في حرب تموز 2006 وكل ما جرته من خراب ودمار حل على رؤوس اللبنانيين.

كانت حرب تموز 2006 بداية لتدحرج لبنان نحو الهاوية بعد أن فقد بعده الاقليمي كنتيجة منطقية لتغول الحزب على الدولة وسيطرته على القرار السياسي. انتهى هذا التغول بوصول لبنان مرحلة الافلاس الاقتصادي وارتهانه للأجندة الايرانية وتحوله الى ممر ترانزيت لمختلف السموم والمخدرات التي يتم ارسالها الى دول المنطقة مقابل أجر لا يتعدى بضعة أطنان من الوقود. واليوم يعود شبح تلك الحرب ليخيم بسواده على اللبنانيين ويرسم صورة قاتمة عن الوضع الذي ينتظرهم في حال ما أطلق حزب الله العنان لجنونه وأقدم على تنفيذ الخطة الايرانية لفك الخناق على حماس والجهاد. هي حرب ان وقعت فانها ستكون مقدمة لدخول أميركا على الخط وتحويل جنوب لبنان الى قاعدة عسكرية لها بعد القضاء على حزب الله وتوابعه من الحرس الثوري الايراني.

اللبنانيون ليسوا مطالبين بالتضحية من أجل مصالح حزب الله ولا من أجل أن تعلن طهران انتصار حماس على اسرائيل في معركة طوفان الأقصى بفضل محور المقاومة، لكنهم مطالبون بالخروج الى الشارع والتعبير عن رفض الحرب ومحاسبة كل من يدعو الى جر لبنان الى الخراب، ولبنان ليس حقل تجارب أو حلبة مصارعة لتتبارز اسرائيل وايران على أراضيه، ولا قاعدة عسكرية خاصة ليرفع فيه سلاح خارج سلاح الدولة، وهو ما يفترض أن يقوله المسؤولون اللبنانيون بكل جرأة ومن منطلق الحرص على لبنان وكف يد العابثين به.

عانى لبنان من ويلات والحروب، والتاريخ يعدد سجلا ثقيلا من الخسائر المادية والبشرية بدءا من الحرب الأهلية والوصاية السورية عليه، ومرورا باجتياح بيروت ومجزرة صبرا وشاتيلا وقانا ووصولا الى حرب تموز التي فيما يبدو أنها ستتكرر وفقا لسيناريو مغاير ونتيجة أثقل. والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هنا بعد كل ما قدمه الماضي من تجارب مريرة هو الى متى سيبقى اللبنانيون عالقين في مرمى النار والى متى ستقرر الأجندة الخارجية حاضرهم ومستقبلهم وكيف السبيل لاخراج لبنان من آتون الحروب؟