"الماء العاشق" تطواف كوني عولمي

رواية أحمد فضل شبلول تدور حول فكرة رئيسة ألا وهي فكرة الماء عنصرا كونيا مع ربط مجمل الأسماء والأماكن والأشياء بمنظور تاريخي.
رواية داخل الرواية
عرائس البحر
الحاكم بأمر الله
ليلى علوي

بقلم: د. نوران فؤاد
"الماء العاشق" هي الرواية الثانية للكاتب والشاعر أحمد فضل شبلول، وجدت فيها تطوافا مكانيا وزمانيا وأدبيا وإنسانيا رائعا لكل شبر في مدينة الإسكندرية، من سيدي جابر، سيدي بشر، المنشية، سعد زغلول، وغيرها من الأماكن، بل مجاوزة الزمان والمكان إلى مدينة مرسى مطروح وأماكنها المميزة، شارع الإسكندرية، منطقة الأبيّض، فندق عروس البحر، يشتم فيها قارئ العمل الروائي أريج زهور المارية الفواحة من شرقها إلى غربها، مرورا بشمالها وجنوبها. 
إن تطواف "الماء العاشق" تطواف كوني عولمي من الإسكندرية إلى القاهرة ولبنان والسعودية وباريس وغيرها، في عرض سيرروائي مجتمعي ملحمي، للكائن والمتوقع.
وتدور رواية أحمد فضل شبلول حول فكرة رئيسة ألا وهي فكرة الماء عنصرا كونيا مع ربط مجمل الأسماء والأماكن والأشياء بمنظور تاريخي. إضافة إلى ارتباط ملامح العمل الروائي بسمات المدرسة الإنجليزية في الكتابة الروائية، ونعني الرواية داخل الرواية، حيث نجد المعاصر مطعما بالتاريخي، وبوقائع مسجلة لا شك ولا جدال فيها "وجعلنا من الماء كل شيء حي".
والماء هو لب الحياة، ومحور الكون وختم أجسادنا وتاج رؤوسنا، فلا معيشة ولا سقاية إلا به، وسادت بسببه حروب المياه، حروب القرن. وعبّر الكاتب عن ذلك بقصيدة عصماء "سيبقى الماء قصيدي" بداية بأقسام الرواية واختيار العنونة الأكثر مناسبة لها: "الماء خليلي، التعرق، الزجاجة .. الخ".
الكاتب وصف وأفرد تقسيمات للبشر بين مائيين وترابيين، مع تحفظ أنه ليس بالشرط انتساب المائي والترابي لجغرافية ميلاده ونشأته، قد يحب أحدهم البحر ويقرض الأشعار فيه رغم كونه مخلوقا ترابيا.
إننا نجد تماثل فانتزيا البحر في "الماء العاشق"، نجد الحوريات، الحيتان، ملوك الجان، وهو ما يذكرنا بأعمال روائية سابقة، مثل "سحر البحر" لأشرف الخريبي، و"العودة إلى أطلانطا" لنوال مهنى.
في "الماء العاشق" نجد أمَّ الماء التي تقارب الحكي الشعبي لعرائس البحر، والإضافة في فكرة الرواية هنا أن الماء العاشق يتكلم بتصرف ويحرك الأحداث التصاعدية للعمل الروائي، فيأخذنا إلى تلك العوالم الممكنة، وغير الممكنة في فترات حكم تاريخية وبارقة، مثل فترة حكم الحاكم بأمر الله، مع عودة إلى دولة البطالسة، ومليكتهم البطلمية كليوباترا السابعة، إلى صوفية الحكي، وتأكيد الأحداث لقيم الولاية والموروثات الشعبية في سردية بئر مسعود، إلى تراتيل عجوز كهف جعيطة بلبنان، وغناء الحوريات المتلألئات السابحات في الملكوت المائي، وحضور النص القرآني (ص 46) وأيضا نجد فلسفة الفيدا الهندية (تناسخ الأرواح) وتنهدات الماء العاشق وأفكاره وطرق تعبيره.
تطالعنا في سير العمل الروائي، الفكرة السردية الرئيسة، وهي تلك العلاقة الثنائية الزخمة بين بطلي العمل (عمر وهدى) التي أرى أنها لا تتوافق وقيم مجتمعنا، فماذا لو غايرنا السرد الروائي وأحدثنا مقاربة والقيم السائدة، بأن تكون مغامرتهما ورحلاتهما معا ضمن نشاط الشركة التي يعملان فيها، بتورية حصيفة تساند الفكرة الأدبية ولا تدحضها، فتكون أكثر منطقية وقبولا لدى القارئ.
أدهشتني القدرة الإبداعية في سرد التفاصيل والإلمام بها على دقتها وتنوعها وتعددها بمهارة فائقة، فيما أسميته بالفيمتو تفصيلة، كزيارة الفنانة الأكثر شعبية وشهرة ليلى علوي، وتعلقها بالعطور باهظة الثمن، وهي تفصيلة حقيقية وصادقة، بنيت عليها المزيد والمزيج من أحداث العمل الروائي، وكأي ناقد وقارئ يتساءلان هل تم الاتفاق والتواصل مع الفنانة ليلى علوي ليتم طرح اسمها صراحة في صلب العمل وثبته؟