المحافظون في الجزائر يدعمون الجيش في وجه مطالب الديمقراطية

جهاديون سابقون يخيرون دعم منظومة الحكم الحالية التي تهيمن عليها المؤسسة العسكرية محملين بإرث العشرية السوداء، في وقت يطالب فيه الجزائريون بنظام تعددي.
الشباب الجزائري يريد حاكما شابا ومنفتحا كاوباما او ماكرون
قيادات الإسلام السياسي منقسمة ممزقة وليس لها نفوذ يذكر على الصعيد السياسي

الجزائر - بينما ظل عشرات الآلاف من الجزائريين يخرجون للشوارع في العاصمة على مدى أربعة أشهر للمطالبة بإصلاحات سياسية شاملة كان المقاتلون السابقون الذين قادوا آخر مواجهة مع مؤسسة الحكم يحذرون الناس من مغبة تخريب السفينة.

ففي التسعينيات قاد هؤلاء المقاتلون انتفاضة على الجيش بعد أن ألغى انتخابات تاريخية شاركت فيها أحزاب متعددة وكان التيار الإسلامي على وشك الفوز فيها.

أما هذه المرة فهم يقولون إن الاحتجاجات قد تؤدي إلى تكرار الفوضى والدماء التي سالت من جراء أفعالهم السابقة.

وقال الشيخ يحيى أحد هؤلاء المقاتلين في بيته بقرية حيزر الواقعة في الجبال على مسافة 120 كيلومترا شرقي العاصمة الجزائر حيث يعمل الآن قصابا (جزارا) "أشعر بندم شديد على ما حدث في التسعينيات".

وأضاف "ولهذا لن أشارك أبدا في أي عمل قد ينقلب إلى العنف".

أشعر بندم شديد على ما حدث في التسعينيات...ولهذا لن أشارك أبدا في أي عمل قد ينقلب إلى العنف

وسقط حوالي 200 ألف قتيل في الحرب الأهلية التي امتدت عشر سنوات تقريبا في الجزائر وجعلت كثيرين من الجزائريين يخشون التغيير الجذري الآن بعد أن أذعن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لضغوط الشارع وتنحى عن الحكم.

وفي أعقاب رحيل بوتفليقة في ابريل/نيسان طالب المحتجون برحيل النخبة الحاكمة المسيطرة على البلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962 وهو نفسه السبب الذي دعا الإسلاميين لرفع السلاح في 1991.

لكن يحيى وغيره من الإسلاميين من أصحاب الأفكار المتشددة يؤيدون الآن الجيش وقوى الأمن التي تمثل أقوى عنصر في تلك النخبة التي تضم أيضا كبار رجال الأعمال والمناضلين السابقين في حرب الاستقلال بحزب الجبهة الوطنية الحاكم في الجزائر بالإضافة إلى النقابات العمالية في نظام تهيمن فيه الدولة على الاقتصاد القائم على إنتاج النفط والغاز.

وهؤلاء المقاتلون السابقون جهاديون متزمتون ينتمون للمذهب السني.

ويقول محللون إن نفوذ السلفيين في الجزائر يفوق أعدادهم بكثير إذ يوجد سلفي واحد بين كل 40 جزائريا. وهذا يجعل لأفكارهم المعارضة للاحتجاجات وزنا كبيرا في مواجهة المطالبين بالتغيير الجذري.

وقال المحلل السياسي محمد مولودي "الجزائر فيها حوالي 18 ألف مسجد معظمها تحت نفوذ السلفيين". ولأحد الدعاة السلفيين موقع على الانترنت يتابعه الملايين.

وعلى النقيض تحاشى الصوفيون، الذين يمثلون مدرسة أشمل في المذهب السني ينتمي إليها معظم الجزائريين، لفت الأنظار إليهم منذ الإطاحة ببوتفليقة الذي كان أرفع الشخصيات التي خرجت من صفوفهم.

والسلفيون محافظون على المستوى الاجتماعي كما يرفضون مظاهر النفوذ الغربي من الملابس إلى النظم السياسية.

القائد العسكري والزعيم المحافظ

ولعب قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح دورا رئيسيا في الإطاحة ببوتفليقة بإعلانه أن سوء الحالة الصحية للرئيس يجعله غير مؤهل لأداء مهام منصبه.

وأصبح رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا لكنه يتعرض الآن لضغوط من المتظاهرين للاستقالة بسبب صلاته ببوتفليقة وقد تعهد في السادس من يونيو حزيران الجاري بالبقاء في منصبه حتى الانتخابات التي تأجلت إلى أجل غير مسمى.

واقترحت طائفة من المحتجين وبعض أئمة السلفيين أن يسلم بن صالح السلطة للوزير المحافظ السابق أحمد طالب الإبراهيمي نجل رجل الدين المعروف بشير الإبراهيمي الذي لعب دورا في حرب الاستقلال من 1954 إلى 1962.

