المؤسسة الأزهرية: لا هي راغبة ولا قادرة على التطوير

التغيير لأي مؤسسة دينية نادراً ما يأتي من داخلها لأن القائمين عليها والمستفيدين منها يعتبرون أنفسهم حُراساً للمعبد المقدس.

بقلم: سعد الدين ابراهيم

ربما كانت صيحة شيخ الأزهر في وجه رئيس جامعة القاهرة الذي اجتهد في محاولة تجديد التراث، "اتركوا التراث بحاله، وابحثوا عن شيء آخر تنشغلون به".

ويذهب الشيخ إلى أن التراث الديني هو احتكار للمؤسسة الأزهرية، وليس لغير الأزهريين، أو بعبارته غير المتخصصين أن يقربوه. في شبابنا، وأثناء دراستنا الثانوية والجامعية كان المدرسون والأساتذة يُرددون على أسماعنا، وفي مقررات الدين والتاريخ عبارة: لا كهنوت في الإسلام، حيث إن علاقة المسلم بالله لا تحتاج إلى وسيط أو شفيع. وكان يتم تأكيد ذلك الاعتقاد خصوصاً حين دراسة الجزء من التاريخ الأوروبي، الذي كانت فيه الكنيسة الكاثوليكية تمارس سُلطات دينية وزمانية، وتُجني ثروات هائلة من أملاكها وأوقافها، وما تفرضه على رعاياها من واجبات وصكوك مالية وعينية.

وصل بها الأمر إلى إقناع أولئك الرعايا بأنه يمكنهم التكفير عن ذنوبهم الدنيوية بشراء صكوك في الجنة يدفعون ثمنها للكنيسة في هذه الدُنيا، مقابل المغفرة لهم في الآخرة، وهي ما سُميت بصكوك الغُفران، ولكن راهباً شاباً من أحد المقاطعات الألمانية الذي ذهب لاستكمال دراسته الكنسية في الفاتيكان، بعد عِدة شهور من الدراسة والإقامة في روما، راعه الممارسات المادية المتعاظمة للكنيسة الكاثوليكية، فبدأ يُثير الأسئلة حول الجذور الدينية، والبراهين التورانية والإنجيلية التي تُبرر تِلك الممارسات المادية للكنيسة.

بدأت أسئلته تُحرج كبار الرُهبان والأساقفة الذين لم تكن لديهم إجابات مُقنعة لأسئلة الراهب الشاب مارتن لوثر، فقرروا فصله من دراسته الكنسية، وإعادته إلى بلاده في ألمانيا، ولكنه وهو في طريق العودة، التي كانت تستغرق عِدة أسابيع، كان مارتن لوثر يُجاهر لمن يُصادفهم في الكنائس وفي الطريق بأسئلته وتذكيره لمن يستمعون إليه بتعاليم المسيح وبالمبادئ البسيطة للمسيحية، والتي تُبشر بالجنة لمن يعملون عملاً صالحاً على الأرض في هذه الدُنيا. ومع زيادة عدد مَن استمعوا إليه واستجابوا له، قررت رئاسة الكنيسة في روما فصل مارتن لوثر وتابعيه من الكنيسة الكاثوليكية، وأطلقت عليهم المعترضين أو المحتجين، أو البروتستانت. ومع زيادة عددهم، بدأت الكنيسة في روما تشعر بخطر مارتن لوثر وتحريضه على رفض شراء صكوك الغُفران. وحرّضت بعض الأمراء والملوك بالتحالف ومُحاربة المحتجين البروتستانت.

دخلت أوروبا حروباً دينية بين مسيحيين من أنصار البابا في روما، ومسيحيين آخرين من البروتستانت، ودامت تِلك الحروب مائة عام، وتوقفت لعدة سنوات، ثم استؤنفت مرة أخرى لمدة ثلاثين عاماً، إلى أن اجتمع الملوك والأساقفة وعقدوا صُلح وستفاليا، الذي سمح لكل الناس أن يختاروا، بإرادتهم الحُرة، ما يُريدون من معتقدات ومذاهب دينية.

لقد أفضنا فيما حدث في العالم المسيحي للتدليل على أن إصلاح الفكر الديني، لم يحدث ولن يحدث من المؤسسة الدينية التي تعتبر نفسها محتكرة للحقيقة الإيمانية، وأن ما عداها غير مؤهلين للحديث باسم الدين أو العقيدة أو المذهب. ولا يختلف الأزهريون المسلمون في ذلك القرن الحادي والعشرين عن أساقفة ورهبان الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر. فالمؤسسة الأزهرية ممثلة في شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، في صيحته الغاضبة في وجه د. محمد عُثمان الخُشت، بأن لا يمس التراب، الذي تراكم خلال خمسة عشر قرناً إسلامياً، دون تجديد أو تطوير، أو تغيير، هو مثله مثل بابا الفاتيكان في روما، الذي صاح في وجه مارتن لوثر، واتهمه بالعقوق، لمجرد مُساءلته عن أي نصوص دينية في التوراه والإنجيل تتحدث عن صكوك للغُفران تُباع في الدُنيا لضمان الجنة في الآخرة!

إن حقيقة الأمور، كما يؤكدها التاريخ، هي أن التغيير أو التطوير لأي مؤسسة دينية أو سياسية، نادراً ما يأتي من داخلها، لأن القائمون عليها، والمستفيدون منها، يعتبرون أنفسهم حُراساً للمعبد المقدس. وكل مَن يجرؤ على الولوج إليه من خارجه، أو حتى مُساءلتهم من داخله، يكون عاقاً فاسقاً يحق عليه اللعنات في الدُنيا والآخرة!

ألم يكن ذلك ما حدث لبعض الأزهريين الشباب من كبار مشايخهم –مثل الشيخ محمد عبده، ومصطفي عبد الرازق، وطه حسين، وكذلك لكل من د. فرج فودة، ود. نصر حامد أبوزيد. ورغم أنني لا أريد الخوض في أمور كنيستنا القبطية، إلا أن الشاهد هو أنها ظلت هي الأخرى في تعاليمها وطقوسها بلا تغيير خلال الألف سنة الأخيرة من تاريخها، وخاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية – من زواج وطلاق ومواريث.

وعودة إلى سِجال فضيلة شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة، فالشاهد هو أن كل منهما يمُثل استمرارية قاربت مائة سنة –منذ بدأ السِجال حول الأصالة والمُعاصرة، والطربوش والقبعة، والتراث والحداثة، والتطلع شمالاً عبر البحر المتوسط وأوروبا، أو جنوباً صوب إفريقيا والجزيرة الغربية، وهي ثُنائيات حدية ومُفاضلات وهمية، فواقع الأمر أن الناس في حياتها اليومية تأخذ من هذا وذاك ما ينفعها أو يُناسب ظروفها.

نُشر في اليوم السابع المصرية