وأحمد طالب الإبراهيمي خصم عنيد لبوتفليقة الذي لم يسمح له بتشكيل حزب سياسي. وقد وعد الإبراهيمي (87 عاما) بوضع نهاية لما سماه المال القذر في إشارة للفساد في عهد بوتفليقة وبتطبيق الشفافية.

الوزير الجزائري السابق أحمد طالب الإبراهيمي
كان خصما عنيدا لبوتفليقة

وقال سيف الإسلام بن عطية وهو طبيب أسنان من الشخصيات التي برزت بين المحتجين "الإبراهيمي واحد من الساسة الأنقياء النادرين في الجزائر الذي يمكنهم مصالحة الشباب على السياسة. ونحن نعتقد أن بإمكانه أن يلعب دورا في غاية الإيجابية".

ويؤيد يحيى، في حضور اثنين من زملائه المقاتلين السابقين، الإبراهيمي وقائد الجيش صالح. وقال يحيى "نحن نريد بقاء الاستقرار".

وتقع قرية يحيى فيما كان يعرف في التسعينيات باسم "مثلث الموت" نقطة انطلاق الحرب الأهلية التي قال الجيش إنه خاضها لمنع انزلاق البلاد إلى حكم على غرار نظام حكم حركة طالبان. وكانت الجبال بكهوفها ووديانها الأرض المثالية لاختباء المقاتلين وتخزين السلاح وإعداد الكمائن لمهاجمة الجيش.

وتخلى يحيى عن القتال في 2006 بعد أن قبل العفو الذي أعلنه بوتفليقة وأقنع آخرين بالتصالح مع الدولة.

وكافأته الدولة بمبلغ 6000 دولار لبناء بيت متواضع يشغل متجره الدور الأرضي منه. وحصل اثنان من أبنائه على وظائف في شركات تابعة للدولة وهو مصدر رزق يخشيان أن يفقداه إذا ما بلغت الأمور حد الفوضى.

هبة من الله

ويعمل السلفيون في هدوء للتأثير في المجتمع وتميزهم اللحية الطويلة والجلباب الأبيض والسروال القصير تأسيا بالنبي محمد.

ويظهر نفوذهم في حيزر حيث يمثل بيت يحيى نقطة تجمع للشباب والجيران وغيرهم من المقاتلين السابقين الذين أقنعهم بإلقاء السلاح.

وقال يحيى "المسيرات والاحتجاجات والاضطرابات وكل الأدوات التي تستخدم في النظم الديمقراطية لإسقاط الزعماء حرام في الإسلام".

ويقول المحللون إن لمثل هذه الرسائل صدى في الجزائر لأن كثيرين يخشون أن يؤدي طول أمد الاضطرابات إلى إضعاف الدولة التي توفر الوظائف والتأمين الصحي والإسكان.

كما أنها تقوض أيضا الأحزاب السياسية الإسلامية التي واجهت صعوبات منذ حظر جبهة الإنقاذ الإسلامي في العام التالي للانتخابات التي كانت على وشك الفوز فيها في 1991.

وقال مولودي لرويترز "السلفيون لهم نفوذ لأنهم يركزون على الشباب وعلى المجتمع. قيادات الإسلام السياسي منقسمة ممزقة وليس لها نفوذ يذكر على الصعيد السياسي".

المحتجات في الجزائر
الجزائريات يرفضن حكم الاسلاميين

وفي العاصمة الجزائر يعارض بعض الشباب المحتجين وبينهم نساء كثيرات وبعض الأطفال أي نوع من سيطرة الإسلاميين.

قالت نادية بقاسم (21 عاما) التي تدرس اللغة الانجليزية بجامعة الجزائر ولا ترتدي الحجاب "نريد تغييرا جذريا لكنني لا أريد أن ينتهي الحال إلى حكم الإسلاميين للبلاد".

نريد تغييرا جذريا لكنني لا أريد أن ينتهي الحال إلى حكم الإسلاميين للبلاد

وأضافت "الديمقراطية الغربية هي نموذجي".

وبدلا من الإبراهيمي تريد نادية زعيما جزائريا شابا مثل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقالت "نحن شعب من الشباب".

وتستمر الاحتجاجات الأسبوعية يوم الجمعة لكن الأعداد تقلصت في الأسابيع الأخيرة الأمر الذي يشير إلى أن استقالة بوتفليقة ومحاكمة شقيقه الأصغر سعيد أقرب مستشاريه وآخرين قد أدت إلى تباطؤ زخم الاحتجاج.

وقال يحيى "بعد الفوضى ومقتل 200 ألف لدينا الآن سلام واستقرار وهذه هبة من الله".

وأضاف "لنحافظ عليها".